الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 02:01

الآلهة لا تُعاقب البشر لكنهم يُعاقبون أنفسهم

بقلم: الدكتور نسيم الخوري

الدكتور نسيم الخوري
نُشر: 03/04/22 08:42

غالباً ما يتردّد السؤآل بقوّة عن موقع المفكّرين العرب في هذا الزمن من الكوارث التي سبقت وعايشت الربيع العربي وتابعت مساراتها العربية المتلاحقة. لن أبرر، ولن أوافق سلفاً ما كتبه المفكّر المغربي عبدالله العروي من أن العرب ليسوا أفعالاً بل ردود أفعال. لا يصنعون الحدث أو الفعل بمعنى ACTION بالفرنسية لكنهم يأتون بعده بكونهم أصحاب ردود أفعالREACTIONS كما كتب بالفرنسية.


أقول أنّهم يقعون في قرونٍ من العزلة والإهمال والإحباط وضعف التأثير في ميادين التغيير الى درجة التيه خلف وعلى دروب السلطات والأنظمة الكثيرة الوعرة الحافلة بالسقطات والتنافر. تعاظم هذا كلّه خلال وفي أعقاب "الربيع العربي" المرعب الذي لم يعبر لكنه بارع في خلخلة جذور تاريخ المعاصر وكأنّه يقذف بنا نحو الخلف.


تبرز ملامح فشل الفكر أوّلاً، بالعودة الى نخل النظريات والأفكار والإيديولوجيات والأسئلة العربية المتجدّدة التي تخمّرت في جغرافيات عربية شاسعة غنيّة بتاريخها الحضاري العريق ننتظر كلّنا عودتها ولم شملها وهدوئها. أبدأ مستيقظاً مثلاً في العراق وكان منبع الحضارات الأولى وأجده محاصراً بموقعه، وأفطر في سورية المخضّبة بدمائها ودمارها وشعبها المبعثر لكنها المصلوبة في دهاليز مجلس الأمن الدولي، وأطير نحو تونس بصعوبةٍ ثم بين المغرب والجزائر حيث العقد التي لم تمنع الفكر الناهض هناك من عصر فكر فرنسا ومخالطتها وتعريبها. لن أقصد الصومال وليبيا المقسمتين يكفيني موطني لبنان المقسم ممرّات ضيّقة مقلقة، أنزل نحو الخليج الذي جاء العالم كلّه إليه أمس وبات شعاره" العالم في دبي"، وأراه كروم حصرم في بعض العيون العربية والإقليمية والإسلامية.


يصعب على المفكر معاينة ركام الفكر القومي العربي واستحالة تجديده باكراً وفقاً للنسخ القديمة. ترك ركام "الربيع العربي" أمامنا الهويات المتشظية والمحروقة وفكك الشمل المفكك وانتظرنا قمّة للتباسط البسيط في جامعة الدول العربية أواخر مارس سنداً لقرارٍ عربي عام في قمّة القاهرة عام 2000. لا أبرّر المفكرين بل أنّ هول التدخلات والإعتداءات الإقليمية على العرب فجّة وتترك كلّ يومٍ تشظيات وانقسامات بما يخلق تحولات في عدد الدول العربية. لا يمكننا نسيان أو محو تداعيات التعصّب الديني والمذهبي المقيت وإيقاظ الأكثريات والإندفاع في مشاريع بعثرة الأقليّات والتحكّم بمستقبلهم وخياراتهم.
أيمكن لمن يسلك هذه الدروب طرداً أو عكساً ألاّ يركّز حبره على تركيا "دولة الإرتداد" وقد أيقظوها إلى إسلامها قبل أن تصبح فوق طاولات العالم نافخين في أذنها وهجها الإمبراطوري العثماني؟ أنغفل "الثورة الإسلامية"الإيرانية من" النوفل لو شاتو" ضاحية باريس وفي خلدها بعث وهج التاريخ الإمبراطوري المنبعث إسلامياً في المحيط ؟


ألا نعاين كوارث نبش جذورالخلافات الإسلامية ونقعها بالدماء مجدداً؟ أننسى تحقيرنا مطالبين بتخفيف الأدرينالين الحافل بالأحقاد في دماء العامّة من المسلمين بدلاً من إيقاظ التاريخ الدموي في معظم البلاد العربيّة وبلاد العالم، وتجديد الصراعات المطمورة ليغذّيها العالم عبر تحدّيات خفيّة ومعلنة تظهر في إجتهادات على علاقة بأصول الحكم حيث تسقط حدود التدخلات بما يعبث بروح الدين وفضائله؟ ما الخلاصات المنتظرة من دحر الأنظمة ومضايقتها وبسط الأحلام القديمة سوى مقارعة العالم والمستحيلات لأنّ العصور لا تبدل ثيابها ولا تسير نحو الوراء.


نعم. تتقاطع الدروب المتشعّبة مجدّداً في تحوّلات التغيير والطموحات الإنسانية المشروعة، ويمحو معالم تعبيدها الكثير من الدماء والخرائب والعشب البرّي والشوك الفكري والإيديولوجي عبر أسئلة كثيرة تتزاحم مجدّداً في ما يمكن تسميته بتجدّد الدين أو إحياؤه أو التديّن الجديد العابر وتعميم الجهالة وبعث الماضي السحيق في التفكير والسلوك والرؤى. لكن، يفترض التغيير بملامحه الجديدة زلازل كبرى ومذابح تتجدّد بين معتنقي الديانات التوحيدية وخصوصاً المسلمين الذين ينقسمون في عقل العالم الى الإسلاميين المتعصّبين المعرفين تكراراً في الغرب بال Zélotes مقابل المعتدلين المعروفين بال Les Hérodiens وقد يطلق عليهم معاً إسم إسلامستان.


لن تسكن الصراعات، ممّا يجعل المفكر متردداً في البحث الواسع عن قراءات متجدّدة تطمح الى محو الفروقات الفكرية الجوهرية نهائياً بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب الى درجة الوعي النهائي بأفول ملامح العظمة الدولية التقليديّة وحدودها بعدما دُفن العالم الثالث نهائياً، وسقط معه الفكر التوفيقي والمنظومات التي تتوخّى عدم الإنحياز والنأي بالدول والمجتمعات عمّا يحصل من متغيّرات في الدنيا المحكومة بالتكنولوجيا والمعلومات وسقوط مفهوم السلام تاريخياً من الأذهان لا الموسوعات والقواميس والأبحاث.


لنقفل مرددين بأنّ الآلهة:"لا تعاقب البشر إذ تغضب عليهم، لكنها تسلّط عليهم أنفسهم بما يكفي لتحديد مستقبلهم".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة