الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 15:01

ساسون سوميخ.. عاشق الأدب العربي وسفيره في العالم

بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 19/08/21 10:47,  حُتلن: 11:33

( امس الثلاثاء 18-8-2021 صادفت ذكرى رحيل ساسون سوميخ السنوية الثانية)

امضى ساسون سوميخ زهرة عمره باحثا مجتهدا في الادب العربي الحديث لدى اعلامه المجلّين ومترجمًا مبدعًا له، وقد ترجم نماذج وفيرة من هذا الادب إلى العبرية والانجليزية، حتى بات بإمكاننا، ان نطلق عليه لقب "سفير الادب العربي" في جمهورية الآداب الاجنبية عامة. اضافة إلى هذا عُرف سوميخ بميوله الانسانية اليسارية، ومعروف أن علاقات محبة ومودة ربطته بالعديد من ابناء جيله المبدعين العرب في بلادنا والخارج.
ولد ساسون سوميخ في بغداد عام 1933، ووفد برفقة ذويه مهاجرًا إلى البلاد عام 1951، ولما يتجاوز عمره السابعة عشرة، وقد أتيحت له الدراسة بعد سنوات من هجرته هذه، في جامعة تل أبيب وحصل منها عام 1962على شهادة البكالوريوس في اللغة العبرية والتاريخ، وحصل بعدها عام 1965على شهادة الماجستير في اللسانيات من قسم اللغات السامية في الجامعة العبرية في القدس. انتقل بعدها إلى جامعة أوكسفورد في لندن لينجز هناك عام 1968رسالة الدكتوراه، وكانت تبحث في أدب نجيب محفوظ وثلاثيته الشهيرة بين "القصرين" (1956)، "قصر الشوق" (1957)، و"السكرية" (1957). ومما يذكر انه تولّى فيما بعد منصب استاذ الادب العربي في جامعة تل ابيب، وكان استاذًا زائرًا في العديد من الجامعات الاجنبية.
غادر سوميخ عالمنا مسافرًا في مجاهل رحلته الابدية الاخيرة، يوم الاحد (18-8-2019)، عن عمر ناهز السادسة والثمانين عامًا، تاركًا وراءه ارثًا غنيًا في مجالي التأليف والترجمة، وطلابًا سيذكرونه سنوات طوالًا لما تمتع به من جدّية واخلاص، في حياته وفي ابحاثه الادبية. احاول فيما يلي ان اقدّم صورة موجزة مجملة لهذه الشخصية الثقافية اللامعة الجديرة، منوهًا انني عرفته عن قرب وان علاقة طيبة ربطتني به، وقد كنت واحدًا ممن اولاهم اهتمامًا خاصًا وقد ترجم لي عددًا من اعمالي الادبية إلى العبرية.
الفارس اليساري
عُرف سوميخ منذ مطالع شبابه الاول في بغداد، كما يتضح من كتاب مذكراته ايضا، بميوله اليسارية الواضحة، وعندما هاجر للإقامة في البلاد ارتبط بعلاقات طيبة بقياديي الحزب الشيوعي الاسرائيلي، ونشر العشرات من مقالاته الادبية في صحيفة "الاتحاد"، ومجلة "الجديد"، الحيفاويتين، وكان ناشطًا ادبيًا تمتع بصفات انسانية واسعة الافق، ويذكر كاتب هذه السطور له بكثير من الود، توجّهه الايجابي المتفهم لإخوانه المبدعين العرب، وانه كان شاهدًا على موقف لا يمكن ان ينساه، خلال امسية ادبية سياسية اقيمت في اواسط الثمانيات في المركز الثقافي البلدي- الناصرة، وتحدث فيها عدد من الكتاب العرب عن الانتفاضة، يومها عقّب سوميخ على ما سمعه من المتحدثين الغاضبين قائلًا لهم: انني اتفهم غضبكم. ومن حقكم التعبير عنه واعلانه.
العاشق البغدادي
اتصفت شخصية ساسون سوميخ بنوع من الشمولية الثقافية، ومما يذكر له انه وضع كتابًا في جزءين عن ذكرياته في بغداد، هما:" بغداد أمس" و" الحياة بعد بغداد"، وقد صدر هذان الكتابان باللغتين العبرية والانجليزية، وقام الدكتور الصديق محمود عباسي، امد الله في عمره، بترجمة الجزء الاول "بغداد امس" إلى العربية، واصدره عن "دار نشر المشرق"، التي كان يتولى ادارتها عام 2011. وواضح من عنواني هذين الكتابين انه يتحدث في الاول عن حياته في بغداد، وعن علاقاته فيها ابان الاربعينيات، فيما يتحدث في الثاني عن حياته في البلاد، وقد نُشرت فصولٌ من هذين الكتابين في صحيفة "هارتس" العبرية، التي خصها بالعديد من كتاباته التنويرية.
يتحدث سوميخ في كتابه هذا، الجزء الاول تحديدًا، عن علاقاته الادبية بعدد من الكتاب والشعراء العراقيين منهم محمد شرارة ومحمد مهدي الجواهري، ومما ورد فيه عن هذا الاخير قوله: "أثار بي اللقاء مع الجواهري شهيتي الأدبية، كما أدى الدفء الإنساني الذي طوقني به، إلى أن أغوص عميقًاً في قراءة الأدب العربي، وعلى الأخص الشعر، وصرت أتخيل نفسي شاعرًاً". (ص 136). وبالمناسبة فقد كانت لي علاقات حميمة مع هذا الشاعر وأهداني قصيدة جميلة "إلى أبني سامر" تكونت من 31 بيتاً شعرياً ضمن ما يطلق عليه بـ "الاخوانيات" في عام 1987، وقد نشرها الصديق الفقيد الدكتور محمد حسين الأعرجي في كتابه الموسوم "الجواهري دراسة ووثائق" الصادر عن "دار المدى" عام 2002. وجاء في البيت الأول قوله:
يا أبا سامرٍ ، وأنت حبيبٌ تتخطى الأحبابَ والأسمارا
لكَ مني شوقٌ يدغدغُ نفسي كنسيم ٍ يُدغدغُ الأسحارا
نجيب محفوظ يشيد بسوميخ
كرّس ساسون سوميخ حياته العملية للبحث في الادب العربي، وقد وضع العديد من المؤلفات الهامة عنه، بإمكان الاخوة القراء الاطلاع على عناوينها عبر محرك البحث الالكتروني" غوغل"، وقد توقف عند علمين من ابرز شخصيات الادب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين هما نجيب محفوظ (اول كاتب عربي يحصل على جائزة نوبل الادبية)، ويوسف ادريس، المبدع المتألق في مجال كتابة القصة القصيرة، وله عن هذين العلمين المبدعين العديد من المؤلفات، نشير منها إلى "عالم نجيب محفوظ" و "دنيا يوسف إدريس"، وقد كتب إليه نجيب محفوظ ردًا على رسالة بعث بها اليه، يقول:
اليك صادق تحياتي وشكري، وبعد، لقد اطلعت على رسالتك بسرور صادق ، إعرابًاً عما أكنه لك من شكر لعنايتك الكريمة بدراسة أدبي، وقد صرّحت في أكثر من مجال بأن كتابك عني يعتبر عملاً نقدياً عميقاً وشاملاً ، وإنه يعتبر من أفضل ما كتب عني إن لم يكن أفضلها جميعاً. وطبيعي إنني لمست فيه حبك للأدب العربي ولاجتهاداتي فيه لا تحرياتك عن عقلية عدو. بل إن دراستك كانت غنية في المقام الأول وإنسانية بالمعنى الشامل والدقيق."
اما تلميذه المحب الصديق الراحل للتو البروفيسور محمود رجب غنايم، فقد كتب عنه قائلًا: إن " أهم باحث للأدب الفلسطيني في تقديري هو بلا شك البروفسور ساسون سوميخ، أستاذ كرسي الأدب في جامعة تل أبيب. وهو من أصل عراقي جاء إلى الجامعة من الحياة الأدبية. وقد كان في شبابه من النشيطين في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكتب في مجلات الحزب وعرف العديد من الأدباء الفلسطينيين عن كثب وأقام علاقات ودية مع هؤلاء الأدباء، أمثال راشد حسين وسميح القاسم وتوفيق زيّاد وإميل حبيبي وحنا أبو حنا وغيرهم الكثير.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة