الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 01:02

العنف والعنجهية والدوران في حلقة مفرغة

بقلم: د. رائف حسن

د. رائف حسين
نُشر: 03/10/21 23:41,  حُتلن: 10:16

يخطىء من يُقّيِم مجتمعنا الفلسطيني بالداخل بانه قد وصل الى الحضيض في آفاته الاجتماعيه، من قتل واجرام وحوادث وسرقات ومخدرات وانحلال.

ما نتابعه يوميا من مصائب وآفات هو نتيجة حتميه لطريقة حياتنا وتوجهنا وتربيتنا وقناعاتنا … وبما ان هذه الحاله، فلسفة حياتنا العوجاء، لم تتغير للافضل في السنوات الماضيه، بل على العكس… لذا سوف نراقب ونرصد بالسنوات القليلة القادمة تصاعد مستمر في هذه الاعمال المخيفة والمشينة.

هذه ليست نظره سوداويه … وليست جلد للذات… بل هي توصيف دقيق مسؤول لواقعنا بعيداً عن التفاؤل الغدار والاستسلام المذل. بالتحديد هو توصيف يساعدنا بان نقوم بالخطوات الاولى لوضع النقاط على الحروف ونسأل انفسنا "لوين رايحين"؟

في العقدين الاخيرين ومنذ ان بدأت اسرائيل تتحول وتتغير من اسرائيل الثانيه، التي كانت تتعاطى، ولو من باب العهر السياسي، مع فلسطيني الداخل على انهم مواطنين تنقصهم بعض الحقوق في الدوله،، الى اسرائيل الثالثة التي تعتمد الصهيونية الجديد قاعدة أيدلوجية لها، ( النتانياهوية نسبة لمهندسيها بنيامين نتانياهو) والتي تعتبر الاقلية الفلسطينية في اسرائيل كمقيمين بهذه الدوله، منذ ذلك الحين والاقلية الفلسطينية تتخبط وتبحث عن مكانه لها في ظل الوضع الجديد.

هذا التخبط، الناتج عن فقدان البوصلة السياسية والاجتماعيه الى جانب عدم الاجابه على أسئلة حرجة من نوع علاقتنا بالدوله وعلاقتنا بالاخر الفلسطيني، نراقبه في السياسة والمجتمع وارهاصاته عديدة ومتنوعه وأكثرها هدامه تشل الجسد والذهن … من معالم هذا التخبط الذهني والسلوكي:
اولا، نحن واجهزة الدولة ؛ رغم اعتراف قيادة الشرطة بمسؤلية جهاز المخابرات الاسرائيلي الداخلي " الشاباك" عن تفشي الاجرام المنظم بمجتمعنا الفلسطيني بالداخل ودعمه المباشر له والتغطية المبرمجه لاعماله، ما زال ساسة وعامه يطالبون الشرطه واجهزة الدوله بانقاذهم من هذه الوباء.

هذا المطلب، ورغم صحته المبدئية، الا انه مضلل ويوحي في طياته وكأن اسرائيل لم تتغير وتتبدل… وكأن هؤلاء نسوا كيف بنيت هذه الدوله وعلى قبور من؟ وكأن العنصريه ليست هي العلاقه الطاغيه على اجهزة الدوله ومجتمعها اليهودي وعلاقتهم مع المجتمع الفلسطيني بالداخل.

الشاباك، ايها الساسة والعامه، يعمل وفق اجندة الدولة العميقة بهذه الدوله بعيداً عن التغيرات السياسية وتركيبة حكومة الكيان والوانها وهدفه الاساسي احكام طوق التسلط على فلسطينيي الداخل بعد ان فشلت كل محاولات الاسرلة والتذويب للهويه. وزاد هذا الطلب، بالتسلط والتحكم والتحجيم، بعد الهبات التي ثَّبَتَ بها هويته الفلسطينية وانتمائه الوطني من يوم الارض الى هبة القدس.

دعم الاجرام المنظم داخل مجتمعنا استراتيجية ناجحة لاشغالنا بهمومنا اليومية الحياتية بعيدا عن سياسية الدولة العنصريه ومكانتنا كاهل البلد الاصليين. للاسف الشديد يمكننا اليوم ان نقول بان هذه الاستراتيجية كانت وما زالت ناجحة بامتياز… استراتيجية تتماشى مع عقلنا العنجهي وتغذي غريزتنا الفوضوية. هذه الاستراتيجيه قسمت المقسم داخل مجتمعنا وزادت من تخبطه وابعدته عن التفكير الخلاق للخروج من قوقعة الاجرام والثأر والتنافس بالعنجهية ومسرحيات حياتنا اليوميه التعيسه.

ثانياً، الاجرام وافاته الاجتماعية لا تحارب، بالدرجة الاولى، بالاستنجاد بالجلاد وخالق وداعم هذا الاجرام… الاجرام بالمجتمع يحارب بنبذه ونبذ مروجيه ونبذ عائلاته وافراده داخل المجتمع. مجتمعنا الفلسطيني بالداخل يعمل العكس تماما … يقف مكتوف الايدي ويراقب كيف يكبر ويتضخم هذا السرطان الاجتماعي … مجتمعنا يندب ويبكي ولا يحرك ساكن. نشارك المجرمين وعائلاتهم افراحهم وافراحهم ونقبل بهم اجتماعياً بيننا … اكثرية منا تتحبب لهم وتحاول ان تكسب رضاهم … قال الفلاحون: ما بحك جلدك الا ظفرك… الشوكة التي زُرِعت بجلد مجتمعنا علينا اولا وقبل كل شيء ان نقلعها بايدينا … علينا ان ننبذ هؤلاء المجرمين وعائلاتهم… علينا ان نحاصرهم اجتماعيا … علينا ان نعاملهم كالكلاب المجروبه. فقط هكذا نبدأ بتعامل واقعي مع هذا السرطان الاجتماعي.

ثالثاً، مستنقع الاجرام بافراده ومؤسساته وعائلاته تستقطب الشباب بسهوله… هذا الشباب الذي ترعرع على قاعدة؛ ان تجميع المال والثراء اهم ما يمكن ان يصبوا اليه الانسان بمجتمعنا …وان المال، وبغض النظر عن منبعه، هو الضامن الوحيد لمكانة اجتماعية مرموقه… هذا لم يأتي من فراغ. هذا هو حصيلة ما زرعناه في تربيتنا لاولادنا بالعشرين سنة الماضيه… علمناهم ان الغش بالمدرسة والحياة وامتحانات البجروت امر عادي وان هذه "شطارة وحدق" المهم ان تحصل على شهادة… باركنا لهم بحصولهم على شهادات مدفوعه بجامعات اوروبا الشرقيه وكليات البلاد التجاريه… علمنا اولادنا بان التزوير امر عادي؛ احتفلنا بالدكاتره واطلقنا المفرقعات ونحن نعرف انهم اطباء فقط، وان الدكتوراه درجه علمية وليس مكانة اجتماعيه… وقمنا بتزوير العلم والشهادات لكي ننافس الاخرين ونحن نعرف ان هذا التزوير وهذا الغش ارض خصبه لاعمال مشينه اكبر لكل ابناء المجتمع … عملنا هذا كله واكثر ونستغرب الان لماذا منظمات الاجرام والغش والسرقات والاحتيال والكذب تزداد ! ما يزرعه الانسان بالصغر يحصده بالكبر … هذه القاعده يجب ان تعود لمركز حياتنا وطريقة تعاملنا مع اطفالنا ومع الاخرين.

رابعاً، ربينا اطفالنا على العنجهية وقلة احترام الاخر … ونحصد الان ما اقترفه عقلنا الشرقي العاطفي العنجهي من اخطاء جمة… العنجهية وقلة الاحترام هي سيدة الموقف، في التعامل مع الاخرين، في المطعم والدكان، في الاحتفال وفي الاجتماع، على الشوارع وداخل البيوت… حياتنا حرب مستمره تتأرجح بين معارك الشوارع ومعارك اظهار الانا الكاذبه … هذه العنجهية هي السبب الاساسي لحوادث الطرق التي تحصد ارواح شبابنا كل يوم. اسباب الحوادث ليست الشوارع السيئة والسيارات الباليه … الشوارع بافضل حال والسيارات اجدد موديلات لكن عقولنا مسيطر عليها من العنجهية والانا الكاذبه وهي التي تسبب الحوادث التي لم تَعُد تُعَد ولا تحصى … علموا اولادك الوصايا العشرة، لا تعلموهم دين وصلاة

خامساً، السلاح ومنذ ان صنعه الانسان الاول، كان للقتل … هذا المبدأ لم يتغير اليوم ولو الهدف تغير… الانسان الاول كان يقتل الحيوانات ليعيش واصبح بعدها يقتل منافسه من الانسان. السلاح خلق للقتل … من يقتني سلاح هو نصف قاتل وينتظر الفرصه ليكمل مشواره ويصبح قاتل كامل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة