الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 09:02

الناس الطّالعة بالسَّحبة

بقلم: زهير دعيم

زهير دعيم
نُشر: 09/09/21 21:55,  حُتلن: 09:41

تواصل معي اليوم رجل مجتمع رائد له بصمات جميلة في كثير من نواحي الحياة. تواصل وفي حروفه شيء من غضب وبعض من امتعاض: "أكتب استاذي ... أكتب عن الناس الطّالعة بالسَّحبة ... بَشَر بمضمون أجوف، مسخرة، ويضحي ( وتضحي ) فجأة مُؤثّرًا ومشهورًا ويقدّم على الشاشات وفي الإذاعات دعايات، في حين انّ العمالقة الحقيقيين في دنيا الطّبّ والأدب والفنّ الأصيل والرياضة يذوقون الأمرّيْن حتّى يجدوا منبرًا ومِنصّة".

ضحكت من رسالة صديقي قائلًا : لقد قلتَ يا هذا كلَ شيء ، ولم تترك لي شيئًا... نعم، فهناك مَنْ تمتلكُ صوتًا تشمئزّ منه البومة، فتروح تتعرّى وتتقزّع وتتلوى وتتمايل فتضحي بين ليلة وضُحاها نجمةً يُشارُ اليها بالبنان.

نعم وألف نعم، فأنتَ يا صديقي لو دخلت مواقعنا الألكترونية لصُدمتَ وأنت تقرأ العناوين التّالية: الفنّانة فلانة !!! سحرت الدنيا بفستانها الليلكيّ. المطربة علّانة !!! لفتت انظار حتى الطليان في مدينة فينيسيا بتنورتها الوردية. الممثلّة عجمانة !!! تتغزّل بزوجها الثالث.

ناهيك عن ذاك الذي يُقدّم برنامجًا تافهًا وهابطًا على شاشة ما، فيروحُ يغزل على نوْل "الزناخة" شالات مهترئة، فيقدح بهذا ويذمّ ذاك ويحظى بتصفيق يصل صداه الى جليلنا الأغرّ..والغريب في الامر انك ترى هذا المبدع !!! بعد مدّة وإذا به يقدّم دعاية لشركة مشهورة.

لقد باتت السندويشات في أيامنا الطّعام المُفضّل ، وأضحت النكتة السفيهة تستدرُّ بحرًا من الضحكات ، وصارت الضّحالة مرتعًا للشُّهرة، وكدنا ننسى فيروز والصافي وعبد الوهاب ، وانبهرنا بمَن " تلبس ولا تلبسُ" وتوزّع الغمزات على مذبح العُري.

انه زمن السّرعة والطّعام السّريع والمظاهر الجوفاء ، فبمثل هذه الأمور – وللأسف- تأتي الشُّهرة صاغرة ، خاشعة وخاضعة ، في حين يربط الطبيب الجّراح ليله بنهاره في غرف العمليّات ينقذ حياة الناس ، ويُداوي الأوصاب ويُضمّد الجروح وبالكاد نسمع عنه، وكذا الأمر مع الكُتّاب والمبدعين الحقيقيين الذين يصولون ويجولون في دنيا الحرف البهيّ والمعنى الجميل، فيرسمون لنا أجمل اللوحات ويموسقون أروع السيمفونيات ، فيسمع بهم قلّة قليلة تذوّقت الحرف وهامت به.

وقل ايضًا في الرياضيين المبدعين والمعلّمين المعطائين والمطربين والمطربات الذين زرعوا الفضاء نغمًا وفنًّا أصيلًا.

قد ابدو متشائمًا بعض الشيء ، رغم أنّني بطبيعتي متفائل أرى النّصف الملآن من الكأس، ولكنّ المظاهر الجوفاء طغت على كلّ شيء أو كادت، في حين صارت الأصالة ومن ينادي بها عنوانًا للرجعية ورمزًا للتأخّر.

سقى الله أيام زمان فبالرغم ما كان فيه من فقر وضيق وحرمان، ولكنّه كان يرفل بالأصالة، ويميد بالانسانية الحقّة، ويكتب على جبين المجد ألف قصيدة.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة