الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 19:01

مجزرة المنازل/ بقلم: عوض عبد الفتاح

عوض عبد الفتاح
نُشر: 10/07/18 11:35,  حُتلن: 15:04

عوض عبد الفتاح في مقاله:

من أبشع وجوه هذه الأزمة هو لجوء قيادات مركزية الى تبخيس والتقليل من قيمة المبادرات الجريئة

الهدم هو استمرارية لمشروع تهويدي استعماري مركب مخطط سلفا على حساب وجودنا وعلى هذا الاساس يجب فهمه ، والتصرف بما يرقى الى هذا الفهم 

لقد مرّ على صيحات التهديد والوعيد التي أطلقها البعض في اجتماع لجنة المتابعة العليا الذي عقد في بلدية قلنسوة ، اكثر من عام ونصف ، بعد تدمير 11 بيتا ، دون ان يترجم ذلك الى أيّ خطوة جدية

حين يتحول رد الفعل على هدم المنازل العربية داخل فلسطين المحتلة عام 48 الى فولوكلور ، يتحول سلوك المستعمر المتمثل في التدمير والهدم الى سلوكٍ روتيني ، عادي، و يجري تنفيذ هذه الجرائم بصورة أريحية . وحين يتطوع الذين يمسكون بدفة الامور، بإسم مليون ونصف فلسطينيي( لجنة المتابعة العليا ، والقائمة المشتركة ) بالهجوم على كل من ينادي بتطوير نوع الرد ، واعتماد المبادرة ، والتخطيط النضالي ، فلا عجب ان يتحول الهدم المتفرق الى هدم بالجملة ، بل الى أشبه بمجزرة للبيوت العربية. من المفروغ منه أن نتذكر أنَّ هدم البيوت الفلسطينية ليست مسالة ادارية ، او مخالفة قانون ترخيص البناء . انه استمرارية لمشروع تهويدي استعماري مركب مخطط سلفا على حساب وجودنا ، وعلى هذا الاساس يجب فهمه ، والتصرف بما يرقى الى هذا الفهم .

لقد مرّ على صيحات التهديد والوعيد ، التي أطلقها البعض في اجتماع لجنة المتابعة العليا ، الذي عقد في بلدية قلنسوة ، اكثر من عام ونصف ، بعد تدمير 11 بيتا ، دون ان يترجم ذلك الى أيّ خطوة جدية . هكذا يجري وأد كل محاولة تجديدية، تشبثا بالاسترخاء الذي يتحول الى حالة سيكلوجية تتشكل عادة مع امتداد فترة الجلوس على كرسي القيادة بصورة غير معقولة .
فقط قبل اكثر من شهر، تعرض الحراك الشبابي، الذي التحم مع مسيرة العودة الغزاوية ، في شوارع مدينة حيفا الفلسطينية   الى هجوم وحملات تشويه ممن يفضلون "الكزدرة"، والاصطفاف الفلولوكلوري في مقدمة المظاهرة ، او المسيرة، او ممن أدمنوا على نهج سياسي هابط ، بل لا سياسي ( سياسة الواسطة مع الوزراء بدل النضال الشعبي ، والتخطيط السليم ). وعندما إلتقى توجّه قيادات التجمع الوطني وكوادره، التي تجندت بالكامل في هذه المعركة ، مع الحراك الشبابي في ضرورة الانتقال من المظاهرات المرخصة الهادئة، ( ولا اقلل من اهميتها التحضيرية والتعبوية آنذاك ) الى التواجد في الشوارع ودون طلب ترخيص ليكون لها تأثيرٌ فعليّ ، تعرضنا ، والشباب ايضا ، لهجوم مشابه . وفقط بعد ان بدأ هذا التوجه بالتحول الى نهج ، وتعرض قيادات احزاب ، الى نقد من شباب حزبها ، بدأت بالانضمام الى مظاهرات إغلاق الشوارع ، وتمت هذه المشاركة في مرحلة متأخرة . وقد إنخرست أصوات النقد ، فقط ، بعد ان اضطر الوزير الاسرائيلي ، بيني بيجِن ، المخول بتمرير مخطط برافر من خلال فرضه على أهالي النقب ، من خلال الإغراءات والتهديد ، الى اعلان التراجع والغاء وتجميد قانون التطهير ، في اجتماع خاص في الكنيست ، مبررا ذلك ليس فقط برفض فلسطينيي النقب للمخطط ، بل بما اسماه ، بتحريض قيادات الاحزاب ، وذكر بشكل خاص ، قيادات حزب التجمع الوطني الديمقراطي . ولا تُنسى تلك المواجهات التي دارت ، في حورة النقب ، وفِي حيفا ، ويافا ، ووادي عارة ، وسخنين ، وغيرها من البلدات العربية في الجليل والمثلث والنقب.

وفِي اجتماع ، على ارض قرية أم الحيران ، بعدها بفترة قصيرة، وقبل حادثة قتل الشهيد يعقوب ابو القيعان ، صعد احد اعضاء الكنيست الى منصة الاجتماع ، واعتذر عن الهجوم الذي كان شنه على الشباب الذين كانوا يغلقون الشوارع ، ووعد انه في المرة القادمة سيكون في المقدمة، وسيسبق الشباب. كان هذا الاعتذار بفضل الانتصار الذي حققه الشباب على مشروع برافر. وكان علي، عندما جاء دوري في الحديث ، ان اثني على جرأته في النقد الذاتي ، واستعداده للانتقال ليس بالكلمة فقط بل بالممارسة العملية . غير انه ، وبعد أشهر قليلة فقط ، بدأت اسرائيل بعملية هدم ام الحيران ، دون ان نرى ترجمة لأقواله ، ولا اي رد حقيقي من فلسطينيي النقب ، ولا من الهيئات القيادية العربية القطرية .
وهكذا تتفاقم أزمتنا ، وينأى الناس عن القيادة ، و يفقدون ثقتهم بها ، فيذهبون الى أعمالهم ، ويصيبهم الاسترخاء ، او الشعور بالعجز ، طالما قياداتهم عاجزة ، او فاشلة ، او مصابة بمرض التشبث بالمقعد الوثير . اذ يجري تخدير الناس او تعويدهم على الاتكالية ، من خلال قيام اعضاء الكنيست او قيادة المتابعة بتوفير وجبات من التصريحات ، و المُلاسنات مع وزراء اليمين في الكنيست و بيانات التنديد ، او زيارات فولوكلوريه لمواقع الهدم ، والقاء الخطب المكررة ، مثل “اننا باقون كالزعتر والزيتون “ وما شابه ، دون ان يتبعه اي برنامج عمل يتسم بالديمومه ..وقد بات كل ذلك ، في ظل غياب التخطيط والفعل المؤثر ، ايضا جزءا من المشهد الفلولوكلوري الذي استسلمنا له .

ليست الموجة الحالية من الهجوم على بيوتنا، وارضنا، وهويتنا ، تجسيدا للمشروع الاستعماري، وانعكاسا لتوحّش وعدم إنسانية نظام الاستعمار الكولونيالي فحسب، بل ايضا انعكاسا لازمتنا ، التي نرفض الاعتراف بها . ان من أبشع وجوه هذه الأزمة ، هو لجوء قيادات مركزية الى تبخيس ، والتقليل ، من قيمة المبادرات الجريئة ، للاجيال الفلسطينية الشابه داخل الخط الاخضر ( والحقيقة هذا ايضا واقع في الضفة وقطاع غزة ) ، وخاصة طلائعها الواعية ،وتثبيط عزائمها ، بدل احتضانها ، وتشجيعها على جرأتها وإبداعها ، وتوفير كل الفرص لتتمكن من النمو ، والتطور ، والانتقال الى المواقع القيادية الأمامية ، فتساهم بإخراجها من أزمتنا. وقد تحتاج هذه الطلائع الشبابيةايضا ان تراجع تجربتها ، وتتصرف على انها ليست شبيبة ، بل قيادات فعلية .

لا تدرك تلك القيادات ، انه بهجومها على طلائع هذا الجيل ، هو انعكاس لحالة سيكلوجية ، نفسية ، تجعلها تشعر بالخطر على موقعها ، ممن يمكن ان يجددوا ، لان هذه الاجيال ، وعبر جرأتها ومبادراتها ، تكشف ضعف القيادات ، و انانية بعضها ، وعبادتها لذاتها .
على ضوء هذه الأزمة ، ستتواصل مجزرة المنازل ، والإفقار ، والعنف ، طالما لا يوجد اعتراف بجوهر الأزمة . انها أزمة القيادة ، التي ما عادت تمتلك ما تضيفه الى نضالنا.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 


مقالات متعلقة