الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 15:02

من مُذكّرات أستاذ عتيق 2/ بقلم: منجد صالح

منجد صالح
نُشر: 22/12/21 09:27

في جعبة الأستاذ عامر التلحمي عدد لا يُحصى ولا يُعدّ من السهام والنبال، يرميها شمالا ويمينا فتصيبنا بالفرح والسعادة والفائدة والخير العميم.
يُقدّم لجليسة زبدة من التجارب المُتعدّدة المُتنوّعة ملفوفة بورق "السوليفان"، معتّقة كنكهة العنب بعد "هرسه" بأقدام الصبايا الحسان وتخميره في المخازن والخوابي تحت الارضية المظلمة، التي لا تجرؤ أشعة الشمس من الوصول إليها.
ينفض الاستاذ عامر الغبار عن ذاكرته وذكرياته، ويستذكر الفترة التي سبقت حرب "الأيام الستة"، حرب ال 67، حيث كان يُدرّس في بلدة جنوب مدينة بيت لحم، يُدرّس مادتي الفيزياء والرياضيات.
وربما بسبب "تخصصه" في هذه المواد، إرتأى مدير المدرسة، بناء على تعليمات عُليا، بأنه هو الوحيد القادر، من بين جميع معلّمي المدرسة وإدارييها، على القيام "بقيادة" أعمال الدفاع المدني والطوارئ والإسعاف، تهيئة وتحسّبا لظروف وملابسات حربٍ تلوح في الأفق.
ليس هذا فقط، وإنما أيضا أن يكون مساعداً أوّلاً للضابط الأردني "البدوي" الذي سيُدرّب الأساتذة والطلاب الشباب على استخدام و"فك طلاسم" البندقية الإنكليزية، مع أنّه في حياته كلّها لم يكن قد أتيحت له فرصة ولا امكانية لمس مثل هذه البندقية العريقة الغرّاء.
تسيل الدموع من عينيه من فرط انخراطه في نوبة ضحك مستمرّة وهو يتحدّث ويشرح عن الموضوع "المُعضلة" التي واجهته:
- كيف سأكون أنا "رئيس" فريق الدفاع المدني والإنقاذ والإسعاف في المدرسة وأنا لا يوجد لدي أدنى خبرة ولا معلومة بذلك؟؟
والأدهى والأمرّ كيف سأكون مساعدا للضابط البدوي وأنا لم ألمس سلاحاً بيديّ في حياتي قبل ذلك!!!
إنّها الأقدار تسوق إليه قدره والمكتوب عليه، ..
يُضيف وهو يتنهّد ويقول:
- أاااه .. أااااه يا زمن. تدرّبنا على البارودة الإنكليزية الثقيلة أسبوعا كاملا، نفكّها ونُركّبها، فحفظنا "الفكّ والتركيب" وكأنها قصيدة للمتنبّي، لكنّه لم يُتح لنا أن نتدرّب على الرماية، ولا أن نطلق طلقة واحدة على هدف، حتى لو كان هذا الهدف جرّة فخّار بالية.
هل سنحارب بأسناننا وأصابعنا وأيدينا أم بالبارودة الإنكليزية العتيدة التي لم يخرج من جوفها ولا طلقة واحدة؟؟!!
أمّا التدرّب على الطوارئ والدفاع المدني والإسعافات فلم يكن أفضل حالا، فكل ما كان مُتاح للتدريب هي أرجلنا وأيدينا وأجسامنا، وكأننا في مسرح للدمى، أو مسرح "البانتوميما" نُحرّك أيدينا ونُهرّول من مكان إلى آخر ل"تمثيل" عملية إخلاء مصاب ومداواته، بأيدينا العارية الخالية من أية مُستلزمات أو مُعدّات!!!
ويستمر في الحديث ودمعة حزنٍ تُداعب خدّه:
- لهذا فإن الحرب، حرب ال67، جاءت وكانت وتدحرجت من جانبنا حسب تدريباتنا "العتيدة"، "فشينك في فشينك"!!!.
وقد حسم موشيه دايان وجيشه "الحقيقي" الحرب في ستة أيام، وربما كانت ست ساعات ليس إلّا؟؟!!
"وحوبس يا أبو ميّالة .. حوبس رُد الخيّالة .. ومن عادانا لنعاديه.. وبالبارود نشنّع فيه .. حاميها "أبو ..." .. خيّال المُهرة الأصيلة".

"البواريد تظهر في الأغاني والأعراس والأهازيج"، أمّا في ساحة الوغي فذهبنا بلا سلاح أو بسلاح "إمّذر" "يتفّ الرصاصة تفّاً" بدل أن يُطلقها!!!.
 

مقالات متعلقة