الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 14:02

مشروع تقسيم سورية الراهن/ بقلم: مالك ونوس

مالك ونوس
نُشر: 10/03/18 07:30,  حُتلن: 11:14

مالك ونوس في مقاله:

هل من يتبنَّى فكرة التقسيم، في هذا الطرف أو ذاك، على درايةٍ بحجم فاتورة التقسيم؟

لقد جعل التدخل العسكري الروسي، ومن قبله الإيراني، ومن ثم الأميركي والتركي، في الحرب السورية، وحيازة كل منهم منطقة يسيطر عليها، ويتخذ من أبنائها أنصاراً له، موضوع تقسيم سورية وارداً بفعل هذه التدخلات، ومصالح المشرفين عليها، وليس بفعل عوامل الصراع الداخلي

مع كل اندفاعةٍ في الصراع الدموي الجاري في سورية منذ سبع سنوات، تعود فكرة تقسيم البلاد لتطل برأسها، ويتداولها المحللون والأفراد العاديون ومرتادو مواقع التواصل الاجتماعي على السواء، متناسين ما سبّبه التقسيم لدول أخرى في العالم. وكونها فكرةً، لا يمكن التكلم عنها إلا بحكم أنها توطئةٌ لأن تصبح مشروعاً يتَّخذ له مروجين وواضعي خطط، من دون أن يخطر على بالهم مدى مخاطر التفكير به، فما بالك بتنفيذه. ولهذا السبب، اتّخذ كثيرون الهجمات الجارية في غوطة دمشق الشرقية والقتل والدمار والمآسي التي تخلفها ليعيدوا طرح هذه الفكرة، وكأنها منقذ السوريين، وليست فاتحةً لمآسٍ أخرى، يتعذّر التنبؤ بحجمها.

من اللافت أنه في حين يتهم بعضهم في المعارضة السورية النظام، وروسيا من خلفه، بأنهما يجرّان البلاد إلى التقسيم، عبر العنف الذي يمارسانه في الغوطة الشرقية، حيث يظهر أنه يرفض هذه الفكرة، كما ترفضها غالبية الشعب السوري، يطالب آخرون في المعارضة بالتقسيم باعتباره آخر العلاج، لوقف الآلام التي يعانيها الشعب. وقد نحا هذا المنحى من توصَّل إلى أنه بعد كل ما حصل في الحرب السورية، من قتلٍ وتدميرٍ وتهجيرٍ ونزوحٍ، وجديده ما يجري في الغوطة الشرقية هذه الأيام، تصعب العودة إلى ما كانت عليه حال المجتمع السوري قبل الحرب، متسائلاً عن مدى إمكانية العودة إلى العيش المشترك بين أبناء الشعب السوري بعد انتهائها. ولا ينجو الطرف المؤيد للنظام من هذا الطرح، حيث يطرقه بعض المؤيدين، على الرغم من أن استراتيجية النظام الحالية تهدف، في المدى البعيد، إلى إعادة سيطرة قواته على كامل التراب السوري. وفي الحالتين، يتناسى طرفا المعارضة والنظام العوامل الجغرافية والدينية والتداخلات والتمازجات العرقية والأسرية التي تُصعِّب عملية التقسيم، فما بالك بآلامها وتبعاتها المستقبلية، والصراعات التي ستبقى قائمة بين الكيانات المُنتجة.

وبغض النظر عن التناقض الذي يقع فيه طرف المعارضة الذي يقول بالديمقراطية هدفاً مأمول التحقُّق، ودافعاً أساسياً للحراك المبكر في سورية، ثم لا يلبث أن يتحدّث عن صعوبة العيش المشترك، مستقبلاً. فهل يضمن أن تكون الديمقراطية فاعلةً في كيانٍ ما، هو حاصل تقسيم سورية، وهو بالضرورة كيانٌ قائمٌ على أسسٍ عرقيةٍ ودينيةٍ، إنْ قيّض لهذا الكيان تبني فكرة الديمقراطية حكماً؟ تخبرنا تجربة الدول التي انبثقت عن الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي على أثر انهيارها، سنة 1991، في منطقة البلقان، وخصوصاً في تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا، عن عسر التحولات الديمقراطية في الدول التي تكونت على أنقاضها، وقامت على أسسٍ عرقيةٍ ودينيةٍ. عوضاً عن ذلك، وقعت الدول الجديدة في تناقضٍ غريب، تمثَّل في خوضها نضالاتٍ من أجل الاستقلال عن كياناتٍ كانت موحدة لعقودٍ خلت، ثم شروعها في حروبٍ من أجل رسم حدود الكيانات الجديدة، حسب الترسيم الذي سبق الوحدة. لكن، وهنا يكمن تناقضها، سعت، بعد تكرسها دولاً إلى الالتحاق بكيانات عظمى، من أجل الاندماج بها، كالاتحاد الأوروبي.

من جهة أخرى، هل من يتبنَّى فكرة التقسيم، في هذا الطرف أو ذاك، على درايةٍ بحجم فاتورة التقسيم؟ إذ إن مسار الوصول إلى سورية مقسَّمة، باعتباره آخر العلاج، يمكن أن يكون أكثر دمويةً، ومعبداً بآلامٍ، لم يخْبرها مسار تغيير النظام بالطرق السلمية، بدايةً، ومن ثم بالعنف المسلح. وإن كان غير دارٍ فإن تجارب دول كثيرة تبنت هذا المسار، ووصلت إلى التقسيم، تقول إن فاتورة المسار، ومن بعده الوصول إلى مرحلة التنفيذ، ستكون مهولةً بفظاعاتها وحجم الخسائر التي تندرج فيها.

من المعروف أن سورية تفتقد مقوماتٍ، جعلت أو تجعل، مفهوم التقسيم قائماً ودائم التداول وموضع مطالبة. فعلى عكس دول وسط أوروبا وشرقها التي تقسّمت، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وإذا وضعنا الحالة الكردية على جهة، ليس هنالك مجموعات قومية صغيرة يغذّي وحدتها شعور قومي، ولا حدود جغرافية طبيعية أو تاريخية تفصل أجزاء سورية عن بعضها، أو تفصل مكوناتها البشرية، اللهم سوى تلك التقسيمات المذهبية التي كرّسها الاستعمار الفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين، وتبخرت بعد استقلال سورية عن فرنسا، سنة 1946. لذلك، بعد حصول التقسيم، وبسبب التداخلات، لن يكون هنالك ضامنٌ لأمن الكيانات المنبثقة، ما يتسبب بتوليد نزاعات داخلها، تبقيها في حالة عدم استقرار. كذلك لن يكون هنالك من يمنع حدوث غزواتٍ متبادلة بين الكيانات، لاستعادة كيلومترٍ مربعٍ من قبضة هذا الكيان، أو نبعِ ماءٍ من ذاك، ما يجعل النزاعات بينها مستعرة أبد الدهر، وتنتقل منها لتضرب استقرار بقية الدول في المنطقة، وربما تصيبها بعدوى التقسيم. وفي التهجير الذي نفذته بعض الفصائل العسكرية الكردية، لأبناء عدد من القرى العربية، في الرّقة وغيرها، والتي لا يقيم على أرضها مواطنون أكراد، النموذج لعدم احترام الحدود القومية، وبالتالي، لما سيكون عليه الأمر في مستقبل التقسيم. وكانت تلك الفصائل قد فعلت ذلك، متلقِّفةً دعوة إقامة "جمهورية سورية فيدرالية" التي خرج بها نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أوائل سنة 2016، حلّا للصراع، ففعلت ما فعلت، مسابقةً الزمن بغية نيل أكبر نصيب من الكعكة، كون تصوّرها للكيان الخاص بها كان ناضجاً، ودخل في طور التنفيذ.

لقد جعل التدخل العسكري الروسي، ومن قبله الإيراني، ومن ثم الأميركي والتركي، في الحرب السورية، وحيازة كل منهم منطقة يسيطر عليها، ويتخذ من أبنائها أنصاراً له، موضوع تقسيم سورية وارداً بفعل هذه التدخلات، ومصالح المشرفين عليها، وليس بفعل عوامل الصراع الداخلي. ومن هنا، تأتي أهمية التفريق بين ضرورة التقسيم باعتباره، من وجهة نظر بعضهم، آخر العلاج لوقف حمام الدم، ودوافعه ذات الجذر الخارجي، وتدفعه إلى واجهة التداول واستسهال التبني والطرح. 

* نقلًا عن العربي الجديد - لندن

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة