الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 17:02

اسرائيل تعود للأمم المتحدة معزَّزةً بالتطبيع العربي-أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 11/06/22 23:01

في السابع من حزيران الجاري تمّ انتخاب المندوب الاسرائيلي نائبا لرئيس الجمعية العمومية في دورتها الـ77، وذلك في انتخابات شاركت بها 193 دولة.  تعيدنا هذه الخطوة مباشرةً الى العام 1975 وللقرارالتاريخي رقم 3379 في الجمعية العامة للامم المتحدة باعتبار الصهيونية عنصرية. كما يعيدنا الى الخطاب الصهيوني الدائم بأنّ الامم المتحدة لا تساوي شيئا أو الأرض القفر (أُووم شْمومْ). يأتي انتخاب غلعاد أردان نائبا لرئيس الجمعية العمومية، ليشكل ضربة معنوية وسياسية للدبلوماسية الفلسطينية وللعربية المعنية بمعاقبة اسرائيل، لتتبوّؤ الأخيرة أحد المناصب العليا في المنظمة الدولية، كما تتزامن الاحداث بأن يأتي هذا الانتخاب والانجاز الاسرائيلي في الذكرى الخامسة والخمسين لعدوان 1967 وللاحتلال الذي لا يزال جاثماً ويتعمق في القدس والضفة الغربية والجولان السوري وفي محاصرة غزة. كما ويتناقض بشكل صارخ مع تقرير لجنة التحقيق في جرائم دولة الاحتلال، هذه اللجنة المنبثقة عن هيئة مركزية في الامم المتحدة ذاتها وهي مجلس حقوق الانسان، لكن لا غرابة حيث أنّ المنظومة الدولية لا تعتمد الاخلاق بل موازين القوى والمصالح ليس إلا، بينما تختلف تفاعلات مجلس حقوق الانسان لكونه لا يخضع لحق النقض وفيه وزن للمنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية.

يدلّل انتخاب المندوب الاسرائيلي على التحوّلات الخطيرة على الساحة الدولية بمستواها الرسمي الحاسم، إذ تسعى هذه الدولة ومنذ حوالي الثلاثة عقود لكسب مكانة خاصة في المنظمة الدولية، وكان بنيامين نتنياهو أكثر مَن استثمر من جهود في استعادة مكانة اسرائيل في الحلبة الاممية وعلى خلاف النهج السابق والسائد القائل بعبثية الامم المتحدة. كما راى نتنياهو والمؤسسة الصهيونية الحاكمة بأنّ التحوّلات الاكثر أهميةً والواعدة في هذا السياق هي التحوّلات في الدول الافريقية، وخاصة افريقيا السوداء او دول جنوب الصحراء والتي يبلغ عددها 48 دولة تقيم أربعون منها علاقات دبلوماسية معها.  في العام 2018 وخلال اجتماعه مع ثمانية من القادة الافارقة، اطلق شعاره "اسرائيل تعود الى افريقيا وافريقيا تعود الى اسرائيل" وشملت العلاقات مع افريقيا التعاون الامني والاقتصادي والثقافي والجيو-استراتيجي ايضا، بينما على صعيد المنظمات الدولية رأى نتنياهو بأن افريقيا هي الكتلة الدولية الاكبر التي من شأنها أن تحدث التحوّل في هيئات الامم المتحدة، وقد اعتمد في قراءته على التحوّلات الحاصلة في النخب الحاكمة والمؤثرة في البلدان الافريقية والتي على عكس الجيل الذي سبقها اي جيل حركات التحرر الوطني، والتي أخفقت الكثير منها فيما بعد، كان يناصر فلسطين والحق العربي ويناويء اسرائيل على الاقل علنياً، وهو المنحى الذي تَعزَّز بعد حرب تشرين 1973. بينما النخب الحالية ليست منشغلة بفلسطين بل معنية بانجاز خطة التنمية الوطنيّة والقارية الافريقية 2065 والتي حددها الاتحاد الافريقي الذي حلّ مكان منظمة التضامن الافريقية، والذي تسعى اسرائيل للحصول على وضعية عضوية مراقبة فيه. وبالفعل فإن الدول التي كانت تدعم الحق الفلسطيني والتعاون الافريقي العربي باتت تقودها هويتها الافريقية وأولوياتها الى تعزيز علاقاتها مع اسرائيل واستعداء عدد من الدول العربية ومثال على ذلك موقف أثيوبيا من كل من مصر والسودان، واثيوبيا هي الدول الاكبر والتي تقود الاتحاد الافريقي. حتى العلاقات الاسرائيلية الخليجية وبالذات مع الامارات تقوم بدور مشترك كبير في تطوير طرق التجارة العالمية في القارة وفي تقاسم نفذ عسكري في دول غرب افريقيا والهلال الافريقي في شرقها. وهي المناطق التي تشكل طوقا على البلدان العربية في شمال افريقيا وسدا امام تعزيز نفوذها، كل ذلك بعد انهيار الطوق العربي والشمال افريقي التاريخي على اسرائيل.

في المقابل باتت دول اوروبا الشرقية من اهم حلفاء الدبلوماسية الاسرائيلية واثّرت هذه الدول على مجمل الموقف الاوروبي بعد أن كانت جزءا من المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. هذا بالاضافة الى العلاقات الاستراتيجية مع كل من روسيا والهند، والعلاقات التجارية المتطورة مع الصين، والنفوذ الاسرائيلي العالمي المدعوم بالقوة العظمى للولايات المتحدة العالمية والتأثير الناتج عن ذلك.

لقد جاء التطبيع العربي شبه الجماعي واتفاقات ابراهام، ودون الخوض في تفاصيله، لتقنع اسرائيل من خلاله دولَ العالم بأنّ البلدان العربية قد تنازلت عن فلسطين او تجاوزتها في علاقتها معها، مما جعل المجاهرة الدولية في العلاقة مع اسرائيل شيئا سهل التحقيق وطبيعيا. فلن يكون العالم اكثر عربياً من العرب. ليتم تتويج هذه المساعي بالتعاون الامني والعسكري وإقامة تحالفات واصطفافات اقليمية جديدة ومشاريع اقتصادية عظمى سواء طرق التجارة وإسالة الغاز الطبيعي مع الامارالت أم توفير البنية الاقليمية لاستخراج كميات هائلة من الغاز من تحت البحر وتصدير كميات كبيرة الى اووربا بالاضافة الى الاستخدام الذاتي. اي انها باتت دولة عظمى اقليمية وذات نفوذ عالمي، وضاغط دبلوماسيا ايضا على الاتحاد الاوروبي الذي تتآكله الصراعات وبات اضعف ممنا كان عليه في السابق خاصة بعد انسحاب بريطانيا منه. لذلك فإن انتخاب اردان لنيابة رئاسة الجمعية العمومية في الامم المتحدة ليس نتاج الصدف او اللحظة الاخيرة وانما نتاح عمل دؤوب متعددة الأذرع ومتواصل قامت، وجاء تحصيل حاصل للوضع القائم.

في الحقيقة لا يمكن الادعاء بأنّ الدبلوماسية الفلسطينية او العربية ضعيفة، بل انها دبلوماسية نشطة وناجعة ومؤثرة وهناك الكثير من الانجازات التي راكمتها، ويقوم ممثلوها بدور فعّال وجدير وبالذات في أروقة الأمم المتحدة.  وبالامكان الاشارة الى ثلاثة بلدان وهي مصر والجزائر وفلسطين التي تنشط دبلوماسيا وفي المحافل الدولية بشكل قوي للغاية. الا ان المشكلة ليست في النشاط الدبلوماسي وبجدارته، وانما في وضعية العالم العربي ووضعية فلسطين في ظل ضعف بنيوي داخلي وتوازن قوى استراتيجي يميل بشكل صارخ لصالح اسرئايل والولايات المتحدة، ولا يمكن الفصل بينهما في هذا الصدد. وهذه الفجوة في توازنات القوى على الارض هي التي تحاصر الأثر الدبلوماسي المنبثق من قوة الدول.

لهذا ايضا نرى الفجوة الكبيرة بين المستويين الشعبي في العالم والرسمي بشأن الموقف من فلسطين وشعبها. بينما تتعاظم ادوار حركات التضامن والمقاطعة ودور النقابات ومنظمات المحاضرين والاتحادات الطلابية في جامعات العالم، وكذلك التطور في خطاب كبريات منظمات حقوق الانسان الدولية، نرى ان اثر هذه الحركات على دولها وحكوماتها محدود وذلك ايضا نتيجة لتوازن القوى الحقيقي على ارض الواقع والمهيمن على كل المجالات. كما انه ينقص الدبلوماسية الفلسطينية والعربية البعد الاستراتيجي بعيد المدى.وانعدام الادوات التي تملكها دولة الاحتلال مثل الغطاء الامريكي الثابت والقوة العسكرية والامنيّة والتجارية وقدرات التنقيب عن الغاز وغير ذلك من ادوات تخلق مصالح لدول اخرى بالتعامل معها ودعمها.

المستعربون يَصِلون الى جنيف

تقوم اسرائيل الرسميّة ومعها المنظمات الصهيونية العالميّة والمحليّة بتقاسم الأدوار في مسعى مكثّف للقضاء على القضية الفلسطينية ودمغها بالارهاب ونزع شرعيتها، وبالاساس تسعى الى التصدي الى المدّ الشعبي العالمي الذي تقوم به حركات التضامن، ومحلس حقوق الانسان ومنظمات حقوق الانسان.ففي العام الأخير تراكمت ثلاثة تقارير هامة للغاية ترى بإسرائيل دولة احتلال ومتورطة بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ودولة استعمار استيطاني وفصل عنصري.وتربط هذه التقارير بين ما تقوم به دولة الاحتلال في المناطق المحتلة عام 1967 ومناطق ال48 والشتات الفلسطيني واللجوء ومنع العودة. وقد تصدّرت هذه التقارير ما صدر هذه الايام عن لجنة التحقيق المنبثقة عن مجلس حقوق الانسان، وكذلك تقرير منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش. ورغم التفاوت بينها الا انها تقارير قد أجمعت على الجوهر وهي نافدة الأثر.

عمليا يمكن القول بأن اسرائيل قد بدات بعدوان أُممي متجدّد على الفلسطينيين وعلى أنصار الحق الفلسطيني، وذلك في مسعى لكسب حيّز اضافي من النفوذ عالميا، ولتعاظم نفوذها مقابل هذه القوى، وذلك ضمن حرب هجينة متعددة الاذرع والامكنة والوسائل، هدفها "اخضاع العدو" وكذلك انهاء القضية الفلسطينية بالكامل وازاحتها عن جدول اعمال العالم. في هذا السياق تنشط جمعية "شورات هدين" في البلاد وفي انحاء العالم ضمن ما يسمى "الحرب القضائية" والتي تحدد موقعها "في طليعة مكافحة الإرهاب وحماية حقوق اليهود في جميع أنحاء العالم"،  كما وتتعاون بشكل وثيق وبنيوي مع المؤسسة الرسمية الاسرائيلية الحكومة ومجلس الأمن القومي، وتقوم باستقاء معلوماتها وبتنسيق انشطتها من خلال وحدة "تْسَلتسِلْ" (أي إقرع الباب أو رنّ الهاتف) وهي تقع ضمن الاستراتيجيات التي طورها رئيس الموساد السابق مئير دغان والتي يموجبها ينبغي "فك الارتباط بين دوائر الارهاب وبين أكسير حياته الذي يحرّكه أي المال".

 في السادس من الجاري وعشية صدور تقرير لجنة التحقيق الأممية، وبالتزامن مع انتخاب اردان لمهامه الجديدة، نظّمت الجمعية بالتسيق مع الجهات المذكورة، مظاهرة أمام مقر الامم المتحدة في جنيف. فقد جنّدت طلابا يهود وجنودأً في الاحتياط، وقد ارتدوا ملابس وبزّات مشابهة لما يرتديه مقاتلو كتائب عز الدين القسام في غزة، واعتمر الاخرون الكوفية الفلسطينية وهتفوا "بالصداقة" وتلاقي الخطاب بين حماس ومجلس حقوق الانسان. وقد اعتبرت رئيسة الجمعية بأن "مجلس حقوق الانسان معروف بهوسه تجاه اسرائيل لكنه في هذه المرة يعمل على تقويض شرعية وجود الدولة" وبأنّ "مجلس حقوق الانسان هو اطار معادٍ للساميّة...الا انّ لجنة بيلاي [لجنة التحقيق] تشكّل مرتبة جديدة وخطيرة". 

لا بد من أنّ الساحة الدولية ستشهد مواجهة قوية وأعنف مما شهدناه في العقود الاخيرة، إذ باتت اسرائيل تعلّق آمالا على نفوذها ونفوذ المنظمات الصهيونية وعلى مساندة الكثير من دول العالم لها سعياً لتغيير هوية المنظمات الدولية، بينما العامل المستجدّ والاكثر تهديدا من وجهة نظرها هو جدية الجهود المبذولة لاخضاعها لمحكمة الجنايات الدولية. تتعاظم أهمية هذه المواجهة بكونها تتصاعد في ظل تغييرات جوهرية يشهدها النظام الدولي. لكن، ومهما كان، ففي مثل هذه المواجهة يملك الفلسطينيون وأنصارهم الكثير من مواطن القوة لمحاصرة دولة الاحتلال.

مقالات متعلقة