الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 15:02

اربعون صعقة في القلب!

بقلم: نائلة تلس محاجنة

نائلة تلس محاجنة
نُشر: 12/07/21 19:33

هذه اللوحة اسمها زهور وتفاح الجنة لروح امي وابي الطاهرتين

هي اللحظات الاولى، التي تصعق القلب لتحدث شقوق في حجراته التي تصدعت منذ شهور قليلة، حين يهز الكيان اهتزاز الهاتف الجوال ليصل خبر يفيد ان قلبه توقف!

هرعت تائهة، استنجد الله ان يكون ذلك مجرد كابوس عابر او وهم ساخر او كذب غادر. ولا أدرى كيف تحولت الطريق الى صخور، تتناحر عجلات حافلتي لاجتيازها بشق الانفس. ولا أدرك كيف لأنفاسي ان تخرج زفيرها وهي تختنق خوفا من الخروج لمواجهة الواقعة الاليمة.

وصلت! وجدته على سريره يبدو نائما كما كل يوم: ربما اخطأوا وسيستيقظ! هززت يديه وقبّلت رجليه علّه يفتح عينيه.. ناديته وناديت. كررت مخاطبته: أبي.. أجِبْني.. كن معي.. انت سندي، فالدنيا أقسى من سجن غاصب وطعنات جائر وقراصنة قوارب. اصفع الموت، فانت صفعته مرات ومرات وعدْتَ لتكمل المسيرة وتكون الفرج لكل من قصد عطاءك، وكنت منارة لكل طالب علم ناشد كرمك، وكنت شعلة لكل متطوع طلب للخير جودك!
لكن، دون جدوى، فقد اراده الله في جواره! قلبي تحطم وتجرّح كزجاجة ماء وقعت من علو فتناثرت شظاياها واختلطت بمائها، ليستمر النزيف الجارح.
قلبي يصرخ صراخا صامتا، يناجي الله ان يتغمده برحمته وان يمطر عليّ بالصبر. يبدو كمن اخلد الى راحة نوم عميق ليهيئ نفسه لرحلة نجاة ابدية.
أبي.. عزائي أنى ارفع رأسي شامخا بذكرك الطيب، الذي اعتلى ألسنة كل من عرفك ومن لم يعرفك، فالخفايا الكريمة والفضيلة التي آثرت على فعلها أزهرت، ولك في كل بلدة غرسة خير، وفي كل مسجد في بلدي لبنة بر، وفي كل عمل من اعمالك احسان.
قلبك متسامح وصفوح وعفو ومتواضع ومتفانٍ، برغم الايذاء والطعنات والضغينة من البشر، لأنك تؤمن ان الحسابات لدى العادل المنصف الحق، وأنك تقر دائما ان حكم الله وعدله يتجلى في الدنيا والآخرة، وان الجد والعمل والعطاء والانسانية قيم مقدسة تتبع اليقين بالله وارادته.
كنتُ اجلس بجوارك فتردد: "ربي.. لا تأخذني الا وانت راضٍ عني"، وها هو عملك الصالح، الذي نعلمه والذي لا نعلمه، قد أشرق في وجهك الآن.
أربعون ليلة مضت على فراقك، واربعون دمعة اسقت وسادتي وشهدت حزني الذي كظمته، واربعون مناجاة لرب السماء ان ينير قبرك، واربعون طمأنينة لروحك الطاهرة. وها قد استجاب الله دعاءك بان يجمعك بأمي، التي وازت دربك قبل ان يجف قبرها بعد.
ابي الغالي والعالي..
نم قرير العين وارقد بسلام
فقد عاهدت الله وانرت الطريق بالقيام
وصروح افعالكَ تغرس زهورا
يفوح عطرها بمسك الخير للأنام
واورثتَ سنابل شامخة بعز
على أعمدة الاخلاق وسمو الوسام
فالموت يسرق الأجساد
ويبقي روح صدقتك تجري عبر الأيام
نادت انسانيتك بالعطاء
فاصطفاك الله بحسن الختام
رحمك الله، يا أبي، الحاج محمود بن حسن بن يوسف تلس، وطيّب الله ثراك، وأكرم مثواك، وعطّر بالمسك مستقرّك ومأواك!
(7.7.2021)

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة