الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 17:02

الإهداءات/ بقلم: الأديب محمد علي طه

الأديب محمد علي
نُشر: 22/12/21 13:32,  حُتلن: 16:57

ماذا يكتبُ الأدباء والشّعراء على نسخ كتبهم الّتي يهدونها الى أصدقائهم الزّملاء؟
قد يقول قائل: هي مجاملات وعلاقات عامّة. وقد يقول آخر: هي كلمات صادقة تدلّ على تقدير المُهدي الى المُهدي إليه. وقد يزعم أحدنا أنّ كلمات الإهداء لا تخلو من المبالغة والمديح الزّائد، وربّما يقول صديق رزين إنّ كلمات الإهداء تعبّر بدون مواربة أو رياء عن علاقة الشّاعر أو الكاتب بصديقه وتخرج من اليراع عفويّة بدون تخطيط مسبق.
لا أدري إذا كان أحد الأكّادميّين قد بحث ودرس ما كتبه نجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو أمل دنقل أو نزار قبّاني أو البياتيّ أو الجواهريّ أو غسّان كنفاني أو محمود درويش أو الماغوط الى أصدقائهم الأدباء والشّعراء؟ وعلى ماذا تدلّ هذه الاهداءات؟ وهل كان للمناخ السياسيّ أو المناخ الثّقافيّ أثر عليها؟ وهل نستطيع أن نتعرّف من خلالها على شخصيّة المبدع المُهدي أو المُهدي إليه؟.
تصفّحتُ الكتب العديدة في مكتبتي التي أهداني إيّاها، مشكورين، الأصدقاء الأدباء والشّعراء من البلاد ومن العالم العربيّ ومن الأجانب. وقرأتُ الكلمات الطّيّبة والرّقيقة الّتي غمروني بها حبًّا وتقديرًا والتي لن أذكرها في هذه المقالة لأسباب عديدة لا حاجة ذكرها، ووجدتُ أنّ بعض الإهداءات عاديّة، فمثلًا يكتب الصّديق الرّوائيّ جمال الغيطانيّ على نسخة من روايته "وقائع حارة الزّعفرانيّ" في 1989/1/9: "الصّديق محمّد علي طه، مع مودّتي العميقة" ويكتب الكاتب المسرحيّ ألفريد فرج على كتابه "ألحان على أوتار عربيّة": "الأخ العزيز محمّد علي طه مع أطيب تمنيّاتي". ولفت انتباهي ما كتبه الصّديق الرّوائيّ يوسف القعيد على كتابه " الضحك لم يعد ممكنًا" في العام 1988: "أوراق اعتماد وصداقة أرجو أن نحرص عليها" بينما كتب على كتابه "مرافعة البلبل في القفص" 1991/12/28 أي بعد انهيار الاتّحاد السوفييتيّ "ماذا فعلت التّطوّرات الأخيرة بالمناضل القديم؟".
وتختلف إهداءات الأدباء والشّعراء العرب، مثل محمود العالم والبياتيّ والنّقّاش وشكري والخولي وفرج والأبنودي والقعيد والغيطاني والمقالح وغيرهم من المبدعين الّذين أعتزّ بنتاجهم وبصداقتهم، عن إهداءات المبدعين الفلسطينيّين التي يبرز فيها النّضال الفلسطينيّ ويطلّ من بين حروفها الشّوق الى الحريّة والاستقلال، فالكاتب المرحوم عزّت الغزّاويّ، الّذي اعتقلته قوّات الاحتلال لمدّة سنتين في الانتفاضة الأولى واستشهد ابنه رامي في العام 1993، يكتب لي على روايته "جبل نبو" في العام 1987: "الصّديق محمّد علي طه، وهذا الجبل، في الرّوح والذّاكرة. فمتى نمتطي صهوته في الواقع؟ مع محبّتي....". كما لمست فرقًا شاسعًا بين ما كتبه لي الأدباء والشّعراء فدوى طوقان ويحيى يخلف وأحمد دحبور ومحمود شقير وليانة بدر وإبراهيم نصر الله وعزّ الدّين المناصرة وغسّان زقطان وعلي الخليليّ والمتوكّل طه وعبد النّاصر صالح وغيرهم (ومعذرة من غيرهم) في فترتيّ ما قبل أوسلو وما بعدها، أو في سنوات الغربة والشّتات، أو بعد العودة إلى ربوع الوطن. فصديقي الشّاعر أحمد دحبور يكتب على نسخة من مجموعته الشعريّة "هكذا" حينما التقينا في تونس: "الى رائحة البلاد، والبلاد كلّها، الغالي محمّد علي طه على أمل اللقاء في البلاد". وهذا الشّوق الى رائحة البلاد يبرز في إهداءات الرّوائيّ يحيى يخلف في "تفاح المجانين" و "نشيد الحياة" وفي إهداءات عزّ الدّين المناصرة في مجموعاته الشّعريّة. وأمّا إهداءات الأصدقاء من "البلاد" فتختلف إلى حدّ ما، فالشّاعر محمود درويش يكتب لي على مجموعته الشّعريّة "لا تعتذر عمّا فعلت" كلمات بسيطة جدًّا وصادقة "الى صديق العمر... مع محبّتي" وأمّا الشّاعر سميح القاسم فيكتب على "ديوان الحماسة" الجزء الثاني في عام 1979، أي بعد زيارة السّادات للقدس "الى أبي علي محمد في زمن ماتت فيه الحماسة"، بينما يكتب على مذكّراته "إنّها مجرّد منفضة" في العام 2011: "أخي أبا عليّ، هي صفحات من عمر، لك حضورك فيها، أكثر من الكلمات وأعمق من الفصول" ويكتب الرّوائيّ إميل حبيبي على "خرّافية سرايا بنت الغول" ما يشي بموقفه الفكريّ الجديد: "أخي محمّد، حتّى تعود الى سراياك كما عدتُ إليها" 1991/4/25، ويكتب فاروق مواسي على كلّ كتاب "أخي الى الأبد"، ووجدتُ في أكثر من ثلاثين إهداء لمبدع صديق رصدًا لعلاقة الصّداقة بيننا طيلة خمسة عقود وما شابها من اختلاف في الرّأي على الرّغم من المحبّة والوفاء.
لا أستطيع في مقالة قصيرة أن أذكر ما كتبه الأصدقاء لي في الجليل والمثلث وهم كثر –خمسة في عين الحسود-ولكنّي قرّرت أن أذكر أسماءهم على الأقلّ فبدأتُ بتدوينها وحينما وصلتُ الى الاسم الخامس عشر أدركتُ أنّني تورطت فاعتذرتُ لهم واحدًا واحدًا، وواحدة واحدة، ومحوتُ الأسماء. سامحوني!
 

مقالات متعلقة