الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 01:02

وتستمر نكبة الفلسطينيين!

بقلم: د. رمزي عودة

د. رمزي عودة
نُشر: 15/05/22 08:40,  حُتلن: 10:15

قامت العصابات الصهيونية بقيادة الهجاناة في حرب 1948 بتنظيم أكبر عملية إبادة عرقية بعد الحرب العالمية الثانية. حيث هجرت نحو 800 ألف لاجئ من بيوتهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني، ونجحت هذه العصابات بتهجير الشعب الفلسطيني بفعل الإرهاب والتخويف والطرد المباشر. وهذا ما ذهبت اليه دراسة "بني" موريس أشهر المؤرخين العسكريين الصهاينة.

ليس هذا فحسب، فوفقاً لخطة "دالت"، التي كشفت عنها دراسة "ألين بابيه" فيما أسماه "التطهير العرقي للفلسطينيين"، فقد هدفت العصابات الصهيونية بتفريغ الارض الفلسطينية من سكانها الى تسهيل عملية إستيطان الارض من قبل المستوطنين الصهاينة المهاجرين من الدول الغربية.

وتأكيداً لهذه الخطة، وفي مذكرات الهجاناة، رفض الضابط المسؤول عن حصار مدينة اللد بعد إنسحاب الجيوش العربية منها أن يجتاح المدينة بسبب الكم الكبير من المواطنين العرب فيها، ولم يدخل المدينة الا بعد أخذ الاذن من "بن غوريون" نفسه بأن يطبق خطة دالت على اللد. وهو الأمر الذي حدث فجراً حينما إستدعت العصابات الصهيونية قسرا شباب ونساء المدينة وأعدمت أكثر من 90 فلسطينياً في الساحة المقابلة لمسجد المدينة، مما أدى الى لجوء سكان المدينة. وفي السياق، لم تكن مجزرة دير ياسين التي راح ضحيتها أكثر من 280 فلسطيني مدني من الرجال والنساء والشيوخ والاطفال، الا جزءً من خطة "دالت"، حيث هدفت المجزرة الى ترويع القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس من أجل طرد سكانها من قراهم وبيوتهم. وبإعتراف زعيم منظمة "ليخي" الارهابية الذي قاد الهجوم على دير ياسين، فإن المجزرة ما كان لها أن تحقق أهدافها لولا تم قتل المدنيين والتمثيل بالجثث وحرقها وبث الشائعات عن المجزرة.


وبعد 74 عام من النكبة وقيام دولة الاحتلال وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينين وطرد مئات الالاف منهم من بيوتهم، فإن قوات الاحتلال الاسرائيلي تستمر في "نهج النكبة" ضد الشعب الفلسطيني. وكأنما أضحت سياسات التطهير العرقي والقتل وإبتلاع الأرض جزءً من الهوية الاستعمارية الصهيونية. فدولة الإحتلال ما زالت تقتل الفلسطينيين المدنيين، وتعتقل الأطفال وتعذبهم في سجونها كما حدث تماماً مع الطفل الأسير أحمد مناصرة، وتقتل النساء كما فعل قطعان المستوطنين عند قتلهم عائشة الرابي على حاجز زعترة. وقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر كانون الثاني 2021 نحو (4500) أسير، منهم (37) أسيرة؛ فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو (140) طفلاً، وعدد المعتقلين الإداريين إلى نحو (450) معتقلاً؛ ولم تكن حالة الاسير غسان زواهرة الذي استشهد أخاه وتم تمديد اعتقاله الاداري لأكثر من 7 سنوات متقطعة الا حالة شاهدة على طغيان الاحتلال وإنتهاكاته المستمرة لإتفاقيات جنيف الأربعة. ووفقاً لجهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني، فإن أكثر من 100 ألف فلسطيني إستشهد منذ النكبة وحتى الآن، كما تم أسر نحو مليون فلسطيني منذ عام 1967. وتشير بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى تعرّض ما يربو على 110 آلاف فلسطيني للتهجير الداخلي في مختلف أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة خلال العقد المنصرم. وتقدر الاحصاءات في الضفة الغربية، أن 900 فلسطيني قد ُهجِّر خلال العام 2019 في أعقاب هدم منازلهم أو مصادرتها، وقد أقدمت سلطات الاحتلال على إجبار ما يزيد عن 400 مواطن على هدم منازلهم بأيديهم. من جانب آخر، تتعرض القدس الى سلسلة متواصلة من عمليات التهويد والتمييز العنصري، وتقدر منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن هناك نحو 90 ألف فلسطيني في القدس الشرقية يعيشون حاليا في مباني مهددة بالهدم.


بالنتيجة، فإن النكبة مستمرة، وما زال أبناء الشعب الفلسطيني يعيشها كل يوم. صورة النكبة تطغى على الحواجز العسكرية، صورة النكبة تتجسد في توسع الاستيطان وإبتلاع الأرض الفلسطينية، صورة النكبة تشرق من جبين الصحفية شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها قوات الاحتلال في مخيم جنين. صورة النكبة تتجلى في حرق عائلة دوابشة. صورة النكبة تتمثل في نظام الأبرتهايد المفروض على الشعب الفلسطيني. صورة النكبة ستبقى شاخصة في مخيلة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، في مخيم جنين وفي الدهيشة وبلاطة والنصيرات واليرموك وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا . وفي فجر كل يوم، يصحوا الفلسطينييون على صورة جديدة من صور النكبة. هذه هي فلسطين، فلسطين النكبة أو النكبة هي فلسطين.. الفرق هنا ليس مهماً، ولكن الأهم هو أنه بعد 74 عام ما زالت فلسطين تقاوم وتصمد وتنتظر الحرية.

* د. رمزي عودة -معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة