الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 08:02

مضيق الثلج والدماء- والادب المؤدلج 1-8‎‎

بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 02/08/21 14:34,  حُتلن: 19:34

قرأت هذه الرواية قبل اكثر من اربعين عاما، بعد صدور ترجمتها العربية عن دار التقدم في موسكو- فرع طشقند، بقليل، وعدت هذه الايام الاخيرة لقراءتها مرة اخرى مجددًا بعد ان وقعت عيني عليها بين كتبي القديمة،.. ربما للمقارنة بين قراءتي الاولى لها وبين هذه الثانية لها، وهو ما يدفع للتساؤل لماذا نعود بين الفينة والاخرى لقراءة هذا العمل الادبي او ذاك بعد مضي العشرات من السنين على قراءتنا الاولى له. لن اجتهد كثيرًا في الاجابة على هذا السؤال غير السهل، لكنني سأستعير اجابة وضعها قراء جادون تطرقوا لهذا الموضوع- موضوع العودة لقراءة كتب قديمة، سبق واطلعوا عليها في غُرة الشباب. اجابة هؤلاء لا تبتعد كثيرًا عن عملية المقارنة التي اشرت اليها قبل قليل، الا لتتقاطع معها، فهي تقول فيما تقوله إن عودتنا لقراءة كتاب سبق وقراناه قديمًا.. ان هذا الكتاب يعتبر كتابًا مهمًا بالنسبة الينا على الاقل.
مؤلف هذه الرواية هو الكاتب الاذربيجاني فرمان كريم زادة، ذائع الصيت في بلاده اذربيجان- احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا- كما ورد على غلاف الترجمة العربية لروايته، ولج عالم الادب في الستينيات، ومنذ ذلك الحين صدرت له مجموعات قصصية عديدة. اما روايته هذه "مضيق الثلوج والدماء"، فإنها راويته الاولى.
هذه الرواية مجندة وترمي إلى نشر الفكرة اليسارية الشيوعية، في الفترة التي كتبت خلالها، لكنها لا تخلو من فنية وإبداع، اعتمد محبة حقيقية للفكر الذي انتمى اليه كاتبها ورمى الى نشره. وسوف اعود الى هذه النقطة- فنية الرواية- فيما يلي، وبعد ان اقدم تلخيصًا لمجمل احداثها.
تتحدث الرواية عن الفترة الأولى التي تلت الثورة البلشفية، وتتمحور حول رجل من الكولاك- وهم كبار الفلاحين وأغنياؤهم، هذا الكولاكي، يقيم في قرية تدعى قارا قايا- ويعني اسمها الصخرة السوداء، وواضح ان لهذا الاسم دلالة جلية تدل على وجهة نظر كاتب الرواية. يقرر كربلائي اسماعيل، وهذا هو اسمه، ان يتمرد على القوة السوفيتية الصاعدة، فيتحصن في قريته، معلنًا العصيان ورافضًا تسليم اراضيه للإدارة السوفيتية لغرض توزيعها على العمال والفلاحين، ما يستدعي الادارة الشيوعية في البلدة القريبة، للتفكير في التعامل معه، وفي طريقة هذا التعامل.
بعد إعمال نظر وتفكير تتوصل هذه الادارة انه من الافضل لها ولرسالتها الانسانية ان تقوم بالتفاوض مع كربلائي وذلك حقنًا للدماء، وتوفيرًا لخسائر يمكن تجنبها بقليل من الجهد. هنا يقع الاختيار على الشخصية القيادية المعروفة بتوجهها الانساني، وبتقديمها يد العون لكربلائي في فترة سابقة، عبر محاولتها البطولية لانقاذها ابنه يد الله، من الموت. عباس قلي بيك وزميله خليل، وشخص ثالث من القيادات الحزبية الجديدة يدعى طالبوف، لإجراء المفاوضات مع ذلك الكولاكي المتمرد.
يمتطي هؤلاء احصنتهم ويتوجهون إلى قرية قارا قايا الجبلية، وهم واثقون تمام الوثوق من انهم سيوفقون في مهمتهم الانسانية، غير انهم يفاجأون، بعد مصاعب وعثرات في دخولهم الى تلك القرية، بان كربلائي يغادر القرية تهربًا من ذلك اللقاء تاركًا مهمة المواجهة لأخيه الاصغر، عندما يتبين للثلاثة ان كربلائي غادر القرية إلى قرية جبلية اخرى ليست بعيدة، يلحقون به، وهنا تتطور الامور على عكس ما اراد هؤلاء وتوقعوا، فيقتل القائدان عباس وعلي في مواجهة غادرة، الامر الذي يدخل الاسى إلى قلب غريمهما كربلائي، ويعود طالبوف إلى من ارسله من القيادة ويدعى شعبان، ليتقدم اليه بفرية صنعتها اوهامه وتزمته، مفادها ان مرافقيه قد انضما الى القوات الكولاكية المتمردة!!
هنا لا يكون امام هذه القيادة الحالمة بواقع افضل، ينعم فيه اصحاب الارض بخيراتها، بعد انتزاعها من ايدي الملاكين الكبار، سوى ان يستعدوا لمواجهة فاصلة، فيعينوا قائدًا لحملتهم العتيدة، وتأتي النتيجة المتوقعة، يتم النصر للحق، ويندحر كربلائي وقائده القاسي العنيد جاملو، اما اخوه فانه يجد حتفه في تلكم المواجهات.
بعد انتهائنا من قراءة الرواية نكتشف الطبيعة الانسانية والايمان بالحقيقة لدى العديد من شخصياتها، وفي المقابل نكتشف نوعية بعض المدعين امثال جاملو، وهنا ازاء مثل هكذا شخصيات نرى ان الكاتب لم يعمم شان العديد من الكتاب السوفييت آنذاك، فيما يتعلق بايجابيات السوفييت، وانما هو تعامل معها على اعتبار انها شخصيات قد تخطئ بالضبط مثلما قد تصيب. وهذه واحدة من محسنات الادب الذي يريد ان يكون انسانيًا مهما حاول كاتبه ان يوظفه في خدمة هذه الجهة او تلك.
حسنة اخرى اتصفت بها هذه الرواية، رغم انها الاولى لصاحبها، تمثلت في الانتقالات المتقاطعة فيما بين فصولها، فهي تنتقل برشاقة من مشهد إلى آخر، على طريقة التقطيع السينمائي، وهو ما يتيح لقارئها متابعة الاحدث بتحفز وتشوق، لا سيما حينما يبلغ قارئها قمة، لتتوقف الرواية عندها، منتقلة إلى حادث آخر، فقمة وحادث آخر.. وهكذا دواليك، ان التقديم والتأخير يثري احداث " مضيق الثلوج والماء"، ويجعلها حافلة بأكثر من عامل جذب قد يجعل هذه الرواية قريبة جدًا من قلب قارئها، روحه ووجدانه، ما قد يجعلها صالحة للقراءة بعد كل تلك السنوات على صدورها.. وفي كل زمان.
*"مضيق الثلوج والدماء" تأليف فرمان كريم زادة. صدرت مترجمة الى العربية بقلم السيد يوسف عبود عن دار التقدم- فرع طشقند عام 1980.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة