الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 02:02

الأمّ "المهروسة" بين حجري رحى ولديّها

بقلم: السفير منجد صالح

منجد صالح
نُشر: 30/10/21 08:30,  حُتلن: 10:23

هذا العالم مليء بالحزن، مليء بالجنون، مليء بالمصائب، مليء بالجرائم والمجرمين، مُتعدّدة الأشكال والأنواع والأماكن والأزمنة، و"على عينك يا تاجر"، و"على قفى مين يشيل!!".
لا تخلو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، لا صحيفة ورقية ولا صحف إلكترونية، من زواويا الحوادث والمجتمع أو المتفرّقات، مُتخمة و"مدبوزة" و"متروسة" بجرائم القتل والإغتصاب والسطو والنصب والإحتيال و"العقوق" وخاصة عقوق الوالدين، ربنا إرحمنا برحمتك جميعا يا الله..
ومع أنني وغيري الكثيرين نمرّ على عشرات الأخبار من هذا القبيل، ومن قبيل "قصة قابيل وهابيل"، إلا أن بعضا منها يبقى صامدا ماثلا عالقا في الذاكرة، ينال درجة هامة من التحفّز والتحفيز، ورفع درجة ونسبة "الأدرينالين" لدى القرّاء أو المشاهدين للتلفاز ووسائل التواصل – التباعد الإجتماعي القسري.
وليس بالضرورة أن الجريمة التي تُؤثر وتجلب وقعا بالدرجة والنسبة الأعلى أن تكون من نمط جرائم دراكولا والكابوني والفامبيرو (مصّاص الدماء) والتشابو (المكسيكي) وبابلو إسكوبار (الكولمبي) وأفلام الرعب من إخراج هتشكوك.
إنّما يمكن أن تكون جريمة مروّعة في حق الإنسانية والأخلاق والذوق و"الأديان" السمحة، دون أن تراق فيها قطرة دم واحدة، ولكن تُذرف عليها "بقلولة" من الدموع الحارّة الحزينة المُتحسّرة.
وهنا ندخل مباشرة في صلب "الجريمة" المُخجلة، التي دارت رحاها في "أرض الكنانة"، في المحروسة، جريمة يندى لها الجبين وتهتزّ الجبال من هولها، ولن يرى مرتكبها أو بالأحرى مرتكبيها لا السعادة ولا الهناء ولا الصلاح في الدنيا، ولا الجنّة في الآخرة، لأن "الجنّة تحت أقدام الأمهات".
شقيقان، "وما أدراك ما الشقيقين؟؟!!"، يعني "بني آدمين"، هذا إذا ما زال يحقّ لنا وصفهما أو إلحاقهما بذرّية سيدنا آدم عليه السلام.
شقيقان تعني أتوماتيكيا، وعند كافة أجناس وأعراق وألوان البشر، أنّهما ببساطة حُملا في نفس البطن، بطن الأمّ دون شك ولا مواربة، ولا يمكن أن تتبدّل هذه الحقيقة مهما عفا أو قسى عليها الزمن.
تغذّيا من نفس الحبل السُرّي في بطن أمّهما و"مصّا" الحليب من نفس الثديين المعطائين. لم تتبرّم الأم يوما وهي تُبدّل حفّاظات كلاهما، حفاظات البامبرز أو حفّاظات القماش، التي تغسلها يدي الأم الحنونة الحانية الصابرة.
أطعمتهما وألبستهما وحمتهما وكبّرتهما وأصبحا "رجالا"، تزوّجا وخلفّا ابناء وبنات.
وكبرت الأمّ وهرمت وأصبحت لا تقوى على الوقوف على ساقيها، ربما من شقى العمر وقسوة الأيام.
عاش الإبنان "النذلان العاقّان" كلٌ في شقّته الخاصة مع عائلته الصغيرة (زوجته وأولاده)، واستمرّت الأم في العيش، بشظف العيش في شُقتها القديمة الخاصة بها، ولها الله والمحسنين من عباده الصالحين وهي "القعيدة المُقعدة" الصابرة.
اجتمع الشقيقان على "الخير"!!! أو على المؤامرة والدهاء؟؟؟ واقترحا على أمّهما، أو بالأحرى ضغطا عليها، كي تبيع شقّتها وأن تأتي للسكن، بالتناوب، مع كل واحد منهما في شقّته، وهكذا تكون "مُعزّزة مُكرّمة" مستجابة كافة طلباتها وإحتياجاتها؟؟!! و"مسك" كل واحد منهما على شاربه تعهّدا وإيفاءا بالوعد، وأن تعيش الأم "اللاجئة" في كنفه وبين عياله.
وصدّقتهما الأم "المغلوبة على أمرها" فقد حملتهما في بطنها وأرضعتهما حولين.
لكن أبت النذالة أن تُغادر أهلها، وهما أهلين للنذالة، ولمنتهى النذالة!!!
اقتسم "الذئبان" الغنيمة، ثمن شقة الأم بالتساوي، فلا داعي لتخصيص جزء من ثمن شقّتها لها لأنهما "سيقومان بواجبهما تجاهها" على أكمل وجه وعلى "الرحب والسعة"!!!
سارت الأمور في البداية بصورة "لا بأس بها"، تقضي الأمّ المغلوبة على أمرها فترة في بيت "الكبير"، ومثلها في بيت "الصغير"، فجيوبهما "عامرة" "بنقود وعرق ودم" الأمّ.
لكن مع "تبخّر" الثروة الطارئة بدأ التذمّر والتنمّر والإحتجاجات و"التبرّمات" تُظلل حياة الأمّ و"حركتها المحدودة"، على الشقّتين "غير العامرتين".
وبدأ كل واحد من الشقيقين يُلقي باللوم واللائمة على الآخر وينعته بالتقصير مع أمّه وبأنّه هو من "يشيل الحمل كلّه"!!!
اختلفا وتنابزا بالألقاب وتراشقا بالشتائم والإتهامات، وكانت ضحيّة "المعركة" المُفتعلة هي الأمّ المسكينة، التي لا حول لها ولا قوّة ولا مخرج ولا مأوى، "ولا حول ولا قوّة إلا بالله".
بدعوى أن "شقّته ضيّقة" ولا تتسع له ولعائلته و"للأم"، "شحط" (نقل) الإبن الأصغر أمّه المُعاقة على كّرسيها المُتحرّك وتوجّه بها إلى بيت (شقّة) شقيقه الأكبر.
نادى عليه و"أخطره" بأن "أمّه" تقبع اسفل العمارة في بيت الدرج.
لكن الشقيق الثاني رفض أن "يستلم" أمّه، وبقيت الأم المُقعدة المسكينة جاثمة على كُرسيها المُتحرّك في العراء أسفل البناية، تنتظر رحمة ربّ العالمين عزّ وجلّ؟؟؟!

* منجد صالح - كاتب ودبلوماسي فلسطيني

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة