الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 15:02

نعيش في مرحلة حُبلى/ بقلم: الأديب والكاتب محمد علي طه

كل العرب
نُشر: 14/06/22 14:34,  حُتلن: 16:08

أعادت أمور في المناخ السّياسيّ الاسرائيليّ المواطنَ اليهوديَّ الى الواقع الرّماديّ وأبعدته ولو للحظاتٍ عن التّفكير بالرّحلات الى المنتجعات السّياحيّة والسّهر في البارات وشرب النّبيذ والبيرة وسماع الموسيقى، وذكّرته بأنّ هناك احتلالًا للقدسِ والضّفة الغربيّة، وأنّ هناك شعبًا يعاني من ممارسات الاحتلال البغيض وبخاصّة ما يجري من اهانات على الحواجز، ومن المداهمات الليليّة للبيوت، وتصرّفات الجنود اللاإنسانيّة مع المواطن الفلسطينيّ، كما ذكّرته أنّ هناك نظام أبرتهايد في "المناطق" يقمع الانسان الفلسطينيّ ويطلق الرّصاص على الشّبّان الصّغار ويرديهم صرعى ولا محاسبة للفاعل فحجّة القتل جاهزة سلفًا، فالقتيل ارهابيّ يرجم الجنود بالحجارة ويحمل سكّينًا، كما أنّ هذا النّظام يصادر أراضي الفلسطينيّ ويدّمر كرومه وحقوله ويعتقل من يشاء من أفراد الشّعب المحتلّ بينما يحمي المستوطن ويدعمه في سرقة أرض الآخر والعدوان على أملاكه.
هناك ثلاثة أمور بارزة:

أولًا: الصّمود الأسطوريّ لأهلنا في القدس ومقاومتهم الشّجاعة والسّلميّة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وباب العامود وأحياء القدس الّتي شدّت أنظار النّاس ممّن بقي عندهم بقايا ضمير مثلما شدّت أنظار قطاعات واسعة في العالم.
ثانيًا: مقتل وجنازة الاعلاميّة الشّهيدة شيرين أبو عاقلة وما رافق الجنازة الكبيرة من قمعٍ ومن غطرسة المحتلّ وغبائه وحّد الشّعب الفلسطينيّ برجاله وبنسائه، وبشبّانه وبشيوخه، وبأحزابه وبمنظّماته وبجمعيّاته، ونقل قضيته العادلة الى العالم، وجعلها تدخل بيوت الاسرائيليّين وتفرض نفسها على جلساتهم وتطرح أسئلة خطيرة عليهم.
وأعتقد أنّ صورة هؤلاء الشّبان الشّجعان الّذين كانوا يحملون نعش الشّهيدة وحافظوا عليه من السّقوط على الأرض رغمًا عن هراوات العساكر قالت الكثير للمشاهد وستبقى حيّة في الذّاكرة، كما أنّ صور الشّبّان والشّابات المتمسّكين بالأعلام الفلسطينيّة والمصرّين على رفعها كتبت ملحمة خالدة.
ثالثًا: فشل حكومة الرّأسين بنيت- لبيد أو حكومة التّغيّير بلا تغيير أو حكومة الثّمانية (يستطيع القارئ أن يختار الاسم الّذي يراه ملائمًا) في إعادة شرعنة قانون الأبرتهايد على الضّفة الغربيّة، هذا القانون المعمول به منذ احتلال العام 1967 والّتي تجدّده حكومات الاحتلال كلّ خمس سنوات بهدوءٍ وسلاسة، وأمّا هذه المرّة، وفي هذا الحزيران، ولأنّ بنيامين نتنياهو هدفه الأوّل اسقاط هذه الحكومة فقد عارض اليمين المتطرّف خصمه اليمين الاستيطانيّ فأعاد موضوع الاحتلال الى السّاحة الاسرائيليّة بعد أن غيّبه نتنياهو في سنوات حكمه الطّويلة، فالنّقاش الحادّ في الكنيست والتّلفزيون بقنواته المختلفة، وفي الصّحافة على اختلاف أنواعها يأخذ حيّزًا كبيرًا بل هو الموضوع الأوّل تقريبًا.
من الطّبيعيّ أن يؤثّر هذا الأمر على المواطن الاسرائيليّ العاديّ الّذي كان طيلة سنوات قد نسي الاحتلال وغاب عنه ما يعانيه الشّعب الفلسطينيّ من صلف وتصرّفات العساكر العنصريّة وانشغل في حياته اليوميّة وفي رفع مستوى معيشته.

نعيش ويعيش الاسرائيليّون في مرحلةٍ حبلى تذكّرنا بأوضاع مشابهة عاشها الشّعب الإسرائيليّ قبل حرب أكتوبر 1973 وقبل حروب إسرائيل على لبنان وقبل قرار باراك التّاريخيّ بالانسحاب من لبنان، وتؤكّد هذه الفترة على أنّ حرب حزيران أو حرب الأيّام السّتّة كما يسّمونها لم تنتهِ بعد، فهل يهتدي ساسة إسرائيل وقادتها الى القرار الصّحيح أم أنّ عنوان رواية ساراماغو سيبقى مسيطرًا عليهم؟ فإلى متى؟ الى متى؟!
وللقرّاء الّذين نسوا اسم الرّواية الشّهيرة أو لم يقرأوها أقول أنّ اسمها "العمى"!
 

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة