الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 21:02

لو لم يكن الشارع ذو اتجاه واحدٍ!!-السفير منجد صالح

السفير منجد صالح
نُشر: 21/11/21 23:24

الحمد لله أن الشارع ذا اتجاه واحد.
يذهب هبوطا ولا يذهب صعودا.
وإلّا لما تقدّمنا مترا واحدا، في الإتجاهين ...
إلا بوجود شرطة المرور ...
اليوم يومٌ شتوي، لكن شحيح الغيث.
الفصل البارد الماطر اقتحم بقوّة، منذ يوم الجمعة الماضية، مؤخّرة الخريف.
جرت السيول وسبتت الخيول و"ركنت" الطيور متدثّرة على الأفنان والأغصان بعد أن كانت تملأ الفضاء الفسيح الرحب بالزقزقة والبرجمة والغناء.
كان قد سبقه صيف لاهب حتى في "عزّ موسم قطاف الزيتون"، عزّ على الدنيا أن تمطر خلال القطاف.
فدلفت مزاريبها بعده أو في "توالي تواليه" ماء مدرارا!!! وأسقطت حبّ الزيتون عن أمهاته وأغرقت في الطين تحتها كلّ ما سقط من حبّاته.
أقف بمركبتي في شارع مدرسة فلسطين الأمريكية ذو الإتجاه الواحد.
حمدا لله أنه ذي أتجاه واحد.
فالسيّارات تهبط نزولا ولا تتجه صعودا.
السيّارت المُتوقّفة تحفّه على الجانبين، متراصة الواحدة تلو الأخرى، مقدّمة الثانية تُناطح مؤخّرة الأولى وهكذا، سلسلة من المركبات باحجام وألوان وأشكال وأنواع مُتعدّدة.
الحمد لله أن الشارع ذو اتجاه واحد وإلّا لاختلط الحابل بالنابل، الهابط بالصاعد .. "وهات دبّرها يا صاحب التدبير".
أمّا السيّارات السائرة المسافرة المُتحرّكة فتتسلّل جهارا نهارا في الشارع الذي لم يعد فسيحا، تخترق بحذر واقتدار كسيل جارٍ بين المركبات المُتوقّفة على الجانبين.
ندعو الله دائما أن يُجنّب الشارع من اصرار سائق شاحنة كبيرة نزق "راكب راسه" مصمم على الهبوط في الشارع ذي الإتجاه الواحد، وهو يصرخ ببوق زمارته "الوهرة" الغليظة، ومن حين لآخر يكاد يخشط مركبة أو يكسر مرآة جانبية لأخرى ...
هل يا تُرى كان من الممكن أن يكون الشارع سالكا لولا كونه ذي اتجاه واحدٍ هبوطا وليس صعودا؟؟
أذكر وأتذكّر هذا الشارع بذاته وصفاته، "بشحمه ولحمه"، عندما كان في البداية ذو اتجاهين ... يا لطيف ألطف بنا!!! ..
فمدرسة فلسطين الأمريكية كانت جارتنا، جارة وزارة الخارجية في بالوع البيرة، قبل انتقالها إلى مقرٍ آخر.
حينها كان من المستحيل "تسليك" الشارع هبوطا وصعودا دون الإستعانة بشرطة المُرور تتمترس في الشارع "لفكّ الإشتباك" اليومي بين السيارات الصاعدة وبين السيارات الهابطة.
المهمّة لم تكن سهلة ولا لطيفة ...
بعد مُدّة من المُعاناة و"الحزّة واللزّة" والزنقات وتكبيشات السيارات ببعضها، اقترحنا على شرطة المرور "تحويل الشارع واعتماده" ذو اتجاه واحد.
وهكذا حصل وكان وحمينا انفسنا والشارع من أن نؤول إلى "خبر كان"!!!
اليوم .. الآن يمكن الوقوف بأريحيّة ومراقبة الشارع والإستمتاع، على طريقة إميل حبيبي في المُتشائل، بسيل المركبات الهابط بسلاسة، من فوق إلى تحت، دون نتوءات ولا مُنغّصات، إلا ما ندر ...
اليوم الشارع نظيف يلمع فقد استحمّ طويلا منذ يوم الجمعة الماضية واستخدم في حمّامه صابون زيت الزيتون البلدي من آثار الزيت النازف من حبّات الزيتون المُتناثرة على الشارع المهروسة تحت أقدام المارّة، فالشارع يعجّ بأشجار الزيتون تحفّه على الجانبين، ونحن في أواخر أيام قطاف الزيتون.
الساعة تقارب أن تدقّ الثانية بعد الظهر. سيل السيّارات يتدفّق ويسدّ الأفق على الجانبين، ويترك المجال فقط للسيارات المتحركة المسافرة وسط الشارع هبوطا.
سيل الطلاب الخارج من صفوف المدرسة الأمريكية بدأ يُضاهي ويُنافس سيل المركبات!! التلاميذ والطلاب من صف بستان وتمهيدي من الروضة ومرورا بصفوف الإبتدائية والإعدادية وحتى الثانوية مُكلّلا بطلاب التوجيهي بدأوا "يختفون" داخل سيارات أهاليهم، التي ما أن "تلتقطهم" حتى تسير بحذرٍ في "مجرى سيل المركبات" المُغادرة المسافرة.
وشيئا فشيئا يفرغ الشارع من "ساكنبه" (السيارات والطلاب)، ويعود بعد العصر وخلال الليل هادئا ساكنا، "تقضّ مضاجع" سكونه من حين لآخر سيارة هابطة في الشارع ذي الإتجاه الواحد.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني

مقالات متعلقة