الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 19:02

هل أنا تقليدي حقّا/ بقلم: منجد صالح

منجد صالح
نُشر: 05/11/21 08:00

ربما أنا تقليدي، فليكُن، وهذا لا يُضيرني ولا يُزعجني ولا يقضّ مضاجعي، بل على العكس، أشعر برضا، وأنني متميّز قليلا، أحافظ على التراث "ما استطعنا إليه سبيلا". وخاصة في هذه الأيّام، أمام طوفان ثورة الإنترنت، وطغيان مظاهر "الحداثة" الحقيقيّة أم المُزيّفة، وإستبدال الشباب "فرقة ال بي تي أس" الكورية الجنوبية، الفرقة الغنائية الراقصة، بدلا من مواويل فريد الأطرش وموشّحات صباح فخري وشدو وغناء أم كلثوم بأغانيها وقصائدها: "أغار من نسمة الجنوب على مُحيّاك يا حبيبي ...".
و"يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحا من خيال فهوى، إسقني وأشرب على أطلاله وأرو عنّي طالما الدمع روى، كيف هذا الحب أمسى خبرا وحديثا من أحاديث الجوى ...".
ربما أنا تقليدي، فليكُن، أذهب إلى محل الفواكه والخضار، في نهار الصيف اللاهب، وأصرّ على البائع بأنني أريد بطيخة بالبزر، أسمعتم؟ بطيخة بالبزر، "مثل بطيخ أيام زمان"، بطيخ مرج ابن عامر، الذي كان في أيّام العزّ، في الستينيات والسبعينيات، يكفي فلسطين والأردن ودول الخليج العربي مجتمعة.
بطيخ "أحمر مثل الدم"، مليء بالبزر، تأكله بشهيّة، وبطقوس ورديّة وغير عاديّة، تأخذ منه شرحة سمينة وأنت في الهواء الطلق، تأكلها "بشراهة"، يسيل من فمك سائلها القاني، على ذقنك ورقبتك وعلى صدرك وبطنك، ويصبّ في تجويف صرّتك. و"تعزق" البزر من فمك وكأنه رشّاش، لكن لا يُصيب ولا يجرح.
اما البطّيخ الحديث، بطيخ هذه الأيّام، المُحدّث المهجّن وراثيا، المُنتج في البيوت البلاستيكية "غصبا" ورغما عنه، وفي غير أوانه، يحقنوه بالأسمدة الكيماويّة الحديثة والهرمونات، فأنت تُعاني وأنت تأكل منه، فكل قضمة تقضمها من هذا "البلاستيك" الأحمر، تحتاج إلى نصف كوب من الماء حتى تبلعها وتهضمها.
والبطيخ دون بزر، صحيح أنّه شكلا وحجما يُضاهي البطيخ العادي والحقيقي بالبزر، لكنه، طعما ومذاقا، لا يمتّ بصلة قرابة إلى هذا البطيخ، بطيخ مرج ابن عامر، لأنّك تأكل شيئا يُشبه البطّيخ لكن دون عصارة، دون "جدول جاري"، وكأنّك تشرب بقايا "حثل أو تفل" القهوة، يصطدم بأسنانك. تشعر ببعض الحلاوة، وربما مزيدا من الحلاوة، لكن حلاوته اصطناعيّة، وكأنك تأكل شيئا مُحلّا "بالسكّرين".
أما بعض الفواكه الأخرى، المُهجّنة، التي تفرضها علينا سلطات الاحتلال، تفرض علينا شراءها وغيرها، بموجب إتفاقية باريس الاقتصادية المُجحفة بحقّنا، وهي اساس بلاء ومشكلة المقاصة حاليّا، فحدّث ولا حرج، فهي قطع من البلاستيك، الدرّاق الأصلع والدرّاق أبو فروة، بلا طعم ولا رائحة.
تتحسّر على أيام زمان على درّاق وتفّاح وخوخ وأجاص وخوخ ال"سانتاروزا" وعنب "بيت أمّر" ودورا وحلحول وجبال الخليل، أنواع العنب الشهيّة المميّزة: البلّوطي والزيني والحلواني والدابوقي والجندلي والشامي .
ونتحسّر ونغضب أكثر من زحف مستوطنات عصيون و إفرات، التي ابتلعت الأرض وإبتلعت أحلام الفلسطينيين، ويُنتجون فيها ومنها فواكه بلاستيكية بدلا من فواكهنا الشهية المُعطّرة. ويحذفون مخلّفات مجاريهم النتنة على ما تبقّى من أراضينا الزراعية.
ربما أنا تقليدي، فليكن، فقد كنت وما زلت أعشق الدراسة والمدرسة والجامعة، وأحترم معلّميّ وأساتذتي إلى حد "القداسة"، "وبأجيب سيرتهم دائما بالخير"، "من علّمني حرفا كنت له عبدا".
أما بعض شباب هذه الأيام، أقول بعضهم للتخصيص وليس للتعميم، فلا يُطيقون المدرسة ولا الدراسة، ويتّخذون من المدرسة مكانا للّهو واللعب والهزو والغمز واللمز وإثارة المشاكل، ولا "يُعبّرون" أساتذتهم ولا يحترمونهم.
وإذا ما تجرّأ معلّم ونهر طالب من هؤلاء أو وجّه له كلاما أو إنتقادا، فالويل له. يذهب الطالب والشرر يقدح من عينيه، وشياطين الأرض "تتنطط" من حواليه، يخطط كيف ينتقم من المعلّم الذي تجرّأ ووجّه له نقدا. يُجمّع ثلّة من أصحابه، "فالطيور على اشكالها تقع"، يرابطون في أحد زوايا الشارع المؤدي إلى المدرسة، "ينتظرونه"، ويوسعوه ضربا وركلا وشتما وإهانة.
وفي هذه الحالة، فالمعلّم "هو وحظه"، إذا ما وجد مديرا "فحلا" يدافع عنه، ووزارة تربية وتعليم تتابع "الإعتداء" عليه، وتتخذ إجراءات بحق "الفاعلين"، وإلا وغير ذلك، "فسيضيع دمه هدرا بين القبائل"!!!
نحن نعيش أيّاما عصيبة بسبب الإحتلال وبسبب جائحة الكورونا. مطلوب منّا أن نعيش حياة طبيعية في ظل ظروف غير طبيعية، ظروف إستثنائية، فحتى المدارس والجامعات لا يلوح في الأفق، حتى الآن، بصيص أمل بأن العام الدراسي القادم سينتظم بصورة طبيعية. وسنشتاق حتى إلى أؤلئك "بعض" الطلاب المشاغبين، الذين يدهنون شعر رؤوسهم ب "الجلّ"، ويحلقونها على غرار "قصة المارينز" أو "قصة الطاووس".
كلامي هذا في مقالي تنويري وليس نقدي أو كيدي لا سمح الله ضد أحد، فشعبنا الفلسطيني، أعانه الله، يواجه المصائب تلو المصائب، لكنه وفي نفس الوقت، يراكم البطولات فوق البطولات، يواجه الأزمات بصبر أيّوب، وجذوة النضال لم تخبو يوما، والراية مرفوعة خفّاقة على قمم الجبال.
وحتى هؤلاء الشباب "غاويي المشاكل" تراهم أشداء صناديد في المواقف، مثل زملائهم من طلاب المدارس والجامعات، حين يتقنّعون ويتمترسون والحجارة بأيديهم على الحواجز في مواجهة ومقارعة جنود الإحتلال، يساجلونهم ويُناوشونهم ويشتبكون معهم عن قرب ومن بعيد، وفي كل وقت وفي كل حين، ويسقط منهم جرحى وأسرى وشهداء مُخلّدين.
 

مقالات متعلقة