الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 21:02

مَن يدفع ثمن البطاقة؟/ بقلم: الأديب محمد علي طه

الأديب محمد علي
نُشر: 19/07/22 13:29,  حُتلن: 16:05

كانت جارتنا رُقَيّة، رحمها الله، حكّاءة الحيّ، ومن أمتع حكاياتها "حكاية بدايتها كذب ونهايتها كذب". تقول لنا: وحّدوا الله! وتبدأ بصوتها الجميل وكلامها المسجوع: "بحكي عن شَكي، عن بَكي، عن جعفر البرمكيّ، عن طاق، عن طرنطاق، عن خروف محشي برقاق، نحن أولاد قيقا الكذب ما بنعرفه، منحمّل البرغوث غراره، وفوق الغراره بنركبه، بنّزلوا على البحر ما بيجيه لنصّ ركبته." وتستمرّ بحكايتها وبالكلام الغريب ولا نعرف من هو شكي أو بكي ولا طاق وطرنطاق، ونبقى مشدودين اليها ونحلم بلقمة من الخروف السّمين.
تذكّرت هذه الحكاية مرّتين في الأسبوع الماضي، أولهما في أثناء زيارة الرّئيس الأمريكيّ العجوز جو بايدن الّذي تفاخر بصهيونيّته الّتي رضعها من أسلافه منذ ترومان حتّى ترامب، وأغدق على حكّام إسرائيل ما يملكه وما لا يملكه من أموال وصناعة وغاز ونفط وفضاء وأراضٍ وبحار وجزر "وما تطلبه وتشتهيه المرأة الوحمانة" ولم ينسَ من باب "على راس لساني ولا تنساني" أن يهب الفلسطينيّين "حبّة ملبس" في المستشفى المقدسيّ حيث جرى العدوان على نعش الشهيدة شيرين أبو عاقلة كما اجتهد أن يؤجّل نعي حلّ الدّولتين وإهالة التّراب على المرحومة أوسلو.
قاموس الرّئيس جو بايدن فقير جدًّا وقد فعل الزّمان فيه ما فعله مع انف أبي الهول فهو لا يحتوي على كلمات "احتلال واستيطان وأبرتهايد".
وأمّا المرّة الثّانيّة الّتي تذّكرت بها حكايا جارتنا فكانت بعد مشاهدتي الفصل الثّاني من مسرحيّة محاكمة نتنياهو على مسرح المحكمة المركزيّة في مدينة القدس وتساءلت: على ماذا هذا الضّجيج؟ هل سقطت خشبة من السّماء؟ نتنياهو هو ملك إسرائيل ولم يوقف البناء في المستوطنات، ولن ولم يلجم المستوطنين، ولم تنزلق على لسانه الذّرب كلمة "سلام" أو مصطلح "دولة فلسطينيّة"، ولن يعترف بقرية عربيّة بدويّة في النّقب، ولن تعتمد حكومته العتيدة على أعضاء الكنيست العرب "الارهابيّين" حتّى الّذين اعترفوا منهم بيهوديّة الدّولة في زمن الهرولة العربيّة.
هل ذنب الرّجل أنّه يحبّ أن يكيّف ويدّخن السّيجار الكوبيّ الفاخر؟.
هذا رئيس حكومة يا جماعة وصديق لرؤساء دول عظمى مثل أمريكا وروسيا والهند والسّودان والبحرين ويحقّ له أن يتمتّع. ويحقّ له أن يدّخن يوميًّا صندوقًا من السّيجار الهافانيّ بعد الغداء، وصندوقين بعد العشاء، وثلاثة صناديق في السّهرة. فماذا جرى؟! ويحقّ له أيضًا أن يعاقر الخمرة ويشرب الشّمبانيا والنّبيذ على أنواعه، والويسكي على أنواعها، والأوزو والعرق الزّحلاويّ، وما لذّ وطاب من الطّعام والشّراب، بل يحقّ له أن يجاهر بشرب الخمرة كما فعل النّواسيّ. وأمّا أنا فأقولها بصراحة: لا يضرّني أن يشرب أبو يائير الشّمبانيا وأخواتها وأن يدّخن السّيجار بل أدعو الى تزويده بصناديق وبخوابي من كليهما.
ضمّ أبو يائير الى دولة إسرائيل الكبرى، بقوّته وقوّة ماما أمريكا، سهولًا وجبالًا وأوديةً وأنهارًا وأشجارًا ومدننًا وقرى، وفعل عساكره ومستوطنوه في اللّيل والنّهار "عمايل" لا يحتمل الورق كتابتها، وما سأله أحد منكم ولا اعترضه أحد منكم وتحاكمونه على سيجار وزجاجة شمبانيا؟!
نحن أمام مسرحيّتين بائستين ومخرجهما واحد وبدايتهما واحدة ونهايتهما واحدة ولكن من يدفع ثمن البطاقة؟!
بحكي عن شكي عن بكي عن جعفر البرمكيّ، عن طاق عن طرنطاق، عن خروف محشي برقاق، احنا أولاد قيقا الكذب ما بنعرفه!

مقالات متعلقة