الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 18:01

على صخرة الفنّان بكري/ محمد علي طه

محمد علي طه
نُشر: 11/05/22 12:41,  حُتلن: 14:40

لم تبدأ ملاحقة الفنّان محمّد بكري هذا العام أو بعيد انتاج عمله الوثائقيّ "جنين جنين" في العام 2002 بل بدأت قويّة شديدة منذ العام 1948 أي قبل ميلاد محمّد البكري بخمس سنوات لأنّ مارس ذو العين الواحدة إله الحرب الاسرائيليّ قرّر بفوّهة بندقيّته وبكعبها وبحذائه العسكريّ وبقبضة يده أن يمحو اثار جريمته البشعة وأن يضلّل العالم ويوهم مريديه بأنّ هذه القطعة من جنّة عدن لم تطأها قدم بشريّة منذ أقدام ادم وحوّاء وبقيت عذراء تنتظر بعلها الموعود حتّى قدومه من بلاد الثّلج والضّباب.
لم يحتمل مارس قصيدتنا وقصّتنا وأغنيتنا وروايتنا ففي العقود الأولى لسلطته حاصرها وحاول تمزيقها اربًا اربًا ولاحق المبدعين واعتقلهم وجوّعهم وقيّد حركاتهم، وها هو اليوم ما زال هو هو، لا راحت عنه شرّ ولا جاءته عافية سوى اشتداد زرقة أسنانه. مارس الّذي صادر ديوان الشّعر واعتقل الشّاعر والّذي صادر المجموعة القصّصيّة وسجن حفيظة والولد الّذي أحبّته وأحبّها يصادر اليوم الفيلم الوثائقيّ ويعاقب منتجه ويثقل عليه بكلكله الماديّ ويسبي الفتاة الجميلة نجوى ويقتل العمّ العجوز.
محمّد بكري صانع المرايا ومنتجها، المرايا المسطّحة والمحدّبة والمقعرّة لتعكس الحقيقة ولتقول للأعور بأنّه أعور بعينه. مرآة بكري قويّة فيها صور لا تكذب، صورة صادقة للاحتلال الهمجيّ والحرب القذرة ولمجزرة مارس الّتي ارتكبها في مخيّم صغير فيه أناس فقراء خسروا مدنهم وقراهم وبيوتهم وكرومهم وقمحهم وخبزهم وزيتهم وزعترهم قبل سبعة عقود ونيّف في معركة غير متكافئة وذنبهم الوحيد أنّ ذاكرتهم ما زالت قويّة لم تنسَ ما حدث وما جرى، وما زال حلمهم بالعودة مبللًّا بالنّدى ومعطرًّا بشذى الاقحوان والنّرجس والميرميّة والفيجن.
مارس المنفوخ بالقوّة قرّر أن يمحو المخيّم ويمحو الذّاكرة والرّواية فكيف تجرّأ محمّد البكري على صنع المرآة كي يعكس صورة مارس أمام العالم؟
يتباهى إله الحرب بأنّ بيته واحة للدّيموقراطيّة في صحراء الدّكتاتوريّة ويردّد أقواله منتجوه ومريدوه وكتبة خطاباته متسترين على الحقيقة متعامين عن أنّ هذه الدّولة حبلى بالأبرتهايد.
هؤلاء الّذين شَكَوا بكري هم حجارة شطرنج في أصابع مارس أو هم على الأقلّ لاعبو كرّة قدم مأزومون يلعبون في الوقت الضّائع ويلاحقون جنين جنين لأنّه يحكي روايتنا الّتي تتعاكس وتتناقض مع روايتهم بل تفضحها فنحن ما هربنا من المواجهة وما حنينا رؤوسنا ولا صغّرنا أكتافنا ولا طريت راحاتنا بل بقيت خشنة مثل البلّان بالخريف وتلاطم المخرز، مخرز مارس ومخرز الأنكل سام عدوّ البشريّة حتّى لو غيّر لون بشرة وجهه من بياض ناصع الى سمرة البنّ المحمص.
جنين جنين يحكي الصّمود والبقاء ويفضح الّذين عملوا على محوه أو تآمروا على ذلك.
فيما مضى وفي سنوات خلت اعتقلونا وحاكمونا وضربونا وحاولوا اخراسنا وتكسير أقلامنا وريشنا فتصدّى لهم "سجناء الحريّة" و "عاشق من فلسطين" و "طائر الرّعد" و "المتشائل" و "عائد الميعاريّ" وكلّ من دقّ على الجدار وعبدّ الدّرب لجنين جنين ليقولوا أنّ هذا الشّبل ابن هذا الشّعب وأبدًا على هذا الطّريق يا صخرة البعنة الحمراء الّتي لا تنكسر ولا تفتّتها عوادي الزّمن والمناخ.
هذه الصّخرة اسمها محمّد البكري وهي من ذلك المقلع أو المحجر الّذي غنّت لهم أمهاتنا ونساؤنا في الجليل والمثلث. وأنت يا أخي أبا صالح لست وحدك فنحن معك، وأدعية وصلوات "سعيدة وزهرة وعزيزة" معك، وأبناؤنا وأحفادنا معك، وشعبك معك، وسوف نبقى نغنّي مع شاعرنا الشّعبيّ: جليلنا ما لك مثيل، ترابك أغلى من الذّهب، ما نرضى بالعيش الذّليل، لو صرنا لجهنم حطب.
 

مقالات متعلقة