الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 06:02

شقيق همنجواي.. مثلًا

بقلم: الكاتب والأديب ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 01/01/22 16:20,  حُتلن: 19:26

ذكرت مصادر قرأتها في سنوات بعيدة ماضية، انه كان للكاتب الامريكي ذائع الصيت ارنسيت همنجواي، شقيق يحاول الكتابة دون أن يُحرز فيها أي قصب، وأن هذا الشقيق كثيرًا ما كان يقارن ما يكتبه وينتجه من ابداعات هزيلة الشأن، بما كتبه وأصدره شقيقه الكاتب المبدع الذي اطلق عليه لقب كاتب القرن. المقصود العشرين. ما كان يفعله شقيق همنجواي كان ينشر الابتسامات الساخرة على الوجوه، فـ " شو جاب لجاب"؟ وأين همنجواي الكاتب الذي أصبح ظاهرة تحتذى في الادب الامريكي، وبين كاتب لم يتمكن من إثبات نفسه في أي عمل يشار إليه ويمكن ادخاله إلى كتاب النثر الادبي عن جدارة واستحقاق، سوى أن الرابط بين الاثنين لا يعدو رابط الاخوة البيولوجية؟

أكتب هذه الكلمات عن شقيق همنجواي وأنا افكر في اولئك المدعين، كبارًا وصغارًا في عالم الادب والابداع، اولئك الذين يتزايدون تزايد الفطر في أيام الشتاء الراعدة، مزهوين بشاشات حواسيبهم وفيسبوكاتهم، ففي عُرف هؤلاء، على ما يبدو، كل من يكتب كاتب و" دع الزمن يحكم"، هؤلاء ينسون أن للزمن حكمين واحدًا معجل وآخر مؤجل، وأن هناك علاقة تربط بين الاثنين، فمن لم يُعرف اليوم بإبداعه ولو ضمن دائرة ضيقة جدًا ومحدودة، لن يُعرف في الغد. كما يقول المنطق السليم.

المبدع الحقيقي هو من يُوجِد اسطورتَه الخاصة به، وهو من يبني عالمه الجميل، إنه لا ينتظر أحدًا لا شقيقًا ولا ابن عم ولا صديقًا مبدعًا، ليكون بفضله، وإنما هو يكون بفضل عطائه وعدم استكانته. وعودة الى همنجواي، هذا الكاتب تمكّن من تحويل حياته إلى اسطورة، فخاض المغامرات في أدغال افريقيا الخضراء، وعارك اسماك القرش في عرض المحيط، طارد الاسود الهاربة وشارك في الحروب مُدافعًا عمّا آمن به من حرية وقيم عليا. إقرؤوا رواياته: "الشمس ستشرق أيضًا"، "وداعًا للسلاح" و"الشيخ والبحر". اقرؤوا كتاب مذكراته "عيد متنقل"، بل إقرؤوا ما كُتب عنه، خاصة كتاب " بابا همنجواي"، للصحفي الامريكي المبدع أ.أ. هوتشنر، الذي رافقه مُدّةَ سنوات وسنوات، لتروا إلى أية حياة عاشها، والاهم أي ابداع قدمه.

هذا هو الكاتب الحقيقي، إنه لا يستسلم ولا يستكين لهدوء البال وإنما هو يبحث عن المغامرة، ولو داخليًا، كما فعل الكاتبان العربيان المصريان الهامان نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وهناك في أدبنا العربي أديب مبدع من سوريا امتلك تجربة خاصة هو حنا مينة صاحب الروايات الشهير: "الياطر" و"نهاية رجل شجاع" و"بقايا صور"، بصرف النظر عن أن البعض أطلق عليه لقب همنجواي العرب، هذا الكاتب صنع أسطورته الخاصة بيديه، كان ذلك يوم غادر بلاده في أواسط الخمسينيات، ليعيش متشردًا كما قال، عشر سنوات في هنغاريا والصين، وقد عاد إلى بلاده سوريا بعد نكسة عام 67، ليكون معها إلى جانبها في جرحها العميق.
الكاتب الفنان المبدع الحقيقي، باختصار، هو من يصنع اسطورتَه الخاصة به، ولا ينتظر أحدًا آخر ليصنعها له، تذكروا شقيق همنجواي.. مثلًا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة