الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 00:02

اقتراحات للعيش بطمأنينة.. وشباب دائم/ ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 27/09/21 13:52,  حُتلن: 14:34

أتيحت لي في الايام الاخيرة الماضية، قراءة كتابين يتعلّقان بالعيش المطمئن، وعيش الحياة في شباب دائم. تعود قراءتي لهما لسببين احدهما يتعلّق بما سبق واجمع عليه الكثيرون، وهو أن المرء بعد الاربعين، يشرع بالاهتمام بصحته بصورة ازود مما سبق واهتم بها سابقًا، والآخر هو توفر هذين الكتابين لدي، علما انني اولي حالتي الصحية اهتمامًا كبيرًا منذ فتحت عيني على هذه الحياة، معتمدًا على ساعة بيولوجية.. احملها ليل نهار وانصاع لما تؤشر إليه وتأمر به.


هذان الكتابان هما بالترتيب وفق قراءتي لهما: "عش شابًا طوال حياتك" تأليف الدكتور فيكتور بوجو موليتز، والثاني هو " عش مطمئن النفس"، تأليف الدكتور فرانك س. كابريو. لن اقدّم هنا قراءة لكل من هذين الكتابين، وانما سأكتفي بقراءة في كل منهما، وهذا يعني انني سأتوقف عند اهم النقاط التي أثارتني في كل منهما، ولن اتوقف عندها كلها وبصورة موسّعة كما قد يتوقع بعض الاخوة القراء، ويعود اختياري هذا إلى سببين احدهما أن النشر في وسيلة اتصال اجتماعية لا يتحمل بصورة عامة القراءة الموسعة، شأن المجلات والصحف الورقية، والآخر انني اعتقد ان من سيقبل على قراءة هذا الكلام قد يهمه ما همني من نقاط، وذلك لاعتقادي انه يعيش ظرفًا مشابهًا لذاك الذي اعيشه.. ألم ير العديدون من الكتاب وانا منهم اننا انما نكتب لأناس يشبهوننا ونود ان نشاركهم في العادة بما نحب ونرغب؟
هذان الكتابان صدرا ضمن السلسلة الثقافية الشعبية واسعة الانتشار" كتاب الهلال"، وهي من ابرز السلاسل الثقافية التي يُقبل عليها وعلى اقتناء كتبها وقراءتها الكثيرون من الناس المهتمين في بلادنا وفي عالمنا العربي المحيط بنا ايضًا. مع التنويه أن ما تقوم هذه السلسلة بانتخابه وترجمته إلى لغتنا العربية يعتبر من الاصدارات الهامة والرائجة في العالم، علمًا انها قدمت وتقدّم مؤلفات لكتاب عرب لا تقل اهمية، ويكفي أن أشير إلى أن اصداراتها تضمنت كتبًا عرفها العالم في العديد من اصقاعه منها الكتاب المشهور" الرجل من المريخ والمرأة من الزهرة" للكاتب الامريكي ذائع الصيت جون غراي.
عش مطمئن النفس
يفرّق مؤلف هذا الكتاب، في فصوله الاولى، بين الانسان السويّ والانسان غير السوي، او العُصابي، ويرى أنه في حين أن الانسان السويّ يتعامل مع الحياة بوضعية واقعية لا تشطح بعيدًا عن الواقع وتتأقلم معه ومع ما يمور فيه من مستجدات، فإن الانسان العُصابي يتصف بالحساسية المفرطة، ويعيش حالةً من الصراع بين اناه او ذاته وضميره، ويوضح أن الشخصية السوية تتصف بالعديد من الصفات هي: القدرة على إثبات النضج العقلي، القدرة على تقبّل الواقع، القدرة على مسايرة الناس، القدرة على حب الغير، وامتلاك فلسفة ووجهة نظر ناضجة في الحياة، ويؤكد المؤلف أنه بإمكان العُصابيين، أن يعودوا بعد تلقي العلاج النفسي الملائم، ليكونوا اسوياء، يمارسون حياتهم بكل هدوء وطمأنينة، أما بالنسبة للعصابيين وهم من يخصص لهم ولدراستهم جل صفحات كتابه، يقول المؤلف انهم في اغلب الاحيان يكونون ذوي ضمائر متيقظة ومثالية عظيمة وطيبة مبالغ فيها، مضيفًا ان العصابيين عادة ما يمتلكون شخصيتين فهم يبدون في الظاهر بشخصية مقنعة دفاعية في طبيعتها وهي عادة ما تكون محبوبة، على انهم في اعماقهم يدفنون كل الصفات التي تجعلهم اناسًا ظرفاء، وينوّه أن التاريخ عرف العديد من هذه الشخصيات التي اتصفت بالعظمة في مجالات العلوم والفنون المختلفة، ويقول مخاطبًا القارئ إنه بإمكانه أن يتصادق مع هؤلاء العصابيين وأنه بإمكانه، اذا ما بذل مجهودًا لفهمهم وتمكّن من مسايرتهم، أن يجد لديهم قلوبًا طييبة كون بعضهم يمتاز بموهبة فنية وكون اغلبهم قادرين على أن يسدوا للحياة نفعًا عظيمًا. ويتحدث عن العداء الذي يظهرونه رامين به الآخرين، فيقول إنه عداء مصطنع، مضيفًا انه اذا كان بكاؤهم قريبًا وشكواهم لا تنتهي، فإنهم إنما يفعلون هذا لفتًا للأنظار وطمعًا في أن يشعروا أنهم مرغوبون ومحاطون بالأمن والحماية.. إنهم اطفال في حقيقتهم يتشوقون إلى من يحيطهم بالحب والتفهم.
يُقدم المؤلف في كتابه هذا، العديد العديد من القصص التي تُثبت ما يراه، ولفت نظري في فصل تحدّث فيه عن الاضطرابات العصبية والعقلية ما قاله عن دور الاضطرابات العقلية في الجنس والانتحار، عن الجنس يقول إنه ليس السبب المباشر لدى العصابيين، وإنما هو الشعور بالذنب المصحوب بنشاط جنسي، وما يستتبعه من قلق، منوهًا إلى أن النساء اللواتي لا يمكنهن الرضاء من صلتهن بأزواجهن، غالبًا ما يصبحن عصبيات سريعات الغضب. أما فيما يتعلّق بالانتحار فإن المؤلف يطرح رؤية عميقة مفادها أن الرغبة في الانتحار تعود في العادة إلى سنوات بعيدة جدًا موغلة في حياة صاحبها، أما السبب/ القشة التي تقصم ظهر البعير، فهي عادة ما يتم الحديث عنها، مثل الترك والهجر او الافلاس وما اليهما.
يقترح المؤلف على قارئه العديد من الاقتراحات البناءة منها: ألا يدع اعصابه تنزل به العقاب، أن يتحرّر من الخوف، وان يسلك نهجًا جنسيًا سويًا لا افراط فيه، كما يقترح عليه أن ينتهج اسلوب التفكير الايجابي، ويقترح عليه وضع خطة يمكنها اسعاده مكونة من نقاط هي باختصار شديد، 1: أن يواجه الحقيقة فيقوم بواجبه والتزاماته برباطة جاش وألا يأخذ مشاكله مأخذ الجد والتزمت، فلا تهزمه احزانه. 2: الا يحاول ان يصيح مدمن قلق وأن يضع نصب عينيه أن تسعين بالماءة مما يثير قلقنا لا يحدث البتة 3: الا يكون انانيًا فيستغل اصدقاءه وألا يصنع جميلًا وهو ينتظر الجزاء، ذلك أن السعادة الحقيقية إنما تأتي من الرضاء النفسي الناشئ عن معاونة الآخرين وتقديم التضحية دون انتظار الجزاء في المقابل. 4: أن يبتعد عن الركود، ويتمثل هذا في أن ينفس عن نفسه بضروب من التسلية وفي وضع اهداف يسعى لتحقيقها، إضافة للتسلح بالحماسة. 5: تعزيز الثقة بالنفس، ويتجسّد هذا في توطين النفس على الانتصار ويستشهد بهذا فيما قاله داروين وهو: أن الذين يستطيعون الانتصار هم الذين يعتقدون أنهم يستطيعون".6: الابتعاد عن النرجسية والعشق الذاتي، ويفصل هذا بقوله، ألا تنشد الشهرة بطرق ممقوتة، فالأشخاص المغرورون يفقدون اصدقاءهم بسهولة ويسر، ويقترح أن تتمتع بالتواضع تلك الصفة التي كانت وما زالت طبيعية لدى معظم او كل النوابغ الرجال وعباقرتهم، فالناس يتقبلونك على حقيقتك وليس على ما تحاول الظهور به. 7: الا تكون منطويًا على ذاتك. وان تنسى نفسك متجنبًا أن تصبح "عاطفيًا" بكاءً، ويقول إن الرثاء للذات لا يؤدي إلا إلى الشعور بالكآبة، مقترحًا أن تثقف نفسك على السعادة.8: أن تكون متسامحًا، بمعنى أن تهدئ عواطفك عبر طريق ضبط النفس والنظر إليها نظرة ذكية، وأن تروّض نفسك على احتمال المحيطين بك، إضافة إلى تجنب جمود الشخصية كما تتجنب المرض، وألا تحكم على الناس يجنسهم او دينهم او رصيدهم البنكي،، بل بصفاتهم واخلاقهم.9: الابتعاد عن الكراهية، وتعلُّم الصفح والنسيان، ذلك أن الكراهية هي" المادة" التي تصنع الشقاء والتعاسة، يؤكد المؤلف انه يوجد هناك ترياق وحيد لمعالجة الكراهية هو الحب..
اقوى ما يملكه الانسان.
عش شابا طوال حياتك
يفتتح الكاتب مؤلفه هذا بالقول إن هدفه من تأليفه له واضح، وهو بيان مدى ما يستطيعه علم الحياة الحديث من حلول لمشكلة الشيخوخة، وبيان ما القي على عاتق العلماء من مسؤوليات ذلك الموضوع الخطير، ويتخذ المؤلف شعارًا/ نبراسًا لنفسه في هذا المجال البحثي هو " بذل اقصى المجهود وعمل كل ما هو ممكن للوصول إلى الهدف المنشود". ويميّز المؤلف بدايةً بين أن نشيخ وبين أن تشرع الشيخوخة في الدب بأجسامنا، فمن شاخ فقد بلغ مرحلة من العمر يصعب النكوص عنها، أما مَن هو في الطريق فبالإمكان تأخير وصوله إلى الشيخوخة. كيف يتم هذا؟ ينطلق المؤلف من أن الجلد/ جلدنا، هو عمرنا، وهو في الآن ذاته، احد منافذ الاذى التي تتسرب عبرها المركبات الجرثومية والطفيليات إلى داخل اجسامنا، وهذه المنافذ هي: الفم، الاغشية حول العينين، الحلق والانف ومسام الجلد. وهنا يخفف المؤلف عمّن يؤمنون بعامل الوراثة ايمانًا اعمى فيقول: المهم من وجهة نظر الطب الظاهري( وهو طب يُقعّد له ويدعو إليه في كتابه هذا)، هو تطور حياة الشخص، عضويًا ونفسيًا منذ مولده، أما ما قبل ذلك، يقصد الوراثة، فانه يعتبر مسألة ثانوية جدًا.
يتطرّق المؤلف إلى الجانبين العقلي والجسدي، في المحافظة على شباب دائم، يقول فيما يتعلّق بالجانب العقلي، ان اطالة امد الشباب وامد الحياة لجسمنا يتوقّفان على حالة العقل والنفس، وهذه الحالة تتوقف على سلامة الغُدد العصبية ونشاطاتها. ويضع المؤلف أسس الطب الظاهري الذي يعتبر من اعلامه، بعدها يتحدّث عن " فنّ الحياة"، مقدمًا وصايًا يقسمها إلى مجموعتين تلك الخاصة بالصحة البدنية واختها الخاصة بالصحة النفسية، بما أن هذه الوصايا هي اكثر ما يمكن أن يستفيد منه القارئ، فإنني اركّز عليها فيما يلي واحاول أن اقدم تلخيصًا لها، أرجو ألا يكون مخلًا.
يؤكد المؤلف في مستهل وصاياه أنه لا انفصال بين البدن والعقل – الروح-، ويقول إنه يجب اعتبار هذين العنصرين شيئًا واحدًا.. وكلًا لا يتجزأ. فأي تدخل تعسفي منك في حياة احدهما يؤدي لفقدانك توازنك، ويُشدّد على اهمية احترام الانسان لبدنه، كما يدعو إلى الحرص على الارتياح النفسي من اجل شباب دائم. مشدّدًا على عدم التطرف في النشاط الجسمي كونه ضارًا جدًا، فقد زوّدت الطبيعة الانسان بقدرة على ضبط النفس كي تمكّنه من وضع حد لملذاته على انواعها المختلفة. بعد هذا يتمحور في العديد من النقاط أولها العناية بالجسم، ويبتدئ بالاستيقاظ مقترحًا عدم العودة إلى السرير بعد مغادرته صباحًا، ومشيرًا إلى أن الانسان يحتاج عادة إلى سبع او ثماني ساعات من النوم. ويقترح المؤلف عدم المبالغة في الاستحمام، واستعمال المواد الكيماوية، والاكتفاء بالاغتسال مرتين في الاسبوع، منوهًا إلى أن الاستحمام صباحًا مستحسن غير أن الاستحمام مساء اعظم فائدة. وينصح المؤلف بالتنفس من الانف، منوهًا إلى أهمية تنظيفه، كما ينصح بالتمرينات الرياضية، والمشي الصحي ملمحًا إلى انه ينبغي ألا يكون بسرعه، ويقول تكفي ساعة من المشي كل يوم، فيما يتعلّق بالطعام يقترح المؤلف الهضم الجيد وغير المعتل لأنه من اهم ما يكون فيما يتعلق بإطالة العمر. كما يقترح تجنب تناول اللحوم قدر الامكان والاقبال على الخضروات والحبوب، ويرى أنه علينا عدم تناول الطعام حتى التُخمة فهي مُضرة، وتفريغ الامعاء مرة كل اربع وعشرين ساعة على الاقل. فيما يتعلّق بالنشاط الجنسي يدعو المؤلف إلى الاعتدال وعدم الافراط.
في فصل تحت عنوان " الترويح والاستمتاع"، وهو الأخير في كتابه تقريبًا، يقول إن القاعدة الذهبية في الرياضة هي القاعدة ذاتها في الطعام، ويقترح التزام الاعتدال وتجنب الافراط، إلى حدّ الشبع او الاجهاد، ويؤكد أن الرياضة المعتدلة منذ الطفولة وقاية ناجعة من السمنة والتشوه في القامة شريطة ألا يعتزلها مُمارسها فيما بعد.. فيترهل.
فيما يتعلّق بالتدخين يقترح المؤلف الاعتدال في ممارسته، أو الابتعاد عنه في حال اقتضاء التشخيص الطبي تحريمه اطلاقًا. اما فيما يتعلق بالفن يقول المؤلف إن الفن الامثل بالنسبة لك هو ذاك الذي يلهبك بالحماسة ويملأ نفسك بالاغتباط، فهو مصدر الراحة والانتعاش كما انه مصدر لطاقة جديدة أي لتجديد شباب عقلك وبالتالي شباب بنيتك. في حديثه عن السينما ومشاهدة افلامها يقول المؤلف إن الافراط في مشاهدة الافلام يحدث تعبًا عصبيًا وتعبًا عضويًا في العين خاصة وتوترًا عامًا .. فلا تفرط في مشاهدتك لها.
في حديثه عن القراءة وأهميتها كعلاج للنفس المتعبة، يورد المؤلف عددًا من الاقتراحات الجديرة بالنظر، فهو يرى أن القراءة تعتبر العنصر الاقوى بين عناصر التغذية الفكرية والتشكيل الوجداني لدى جميع الطبقات وجميع البلدان. ويرى المؤلف أن كيفية القراءة أهم بكثير من كميتها، كما يقترح عدم قراءة الكتب التي تجهد الذهن، والاكتفاء بقراءة ما يهمك من فصول الكتاب، اذا احببت طبعًا، ويؤكد أن الذوق الجمالي والادبي موهبة فطرية لا يكتسبها الانسان بالقراءة.. بيد أن القراءة مع فقدان تلك الملكة تفيد فائدة لا شك فيها بالعمل على تحقيق التوازن النفسي والشخصي وفي زيادة النضوج في حدود الفطرة الاصلية.

مقالات متعلقة