الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 12:01

جناية الفيسبوك

بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 08/01/22 10:42,  حُتلن: 13:06

يلفت النظر في حياتنا الأدبية الثقافية عامة، هذه الأيام، أمر مستجد إلى حد بعيد، فما أن تلتقي بمن ابتدأ للتو بالكتابة او الرسم او الموسيقى، حتى ينزل عليك بتعريف نفسه وشرح إبداعاته التي لا يُشق لها غبار، وهو لا يكتفي بترك أمر التقدير، تقدير ما يبدعه ويقدمه للحياة الثقافية لك، كما كان يحدث في الماضي، وإنما يحاول إقناعك بشتى الطرق، حينًا بالحجة والمنطق، وآخر باستدرار العطف، وآخر بالقوة.. نعم بالتهديد والوعيد.. باختصار يحاول مَن يدور الحديث عنهم إقناعك بأهميتهم واهمية ما يقدمونه تارة بالترغيب وإذا لم تقتنع بالترهيب!


حدث قبل سنوات، أن زرت معرفة كبيرًا في السن، صغيرًا في الشعر والابداع، للتحدث إليه وتبادل أطراف الحديث معه، فأخذ يذكر محاسنه ومناقبه، ويستعرض الآراء العظيمة التي أغدقها عليه وعلى وابداعاته التي لا يشق لها غبار، كبار النقاد، ففلان قال عني كذا وعليان قال كذا. ومضى حينها الوقت وأنا أقول إنه سيتحدث فيما يفيدنا ويُسرّي عنا، كما كان يفعل في الماضي، إلا أنه لم يتوقف وبقي يجود علي بما جاد به عليه آخرون من دُرر المديح، حتى ابتدأ الملل يسري في دمي، عندها استأذنت في المغادرة، فلحق بي إلى خارج بيته ليروي لي المزيد عن مناقبه ومكارمه كما رواها آخرون، فما كان مني إلا أن قلت له وأنا أودعه إنني استمعت إلى كل ما قاله آخرون عنك، فما رأيك أـنت في نفسك؟.


في زيارة أخرى لكاتب آخر، ابتدأ الكتابة على كبر، دون أية معرفة ودراية سابقة بالفن الادبي والابداعي، كما أعلم، توقعّت أن يدور الحديث فيما بيننا، هو وأنا، حول أمور حياتية أحببت دائمًا التخويض في غمارها حبًا بالحياة ورغبة فيها، إلا أن ما حدث كان أمرًا آخر، فقد اتخذ مضيفي مجلسه قُبالتي وتناول أوراقًا من ملف وضعه إلى جانبه، كما تضع الام طفلها المدلل، وشرع بالقراءة وهو يعقّب على ما يتلوه عليّ من دُرره المتألقة، الرائدة، إلى أية آفاق إبداعية ارتقيت؟ بشرفك هل توفّق آخرون في إبداع مثل هذا الكلام؟ وكنت كلّما استوقفته أو حاولت، طلب مني أن أستمع إليه حتى ينتهي من قراءة الصفحة التالية، إلا أنه عندما كان ينتهي من قراءتها، كان يبدأ بقراءة التالية عليها، غير عابئ بما طلبته منه و.. بما وعد به. لقد حاول مضيفي الكاتب النحرير أن ينتزع مني.. أنا الكاتب الذي يحبه ويعتز به وبصداقته له منذ سنوات بعيدة، اعترافا بأنه اصبح كاتبًا متميزًا.
في لقاء آخر، بصبية جديدة حديثة عهد بالحياة الأدبية، فتحت صفحات الفيس بوك الخاصة بها، وراحت تستعرض أمامي نشاطاتها الخارقة وفعالياتها غير العادية في المجال الادبي، وقد هالني ما عرضته عليّ، حتى أنني بتُّ في حيرة من أمر تصنيف محدثتي، فهل هي باحثة أدبية؟ أم هي عارضة أزياء؟ أم هي الموناليزا في بهاها وسناها؟ ففي كل من هذه المجالات: الأدبية، والتصميمية الأزيائية والجمالية، لمحدثتي نصيب، في سياق ذي صلة سألني واحد ممن يكتبون الشعر منذ سنوات دون أن يحرز فيه وفي كتابته له أي انجاز يذكر ويمكن الاعتزاز به، سألني عن رأيي فيما يكتبه وينشره من شعر، فأجبته إنه لا يروق لي وإنه يفتقر إلى الحرارة المفترض أن يتحلّى بها الشعر الحقيقي. فما كان منه إلا أن انتهرني قائلًا: مِن أين تأتي بهذا الرأي.. ومن قال لك إنني انتظر الاستماع إلى رأيك؟.


تعليقًا على هذه الحالات التمثيلية الآنفة أقول، فيما يتعلّق بالأولى: رحم الله أيام زمان، أيام كان المبدع ينام ملء جفونه عن شواردها تاركًا الخلق ليسهر جراها ويختصم.. ففي هذه الأيام انعكست الآية، وبات الكثيرون هم من يسوقون أنفسهم، وليست ابداعاتهم كما كان يجري في الامس"، عن الحالة الثانية أقول: في الأمس كان المبدع انسانًا متواضعًا.. لا يقول أنا إلا ويتبعها بقوله أعوذ بالله مِنْ أنا، فما الذي جرى لنا في هذه الفترة، فبتنا سُفراء لما ننتجه.. بدل أن يكون ما ننتجه هو سفيرنا؟ أما فيما يتعلّق بالحالة الثالثة، فإنني أقول.. بالأمس كان المبدع، سواء كان ذكرًا أو أنثى، يتصف بالتخفي والانزواء، وأعرف في هذا الاطار مبدعين رفضوا أن ينشروا صورًا لهم طوال أيام حياتهم.. خفرًا وحياء، فما الذي جرى لنا في هذه الفترة، فترة وسائل الاتصال الاجتماعي، حتى أننا بتنا لا نُميّز بين الباحث وعارض الأزياء؟ فصار المظهر يغرينا أكثر من الجوهر؟ ما الذي فعلته بنا أيها الفيسبوك؟

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة