الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 00:02

الثلاثون من آذار - يوم بلا أرض!

بقلم: رافي مصالحة

رافي مصالحة
نُشر: 29/03/22 17:47,  حُتلن: 22:18

خير ياسين، رجا أبو ريا، خضر خلايله، خديجة شواهنة، محسن طه، ورأفت الزهيري.

ليست هذه اسماء ككل الاسماء، وليس اصحابها ككل الناس. وعدا شواهد القبور التي تحملها في عرابه وسخنين وكفر كنا ونور شمس, فنحن نتحدث عن رموز ملحمة بطولة اسطوريه كجلجميش والالياذه, كتبت بالدم, وانارت الدرب امام كل حر اختار طوعا كسر قيده ليتحرر من خانة الصمت والعزلة والخوف. لقد علمتنا هذه الاسماء ان حب الارض هو اسمى عباده, وان الموت من اجلها هو ذروة الحياة والولاده. علمتنا هذه الاسماء كيف نتحرر من عقد الوهم ونسف كوابيس الوهن والجبن لكي نغرس مكانها الاراده.

*****

نحن في وطننا معزولون, منسيون, منزوعو الهوية والكيان, نداس وتداس حرياتنا في كل لحظة وفي كل شبر من ارض كانت بالامس عنوان كرامتنا ووجودنا وملهمة للشعر والعتابا والميجنا, واليوم صودرت, ومعها صودرت الكرامه وسلب الحلم وأخرست الحسرة والقهر كل الابيات الشعريه. نحن منكوبون بالكبت. مقيمون, لكنّا مشبوهون، مؤقتون, مهمشون, عابرون، وغير مرغوب فينا. والمعضلة الأنكى تكمن في الأحجية: انحن جزء من الشعبالفلسطيني والأمة العربية، أم "إسرائيلّيون" قابلون للتّدجين والترويض داخل مؤسسات دولة ذات بنية استعمارية, عنصرية محتله، يراد بنا اتقان المهن لتسخيرنا عبيدا او الات مشلولة فكريا, كي نبني على جراحنا المزيد من صروحهم ؟.

*****

لن اتحدث عن قيمة الدم العربي البخسة في عيون حكماء صهيون كما استخلصنا من عبرة كفر قاسم, ولن اسرد تفاصيل ذبح ثلاثة عشر شابا, قتلتهم اسرائيل بدم ابرد من الجليد, دفنتهم ومعهم دفنت آثامها. لست بالمؤرخ ولذا لن اخوض في وثيقة "يسرائيل كيننغ" التي بيَّن فيها خطر النمو السكانيللعرب، ودعا إلى تهويد الجليل عبر تكثيف الاستيطان اليهودي فيه، واقتلاع العرب منه وتهجيرهم بشتى السبل... ولن اتطرق الى الاستيلاء على منطقة "المل" الواقعة ضمن مدى أراضي "ديرحنا" و"سخنين" و"عرابة" الجليل, ولا الروحه, ولا لسلب اراضي النقب وطرد اهلها منها ولا لاراضي عين ماهل, وكفر كنا والمشهد والرينه التي اغتصبت لتقوم الناصره اليهوديه (وبالنمط الاستعماري ذاته قامت ايضا كرميئيل وغيرها).

*****

لم ينسدل الستار بعد عن مسلسل القهر والاذلال, ويوما ما, في 30 اذار 1976 تحديدا بزغت شمس جديده لتسلط النور على تصميم شعب كان أقوى من أن يُردّ. فلاحون وعمال وتلاميذ وربات بيوت, كلهم حركهم محفز واحد, داسوا مفاهيم الاستكانة والخذلان، خرجوا الى الشوارع, وانطلقت التظاهرات في كل بلد وفي كل حارة لتزداد زخماً وقوة واتساعاً لتصيح ويصل صوتها الافاق: "ها نحن هنا باقون". فزجّ المحتلون بقواتهم "الأمنية" (يا للسخريه !) لتبطش بالمدنيين العزل الذين تجرؤوا على تحدي القوى التي لا تقهر، بعدما اعتقدوا أنهم "روّضوهم" على قبول الضيم والجور كأمر مسلم به أو كقدر لا مَرَدَّ له.

*****

ولكن الذي يفطر القلب حزنا, ان في بلادي قيادات من "المرابطين", اما على مقاعد برلمان اسرائيل أو على مقاعد السّلطات (بضم السين واللام لا بفتحهما !) المحليّه يسوِّقون انفسهم على انهم "زعامة" الاقلية البائسة في هذه الربوع المنكوسه, تارة في لجنة متابعه وتارة في محفل اخر (تعددت التسميات والمصيبة واحده) حرصوا على مر السنين (وباسلوب الفطام عن ادمان الافيون, بجرعات متناقصه) على محو ذاكرة الارض ويومها ليس فقط من المنهاج المعتمد الهزيل المريض لوزارة التجهيل الإسرائيلية بل من واقع الناس ومن بيوتهم ومدارسهم ومقاهيهم وبيوت عبادتهم. سلبتنا اسرائيل الارض وجاءت قياداتنا لتسلب من الارض يوم عيدها. صار حريّ بك أمام هذه السخافة المؤلمة ان تحتفل بيوم عطارد او زحل بدل يوم الارض. قد لا يدرك البعض حجم الجريمة المرتكبة في هذا السياق, ذلك ان طمس معالم يوم الارض هو بمثابة منح الشرعية للهيمنة المؤطرة التي تُمارَس بمنهجيّةٍ عنيدة وبنحو يوميّ على وجودنا وفكرنا وهويتنا وانتمائنا, وترسيخٍ لمصداقيّة الممارسات الاسرائيلية في صلب معتقدات أجيالنا التي لم تعِ يوم الارض الاول.

*****

لن أعفي احداً... ان اللذين يتشدقون بالانتماء والحس الوطني قبيل كل موسم انتخابات برلمانيه, لتجدهم في يوم الارض بالذات يسيحون في البلاد على متن طائرةٍ متذرّعين بالالتزامات التي باضت وفقست وفرخت بمحض الصدفه (سبحان الله) في يوم الارض. والمعلم الذي على كاهله رسالة توعية تلميذه بقدسية الارض, صمت رهبةً من قدسية عيون المخابرات التي يعتقد ان بيدها رزقه, تحيي وتميت وهي على كل شيء قديره. ومن منابر الائمة في المساجد تصدح الدروس والعبر (بيوم الارض بالذات) في مبطلات الوضوء ونصاب الخيل وشروط الذبيحه, ودون أيّ نيّة انتقاصٍ (حاشا لله !) من مكانة الاديان أتساءل: أهذا فعلا ما يهم العامّة من الامور المُلحَّه في يوم يمتُّ لجميعنا في صميم حياتنا وعقيدتنا ؟!.

*****

يا زعاماتنا المزعومه, لن اخجل ان اقول لكم أن التاريخ يلفظ الأمم والشعوب اللامبالية بحقوقها ومصائرها والمستكينة لظالميها، لكنه يفتح أبوابه لمن يدقها من الشعوب الحية ذات الإرادة, لا سيماً إذا ما قرنتها بالوعي والتنظيم والوحدة والاستعداد لبذل التضحيات، كما تجلى في هبة "يوم الأرض" المجيد الذي سجلت فيه دماء الشهداء والجرحى وعذابات المعتقلين نهاية عهد التواكل، وسقوط المراهنات على إمكانية التعايش بسلام مع المحتلين العنصريين، وبدء عهد الانتقال من العمل السياسي المُجزأ، إلى العمل الجماهيري الواسع المنظم الذي تشارك فيه الجمهرة الفاعلة من أبناء الوطن.

*****


فلتصحُ الضَّمائر, ولندع أصداء وصور هذا اليوم الباسل تتردّد لدى عموم أهالينا في كل مناطق تواجدهم، وتُستعاد ذكراه كلّ عام كموقعةٍ مميّزة بارزةٍ في تاريخهم النضاليّ المعاصر، ضد الغزوة الفكرية الضروس التي لن تضع اوزارها يوما ازاء أرضنا وهويتنا الوطنيّة، ولنقف جسدا واحدا دفاعا عمَّا جاهد من أجله - فقاتلوا وقتلوا وأُخرِجوا من ديارهم - الآباء والأمهات والأجداد والجدات من قبل، وعما ينبغي على الأجيال مواصلة النضال لأجله: الهوية، والوطن، والحرية، والسيادة. ايها الشعب السجين: اشهر سلاحك, وكِرّ ولا تفِرّ, لتحوز ما هو الاثمن والاهم في حياة الشعوب: تحرير وعيك من الأوهام، وإطلاق إرادتك في مباشرة العمل "بذاتك" و"لذاتك"...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة