الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 13:02

مقارنة بين إشكالية الحداثة عند الأديب والمفكر: نبيل عودة ومفكرين آخرين

بقلم: علجية عيش

علجية عيش
نُشر: 23/03/22 18:28

*هل اجتياز "الماضوية" يعني التخليّ عن التراث؟*

*رد على من يعتقدون أن الإسلام يشكل عائقا للإنخراط في الحداثة*

*الأفغاني دعا إلى حوار الحداثة مع إبعاد الإسلام عن"الغربنة"*

حقيقة ما يزال موضوع الحداثة كما يقول الأديب نبيل عودة يشغل بال المثقفين والمفكرين في العالم العربي، وقد أسالت هذه الإشكالية حبرا كثيرا في مقالات جادة وعقلانية طرحها باحثون و مفكرون في مختلف جوانبها الفلسفية والحضارية، لكن الملاحظة التي قدمها الأديب نبيل عودة هي أن الكثيرين من أصحاب الرأي والفكر حصروا نصوصهم في إطار العلاقة بين الحداثة والأدب و لم يربطوا الحداثة بالدين والسياسة مثلا ، حتى و لو كانت علاقة ما تربطهما، ولا يمكن باي حال من الأحوال فسخها، سؤال وجيه طرحه الأديب نبيل عودة حول ما إذا أمكن تحقيق الحداثة بدون حرية اجتماعية و فكرية بدون مساواة و تعددية ثقافية؟ وهل يمكن تحقيق الحداثة بدون دولة مؤسسات ورقابة واستقلال السلطات عن بعضها البعض؟ وهو بذلك ينطلق من الرأي القائم على فكر هيغل Hegel القائل بأن الغرب هو النموذج للعالم، وهذا الرأي يعكس فرضية ياسبرس الذي تحدث عن وجود حداثات متعددة، إلا أنه تبقى الحداثة الغربية هي الأكثر تطورا بفضل قدرتها الفائقة على السيطرة على الطبيعة عن طريق التقنية وتطور القوى الإنتاجية وقوى الاتصالات.

يقول الأديب نبيل عودة في مقال مطول له تناول فيه إشكالية "الحداثة" وجاء تحت عنوان: " فكر الحداثة و تسخيره لثقافة ماضوية" نشر في صحيفة المثقف أن الحداثة بجوهرها عند أصحاب فكر الحداثة العرب الذين ولدوا وتثقفوا بإطارها، لم تبدأ كظاهرة أدبية، بل توسعت إلى حد أضحت تشكل عالمهم الفكري وقاعدة وعيهم الاجتماعي، إذ يرى أنه لا يوجد في الثقافة العربية اتفاق على تحديد مفهوم الحداثة، وأن ما جاء من تعريفات، فهي تعريفات لغوية تفتقد للمعرفة، و لم تأخذ بالإعتبار جوهر الحداثة وما أحدثته من تغييرات عميقة في المجتمع البشري وفي التربية والتعليم، والرقي الحضاري بكل اتساعه الثقافي التقني والعلمي، حتى التفسيرات التي قدمها بعض المثقفين العرب لمفهوم الحداثة كانت سطحية أو شكلية إن صح التعبير، فقد أراد نبيل عودة أن يقول بأن المثقفين العرب وقعوا في كثير من الأخطاء عندما حاولوا أن يقرنوا مفاهيم فكرية فلسفية بعناصر من عالم الأدب، دون التطرق للجذور التاريخية للحداثة من اجل فهم القاعدة المادية والفكرية التي نشأت عليها، ولعل السبب الذي جعلهم لا يضعون لها الإطار المعرفي الكامل، لأن هذا المفهوم، وإن تمكن من فرض نفسه بقوة على مجتمع شبه قبلي، أو قبلي تماما، مجتمع ما تزال تسيطر عليه "الماضوية"، ولم يستطيعوا التخلص منها، فهي تعيق انطلاقة المجتمعات العربية نحو آفاق حضارية جديدة، بعيدة عن مظاهر التطرف والعنف الدموي، ثم أن الأديب نبيل عودة لم يحدد مفهوم "الماضوية " في مختلف جوانبها التاريخية، العقائدية ، الفكرية والسياسية، هل الماضوية هي ترك كل ما هو قديم و التوقف عن اجترار الماضي، أي التخلي عن التراث، و أن لا تكون هناك استمرارية أو تعايش فكري أو أي اتصال روحي مع الآخر؟

و لو وقفنا مع ما جاءت به بعض البحوث، نقول أن الحداثة هي تجربة تاريخية ومنطلقا حضاريا، الدافع الرئيسي الذي يدفع المفكرين والمثقفين إلى إعادة النظر في التراث قصد بناء المجتمع العربي، لأن التراث هو ماضي الأمة العريق وهو ضارب في الأعماق، لدرجة أن مفهوم التراث اصبح من أكثر المصطلحات تداولا على ألسنة المشتغلين بالفكر العربي، وقد اعتمده الفكر العربي المعاصر بدءًا من تشكل المصطلح و المفهوم مع بداية النهضة العربية إلى الوقت الراهن إطارا مرجعيا في بلورة القضايا والإجابة عن أوضاعه السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية، وهكذا كان موضوع التواصل المعرفي موضع صراع بين الدارسين في مختلف العصور، ومن خلال هذا الصراع لاحظوا أن الجديد يقتل القديم، ولا يولد الجديد إلا من رحم القديم، وكل قديم في عصره جليل، فقد تحدثت بعض الكتابات عن الأصمعي وكيف كان ينتصر لبشار بن برد الذي كان آنذاك من المجددين على مروان بن أبي حفص، وهذا مثال له دلالة كبيرة على أن التراث هو سجل شامل ورثته الأجيال عن طريق المدونات الشفهية، و بالنظر إلى التكامل المتراص بات من الضروري دراسة هذا التكامل دراسة علمية بحتة حتى يتحقق ما يسمى بالتعايش بين القديم والجديد، ومن هذا المنطلق لا يمكن البحث عن الحداثة التراثية من خلال الحوار الثقافي مع الآخر وبين الأجيال.

لقد انشغل المهتمون بالدراسات اللسانية الحديثة بالتراث والحداثة ومعايير توظيفهما في الإبداع العربي، وهل يمكن البحث عن مشروع حداثي معاصر وفق مستلزمات الوضع العربي الراهن؟ وهل يمكن علاج الثقافة العربية إذن بطريقة حداثية؟

إذا قلنا أن الحداثة تقاس بين فكر سياسي و ظروف اجتماعية و معرفية تنتج في ظروف تاريخية أخرى، كظهور التكنولوجية والمعلوماتية ( مواقع التواصل الإجتماعي)، ثم أن الخطاب العربي المعاصر كما يقول المختصون انقسم إلى ثلاثة تيارات فكرية في تحديد إشكالية الحداثة وهي: ( التيار الديني، الإصلاحي، الليبرالي والإشتراكي) على اعتبار أن لكل تيار خطابا ومشروعا اجتماعيا في عملية التحديث، وهو ما اشار إليه باحث جزائري هو الدكتور مشري بن خليفة من جامعة ورقلة الجزائر، الذي طرح إشكالية أخرى تتعلق بالإسلام والحداثة، للرد على بعض خصوم الإسلام الذين يعتقدون أن الإسلام يشكل عائقا للإنخراط في الحداثة، ودعا إلى إمكانية التنظير لحداثة تتأسس من رؤية الإسلام ليخرجها من الرؤية الإيديولوجية إلى فضاء السؤال والمعرفة المنهجية التي تجيب علميا عن هذا السؤال.

المسؤولية هنا تقع على دور المجامع العربية في تحقيق هذا المشروع كالمجمع العراقي، فقد وجه هذا المجمع اجتهاداته لصيانة التراث العربي، ونظر إلى اللغة العربية كباعث للهوية من زاوية القدسية، فضلا عن الدور الذي لعبه المجمع العربي بدمشق والقاهرة، وفي الحديث عن هذه المجامع فقد لعبت المخيلة الفنيّة الجزائرية الحديثة كعينة دورا جليا، جعلتها في منأى عن الأزمات المفتعلة بين القديم والجديد التي اندلعت في الأدب العربي الحديث، هذه المخيلة كما يقول اهل الاختصاص كانت تنمو وتتطور داخل فضاء فنّي شمولي بين القديم و الحديث، ولارتباطهما بالهوية في الذاكرة الجماعية، تحقق هذا التعايش بين الأنماط الإبداعية بنسبة عالية في الساحة الأدبية الوطنية، لقد كان للتراث أثر كبير في النص الشعري الجزائري الحديث، كون الشعر كما يقول أحد الباحثين في الأدب العربي من أكثر المحاولات الإبداعية انتماءً للماضي، وهذا يعني أن منطلقات النص الشعري الجزائري كانت إصلاحية محافظة، فعادة ما يعود الشعراء المعاصرين إلى التراث العربي و ينتقون منه رموزه، فيدخلونها في صميم أعمالهم الشعرية، ونفس الشيء بالنسبة للرواية الجزائرية الحديثة كرواية نوار اللوز لواسيني الأعرج، فهي تشير إلى حضور التراث العربي الإسلامي، كذلك رواية "ألف عام من الحنين" لرشيد بوجدرة وهكذا..، اين يتداخل النص الخرافي والأسطوري بالنصوص التراثية الأخرى، وكما يقول المختصون فنظرة كل كاتب للتراث و طريقة توظيفه، فالأديب سواء كان كاتبا أو شاعرا أو روائيا أو قاصا أو حتى ناقدا ينظر إلى التراث نظرة شمولية في إطار الصراع بين سلطة المركز و ثورة الهامش، لهذه الأسباب تأخر العالم العربي علميا و تقنيا.

بالعودة إلى بداية ظهور الحداثة، يقول الأديب نبيل عودة أن جذورها التاريخية تقود إلى عصر التنوير الأوروبي ..، زمن يفصل عن مفاهيم التنوير والحداثة، وهو بذلك ينتقد العالم العربي الذي وصفه بالمتأخر، لأنه ما زال يعيش في جهله، بدليل أنه فشل في إصلاح منظومته التربوية ولم يضبط برنامج تعليمي صحيح ودائم، مجتمع ما زال يعتمد على الآخر ( الأجنبي) في إنشاء مشاريعه، ولم يعمد إلى تكوين تكنوقراطيين وباحثين و علماء في مختلف العلوم والأبحاث مقدما في ذلك السعودية كنموذج، ولا نظن أن أحدا يختلف معه حين قال أن مجتمعاتنا العربية تفتقد لأول شروط الحداثة، من هذه الشروط التنوير والديمقراطية، التعددية الثقافية والدينية والسياسية، وقال أن جزء من الحداثة يتعلق بموضوع المصارحة والمكاشفة، وتقبل الحداثة في نظره هو أن نكون صريحين مع الآخر، ومتقبلين للآخر المختلف، كما لا يختلف أحد مع الأديب نبيل عودة في القول أن الخطأ في مفهوم الحداثة في العالم العربي جرى حصره بإطار الأدب فقط، لأنه تيار فني وليس تيار فكري وفلسفي ولذا ظلت الحداثة بمفهومها الاجتماعي و السياسي مستبعدة و غير قادرة على اختراق المجتمعات العربية، بسبب وقوف المحافظين ( المتعنتين كما قال هو) في وجه الحداثيين و محاربتهم للحداثة وللتغيرات الاجتماعية والثقافية ويدعون إلى التمسك بالأصالة والتراث والتقاليد، قد يفهم البعض أن الأديب نبيل عودة يطلق قنابله على التيار الإسلاموي المتشدد الذي يقف ضد الحداثة وليس المعتدل، ليوضح أن لكل عصر ميزاته الاجتماعية والحضارية، والحضارة لا تتوقف في مكان ما مكتفية بما انجزته، والتوقف يعني التخلف عن الحضارات الأخرى، لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو كالتالي: هل يمكن أن نربط الحضارة بالحداثة؟، و إذا حافظنا على الحضارات القديمة يعني اننا نحافظ على تراثنا، و لكل أمّة حضارتها.

أما أن نقول أن من مميزات الحداثة هو قدرتها على نقد ذاتها بعد كل مرحلة و تصويب الخطأ و مواصلة الانطلاقة، وأن مشكلة العرب هي رفضهم لمصادر الحداثة، أي حركة التنوير الأوروبية التي استفادت في وقته من الفكر العربي وقادت المجتمعات الأوروبية إلى نقلة نوعية في كل مجالات الحياة والتقدم بهذا ما لا يتفق معه البعض، لأن التصور الأوروبي للحداثة أصبح ينتقد الحداثة نفسها ( أي ينتقد نفسه و مشاريعه)، و يطرح إشكالية ما بعد الحداثة، الأمر طبعا مرتبط بالقناعات، و لكل مجتمع قناعاته، خاصة المجتمعات الدينية ( الأصوليون) التي ترفض التسييس الجوهري لجميع ظروف الحياة في عمليات التحديث و ذلك حفاظا على هويتها، ولا يعني ذلك أن هذه الجماعات هي جماعات مغلقة بل تريد العيش في سلام على الطريقة التي تريدها هي، ولا تفرض مفاهيم مطلقة على من يحيطون بها ، وهذا ما يسعى إليه التيار السلفي المعتدل، الغربيون يضربون المثل بعائلة يودر الآميشية Amisch Yoder Family، التي تحدث عنها مارتين مارتي Martin Marty إذ يريد أفرادها فرض مفاهيم مطلقة للخير والشر على الرأي العام و قد يستخدمون العنف لتحقيق هذا الغرض ( أنظر كتاب صراع الأصوليات لهاينريش فيلهلم شيفر)، وهذا ينطبق حسب الدراسة على الحركة الخمسينية في فترة الحداثة التي شهتها أمريكا اللاتينية والصراع الذي دار بين الحركات الدينية، اتبع بعضها استراتيجيات سلطة سياسية و اقتصادية عدوانية.

تشير نفس الدراسة أن الحداثة جاءت إلى الثقافات الإسلامية في صورة الاستعمار الفرنسي و البريطاني و قد كانت ساعة ميلادها في الشرق الأوسط في عام 1798 في المعركة التي دارت رحاها أمام الأهرامات وارتبط اسمها بنابليون، ثم اتسعت وتطورت بتأثير بريطاني، ثم معركة التل الكبير عام 1882 ، وفي الهند أطلق سيد أحمد خان حركة عليكرة Aligargh من اجل النهوض بالقوة الإسلامية عن طريق الثقافة الغربية، و لتحقيق هدفه ابتعد عن الأمّة من منظورها التراثي، ودعا إلى التنوير الأوروبي وفصل الدين عن السياسة، ولكن حركته واجهت ردا عنيفا من البريطانيين فكانت نهايتها الفشل، في المقابل نقرأ عن الأفغاني الذي دعا إلى حوار الحداثة مع إبعاد الإسلام عن "الغربنة" أي دون أن يصبح الإسلام غربيا، عكس "الوهابية" التي نظرت إلى الحداثة بمنظار تكفيري عدائي، وفي سعيها للحفاظ على النظام الثيوقراطي أي الحكم الديني ، تلجأ عادة إلى التراث الديني و تحاول فرضه على المسلمين حتى لو كان لم يعد يتماشى مع التطورات الحديثة.

سؤال وجيه طرحه الأديب نبيل عودة حول ما إذا أمكن تحقيق الحداثة بدون حرية اجتماعية وفكرية بدون مساواة وتعددية ثقافية؟ وهل يمكن تحقيق الحداثة بدون دولة مؤسسات ورقابة واستقلال السلطات عن بعضها البعض؟ ، كانت الإجابة التي قدمها الأديب نبيل عودة بالنفي ( السلب) عندما أشار بأن أهل الشرق أي العرب والمسلمون مازالوا متخلفين بـ: 200 أو 300 سنة على الأقل عن عصر التنوير وعلى حد قوله هو فكل صراع أهل الشرق حول التراث و الحضارة لا يخرج عن حدود التمويه للحقيقة و خداع للنفس وهو بذلك ينطلق مع الرأي القائم على فكر هيغل Hegel القائل بأن الغرب هو النموذج للعالم، وهذا الرأي يعكس فرضية ياسبرس الذي تحدث عن وجود حداثات متعددة، إلا أنه تبقى الحداثة الغربية هي الأكثر تطورا بفضل قدرتها الفائقة على السيطرة على الطبيعة عن طريق التقنية و تطور القوى الإنتاجية وقوى الإتصالات.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة