الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 16 / أبريل 18:01

أشعرُ بك وأُقدِّرك تماما كما أنت/ بقلم: سونا زعبي عثمان

سونا زعبي عثمان
نُشر: 14/03/18 14:53,  حُتلن: 17:45

سونا زعبي عثمان في مقالها:

أُلاحظُ مرة أخرى الأنوثة الواضحة في حركات أنامله الرفيعة، تماما كما عهدته، وأعلمُ بالعلم الإحصائي أنه يشكل جزءا من عشرين بالمئة من مجتمعنا وكل مجتمع في العالم، فأُراقب حركاته بفضول أكبر هذه المرة بعد أن أخبرني أنه قد تزوج

إن كان العلم قد أثبت وجودهم، وإن كان تواجدهم بيننا جزءا من حقيقتنا شاءت الأديان والمجتمعات ام أبت، وواقعا ملحوظا في كل مكان، فما الذي يجعل الثمانين بالمئة يشعرون بالراحة التامة وهم يرفضون ويتجاهلون العشرين؟ وتفضيل إرغامهم على هذه الحياة المزيفة؟

أنظر اليه وهو يحضر الجهاز للفحص ويعدِّل زاويته، لم نلتق منذ أكثر من سنتين.
طبيبُ عيونٍ، شاب عربي، وسيم وطويل القامة.
وأُلاحظُ مرة أخرى الأنوثة الواضحة في حركات أنامله الرفيعة، تماما كما عهدته، وأعلمُ بالعلم الإحصائي أنه يشكل جزءا من عشرين بالمئة من مجتمعنا وكل مجتمع في العالم، فأُراقب حركاته بفضول أكبر هذه المرة بعد أن أخبرني أنه قد تزوج. 

وبينما ينشغل هو بالبحث في هاتفه عن صورةٍ حديثة لمولودته الجديدة، أنشغل أنا بالتحليق عاليا من جديد، كي أحاول أن أراه حقيقةً، ولربما أحاول أيضا أن أشعر به.
وأسأل نفسي، ما الذي يدور برأسه الآن، هل يُتعب نفسه بالسؤال إن استطاع حقا ان يقنعني بزواجه؟ ام قد ذابت روحه تماما ما بين الحقيقة والخيال فاقتنع بنفسه بهذه المسرحية؟

هل نرغمه نحن كمجتمع أن يحيا نصف حياته بالستر ونصفها الآخر مُعلن، ولا نقبل بغير هذه الحياة المزدوجة كي لا تخدش حقيقتهم أعيننا؟
الا يرغمه المجتمع على الكذب والخداع كي يكون جزءا منه؟ وهل كانت لديه أي فرصة للحصول على تذكرة الدخول الى مجتمع البالغين بدون هذا الزواج؟ وكل هذه المسرحية؟

وكيف كان يتمنى أن تكون حياته؟
وأي بديل انساني وصادق يعطيه مجتمعي؟

إذ نراهم يتزوجون ويعيشون مع زوجاتهم في كذبة غير منصفة وطويلة الأمد، بينما يفضّل اولائك الذين لا يستطيعون الكذب النزوح الى المجتمعات الغربية حيث يمارسون حياتهم بدون صراع.

إن كان العلم قد أثبت وجودهم، وإن كان تواجدهم بيننا جزءا من حقيقتنا شاءت الأديان والمجتمعات ام أبت، وواقعا ملحوظا في كل مكان، فما الذي يجعل الثمانين بالمئة يشعرون بالراحة التامة وهم يرفضون ويتجاهلون العشرين؟ وتفضيل إرغامهم على هذه الحياة المزيفة؟

الصدق الإنساني مهمة صعبة ورحلة شائكة لكنها ضرورية حتى يستطيع الانسان التطور الحقيقي، وحجر أساس في بناء قاعدة المجتمع، تماما كما الإتقان والتطوع، والنبل، والعديد من الصفات التي تثبِت كينونة الشعب.
فإن لم يملك الجرأة للنظر الى نفسه الحقيقية وتقبلها فما هو طعم وجوده هنا بيننا ومن يكون؟

ومهما حاول الانسان الصدق لا يمنع ذلك تفهم ضياعه في بعض الأحيان في الرقعة الضبابية ما بين ألم أحبته وعائلته وما بين الرغبة والراحة العظمى التي تنجم عن قول الحقيقة العارية.

أُغمض عيني وأبتسم بعد أن انتهى الفحص وانا أراقب ابتسامته الرائعة، ثم أخرج الى الهواء البارد المقدسي بينما لا زلت أفكر به.

فهل سترتاح النفس البشرية يوما من الايام؟
هل ستستطيع العيش بصدق مع نفسها؟
وإن عاشت بصدق هل ستشعر بالراحة؟

ام ان النفس فصولية، تماما كما هي فصول السنة، فتمر كل يوم بدورة سنة كاملة، فتسقط اوراقها وتعود لتنبت وتزهر من جديد، وتصبح فاكهة لذيذة... لتعود مرة اخرى وتسقط،
هل تمر نفس الانسان بدورة حياة كاملة كل يوم؟

قد تنزعجون اليوم مما كتبته، وقد ترفضونه دينيا واجتماعيا وعربيا، لكن لن يمنع هذا الرفض او يقلل من وجودهم بيننا، فلا تجيبوني اليوم، إذ لست أبحث عن جواب في هذا المقال قدر ما ابحث عن السؤال في محاولةٍ للبحث الدائم عن حقيقتنا، هذه الحقيقة التي يفضّل مجتمعنا دائماً وضعها وراء الستار، عوضا عن البحث فيها ودراستها والنظر بكل إنسانية والعلو بنبل لتقبل كل من هو مختلف عن الأغلبية.

كل ما أقوله لك طبيبي العزيز والرائع، أنني أُقدِّرك تماما كما أنت، وأنني حقا أشعر بك. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة