الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 19:01

متى عقدت السبحة مع رفيق الحريري

بقلم: الدكتور نسيم الخوري

الدكتور نسيم الخوري
نُشر: 11/09/21 09:49,  حُتلن: 09:57

أستطيع المجازفة بالقول بأنّ الفكر والموقف والبشر نوعان: نوع سريع الهشاشة والفساد والتحلل يظهر بالتردد وبتغيير المواقف والقناعات، وهؤلاء يشابهون في طبيعتهم أصناف معاصرة مستوردة كثيرة مثل الحليب السريع الذوبان والنسكافيه السريع الذوبان أيضاً والمايكروويف الذي يسخن الصحون والعقول النهمة بسرعة هائلة.. الخ من المشتقات التي تغزو حياتنا على أكثر من صعيد ومعنى، ونوع آخر صلب ثابت لا يفسده في الأرض أمرق لا يتحول ولا يتبدل في فكره ومواقفه بالرغم من مرونةٍ راقية اكتسبها من أرضه ولونه وقيمه وكرامته وثقته بتاريخه وبنفسه وشعبه ومنعته.
بهذا المعنى، يمكن تصنيف الزعماء والجماعات والدول إلى فصيلتين: فصيلة العظام والهياكل الصلبة التي تحمل الفصائل الأخرى المترهّلة أعني اللحم والدهون والأدران. الأولى تعيش مئات ألوف السنين وعبرها يقرأ علماء الجيولوجيا والآثار قوة الحضارة ومدى حضورها في التاريخ وبقاء الشعوب والأوطان، والثانية تنتن بعد ساعات فلا تعود تطاق روائحها، لتفسد وتطمر في التراب.‏
ألجأ إلى هذه المقدمة فأشاطر القاريء العزيز هذه للمقارنة بين النوعين والفصيلتين بهدف تحصين حبري من السخرية أو الإشاحة عنه بإصبع أو بيد وفي هذا تمييز لواقعنا العربي المتردّي. قطعاً، كل قاريءٍ يعرف فصيلته ونوعه بسرعة مطلقة. يكفيه أن يقرأ ويزين أفكاره وقناعاته ومواقفه في وطنه وحكّامه والسياسة والوطنية والقومية ليكشف عن نفسه والحقائق من حوله حيث الكثر لا يجرأون على التنزّه في ذواتهم الحقيقية. كان لابد من هذا ا لتحصن للقول بالحبر الملآن في ثبوت الوحدة العربية وكيفية التطلع إلى القمة العربية المقبلة في دمشق!.‏
"تبدو الوحدة العربية أكثر من ضرورة" ، قال الرئيس حافظ الأسد على مدرج جامعة دمشق في 8/3/1980 ، "لذا لابد وأن نستمر نناضل بعنف وبدون هوادة كي نحقق الوحدة لأنها الهدف الكبير الذي إذا ما تحقق فسوف تستعاد كرامة العرب كاملة وسوف تستخلص كل حقوق العرب المغتصبة أينما وحيثما اغتصبت هذه الحقوق" .‏ قد يكابر قارىء أو مسؤول موسمي من فصيلة اللحم المذكور الحيرة والإحباط أمام معضلة كلام من هذا النوع، وبالرغم من أن الوحدة صارت في دائرة الأمل الضعيف، لايمر يوم دون أن نتذكر الوحدة العربية، ونشدد على أهميتها.‏ فقد جاءت الوحدة بين سوريا ومصر لغماً حقيقياً أوقف تداعيات سايكس بيكو على المنطقة العربية، من هنا جاءت خطورتها بالنسبة للاستعمار ووفقاً لتلك الخطورة جاء الانفصال معضلة العرب المعاصرة التي تنهض بتداعيات نكبة فلسطين وتجعلها معضلة مستفحلة خلّفت اليأس والخنوع وإدارة الظهر من قبل بعض العرب إلى تاريخهم في انشقاقهم المعاصر الخطير بين معتدلين وممانعين!.‏
فلنتذكر وفي الذكرى إلحاح على ضرورة توحد العرب ولو كان في هذا القول أضغاث أحلام،لأن نهضة الشعوب وحضاراتها وعزتها لاتنبت في الانتظار والتبرم خلف شبابيك وأبواب الأمم وتحت فتات موائدها، ولأنه مناقض التاريخ والعلم وصيرورة البشر قياس كيان ما بالأمتار أو بالأعداد البسيطة من السنين. لايمكن تأسيس حضارة بأن يحاول شعب نضالاً لفترة زمنية محددة ثم يتراخى وييئس ويرمي بكل اخفاقاته على الأخطاء الداخلية.‏ قلنا فلنتذكر أن الوحدة بين سوريا ومصر حصلت في اللحظة التاريخية الكبرى عندما كانت فرنسا وبريطانيا في حالة من التراجع والانحسار والولايات المتحدة تسهر لوراثتهما في بقاع الأرض، مقابل التقدم الدولي الملحوظ الذي كان صارخاً للصين والاتحاد السوفييتي والهند ويوغوسلافيا. كانت مصر خارجة من تأميم قناة السويس ودحر العدوان الثلاثي، بينما كانت سوريا ومازالت شعباً ونظاماً تضع الوحدة كلمة العرب الأولى تعقبها الحرية والاشتراكية. كانت سوريا تقول بالوحدة العربية قبل أن تستوي إلى طاولة الفطور اليومي والقومي، وكان الرئيس حافظ الأسد يطلب الوحدة ويلح عليها ويدعو إلى تحقيقها حتى ولو كانت في الصين. وبالرغم من المحاولات التي أجهضت الواحدة تلو الأخرى، فإن ثورة آذار وذكراها تحمل بذور الردود الحاسمة على الانفصال لتزرع في النفوس والرؤوس مالايمكن أن يهمل ونعيش معه دوماً أي الوحدة كذكرى وأمل دائم وعزم وقضية لاتموت ولاتغيب.‏ ولنتذكر أن دعم الانفصال والتخطيط له والضغط من أجله كان شغل اليهود الشاغل. جاء على إيقاعات انقلابات نيكروما وسيكوتوري وسوكارنو وسلّمت به تركيا والاتحاد السوفييتي والغرب وبعض الدول العربية المسكونة بالخوف والاعتدال منذ كانت، وقد وضع نصب عينيه الحروب الإسرائيلية على العرب في حزيران 1967 الذي مازال العرب يتخبطون في ذكراها ، بالرغم من الإشراقة السورية في العام 1973 وإشراقة المقاومة اللبنانية في العامين 2000 و2006‏ .
مامعنى الكلام بالاعتدال العربي في عصر تستبدل فيه الوحدة بالتشظيات والكرامة بمسح الهجومات المستمرة ومسح الدماء الكثيرة النازفة من وجوه بغداد وفلسطين ولبنان وسوريا وكل الشرفاء من العرب؟. كنا نتصور أو نظن بأنه قد يصعب على الاستعمار بعد هذه التجارب الطويلة التي أنضجت شعوبنا وحققت تراكم خبرات وتجارب الاحتفاظ بمجموعات أو أفراد يسخرون أنفسهم خدّاماً مخلصين طائعين لهذا الاستعمار بمعانيه وأبعاده الواسعة. لم نكن نتصور بأن وحدة العرب مهددة في أكثر من مكان، ولكن لنقل إننا في عصر الانحطاط الجديد على مستوى الحس القومي، والورشة العالمية في السياسة ترمي منذ سقوط بغداد إلى حذف العروبة وإلغائها بمعانيها القومية الكبرى وتعبئة فراغها بالأصوليات الكثيرة وتحفيز مشاعر الحقد والانفصال لدى المجموعات المتعددة الكثيرة.‏
تبدو الوحدة العربية أكثر من ضرورة، سنناضل من أجلها أزمناً طويلة،ومن هذا المنطلق ستصنف الأجيال ذرارينا إلى أية فصيلة تنتمي!.‏

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة