الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 23:01

وانتصرت في جنازتها على الاحتلال/ بقلم: الأديب محمّد علي طه

الأديب محمّد علي
نُشر: 18/05/22 13:53,  حُتلن: 15:40

لم يترك أبناء شعبك (نا) وبناته كلمة طيّبة جميلة كي أنعتك بها بعدما أغدقوا عليك وبحقٍ بكلّ المناقب الّتي تفجرّت من ينبوع "لسان العرب" و"العين" و"المحيط" فأنت الشّاهدة والشّهيدة، ونجمة القدس وعاشقتها، وشهيدة الكلمة الحرّة، وأنت الصّحافيّة الشّجاعة الماهرة الصّادقة الموضوعيّة المقاتلة بالكاميرا وبالتّقرير، الّتي دخلت بيوتنا بترحابٍ وبلا استئذان، وأنت الفلسطينيّة الّتي تزوّجت القضيّة، وفاضحة الاحتلال وراعية الشّبّان والشّابّات والثّائرين والثّائرات، وأنت حارسة النّباتات الصّغيرة بين مداميك البيوت العتيقة في القدس والخليل وبيت لحم ونابلس، وأنت العربيّة الفلسطينية المسيحيّة المسلمة والمسلمة المسيحيّة، وأنت السّائرة على درب غسّان كنفاني وكمال ناصر وماجد أبو شرار وأنتِ..وأنتِ.. ماذا بقي؟ لم تتركي لابن انثى من هذا الشّعب الأبيّ منقبة واحدة إذا ما استشهد يا ابنتي ويا "خَيتَا" ويا ابنة فلسطين من البحر الى النّهر ومن رمل رفح حتّى حجارة الخالصة!


كنتِ تحلمين دومًا بنعي الانقسام الفلسطينيّ وبزفاف الوحدة في حارات القدس ورام الله وغزّة فحقّقتِ ذلك باستشهادك وبجنازتك. وكنتِ تجرين نهارًا وليلًا من معركة الى مظاهرة الى مسيرة الى وقفة نضاليّة، وتركضين من مؤتمرٍ الى ندوةٍ، الى صرخة تعانق النّجوم، والى بزوغ الفجر من دمّ شهيد، والى وجع أمٍّ فلسطينيّة تندب فلذة كبدها، والى شوق طفلة الى عناق والدها الأسير، والى زيتونة في جبال القدس، والى زهر اللّوز في يعبد، والى رمل العراقيب، والى شذى الزّعتر في مسيرة العودة الّتي جئتِ تودّعيننا بها وتبقين معنا، وكنتِ تفعلين ذلك كي تنعي الاحتلال وتزّفي الحرّية والاستقلال لشعبك، فهل تعلمين أنّك جسّدت ذلك كلّه في استشهادك؟
فضحت وحشية الاحتلال في عملك اليوميّ، في الكاميرا الصّادقة، وفي التّقرير الموضوعيّ الشّجاع، وانتصرتِ عليه في استشهادك بل ضربته ضربة موجعة في جنازتك وانتصرت عليه مرة أخرى.

كان الاحتلال يخاف من رفيقتك الكاميرا ومن تقاريرك الميدانيّة ولكنّه ارتعب وجنّ من جنازتك.. نعم جنّ جنونًا شديدًا! يخاف الاحتلال من علمنا الفلسطينيّ ونشيدنا الفلسطينيّ وصوتنا الفلسطينيّ ويدنا الفلسطينيّة وصدرنا الفلسطينيّ العاري.

يخاف الاحتلال من التّابوت الفلسطينيّ ومن الجنّازة الفلسطينيّة. يخاف الاحتلال من شيرين حيّة وميّتة ويتصرّف بلا عقل، يتصرّف بحقدٍ وبغلّ أمام سبعة وعشرين سفيرًا من العالم يشاركون في الجنّازة، وأمام العالم كلّه.
انتصر العلم الفلسطينيّ في القدس العربيّة، في الحارات والأزقّة والمسجد والكنيسة في أثناء وداعك.
فضحتِ يا شيرين الاحتلال في حياتك وفي مماتك وفي جنازتك الكبيرة الرّهيبة وانتصرتِ عليه.
أبانا الّذي في السّموات ليتقدّس اسمك، ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك، كما في السّماء كذلك على الأرض، أعطنا خبزنا كفاف يومنا، وأغفر لنا خطايانا، ولا تدخلنا في التّجربة، لكن نجّنا من الشّرير.
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمدلله رب العالمين. الرّحمن الرّحيم. مالك يوم الدّين. اهدنا الصّراط المستقيم. صراط الّذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم، ولا الضّالين.
آمين. آمين.
رحمك الله يا شيرين!
 

مقالات متعلقة