الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 12:01

تونس.. التحدّي الذي يخاطب الجميع/ بقلم: محمود الريماوي

كل العرب
نُشر: 13/01/18 08:25,  حُتلن: 10:50

محمود الريماوي في مقاله:

جاء وقوع هذه التطورات مع اقتراب الذكرى السابعة للتغيير السياسي في هذا البلد

المأزق الاقتصادي غير قابل للحل بصورة فورية

في غمرة هذه التطورات، فإن الحاجة قائمة لتدابير إغاثية عاجلة إلى الفئات والمناطق الأكثر عوزاً

تثير موجة العنف التي تشهدها تونس انطباعاتٍ قويةً بأن ثمة قصورا كبيرا في السياسات العامة، يعاني من جرائه شطرٌ عريضٌ من المواطنين، فيما تعمد أطرافٌ هامشية في الشارع إلى استغلال هذا الخطأ للخروج على القانون، وبث الفوضى والقيام بأعمال سلب ونهب للمتلكات، خاصة وعامة، وحتى حرق الراية الوطنية، كما حدث في معتمدية شربان (210 كلم عن العاصمة تونس).

وقد جاء وقوع هذه التطورات مع اقتراب الذكرى السابعة للتغيير السياسي في هذا البلد، ليدل على أن هذا التغيير، على الرغم من أهميته الكبيرة، فإنه لا يكفي، إن لم يقترن بتغييرٍ يطاول السياسية الاقتصادية والاجتماعية، ويضع بالتدريج حداً لظاهرة الفقر والبطالة. وبينما انشغلت النخب السياسية، خلال السنوات السبع الماضية، في ترتيب أوراقها وأوضاعها، للمشاركة في السلطة و"تقاسمها". وقد شهدت تلك الفترة إجراء انتخاباتٍ رئاسيةٍ مرةً وبرلمانيةٍ مرتين، وتشكيل تسع حكومات، غير أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لم يشهد تغيراً ملموساً، بل تراجع في بعض القطاعات، فيما كانت النخب منهمكةً بالتدبير الحزبي والانتخابي، وبعيداً عن معاناة شرائح عريضة من الجمهور تؤمن أن الثورة لا تكون ثورةً إن لم تنصلح أحوال هذه الشرائح، وإنْ لم يبتعد شبح الفاقة والعوز، وهو ما يفسّر بروز توتراتٍ اجتماعيةٍ لم تنقطع خلال السنوات السبع الماضية. وكانت هذه التوترات، وما زالت، تبث إشاراتٍ أن الناس خرجت في خريف العام 2010، من أجل تغيير شامل، ينعكس على حياتها، وليس من أجل تغيير حزبٍ حاكمٍ بحزب آخر، أو استبدال رئيس للبلاد برئيس آخر. والحال أن ريادة التونسيين في إطلاق موجة الربيع العربي هي من أبرز ما يجذب أوساطا عربية عديدة للانشغال بما يجري في هذا البلد المغاربي المتوسطي الجميل.

وقد اندلعت هذه الاحتجاجات، منذ السبت الماضي (6 يناير/ كانون الثاني الجاري)، عشية الإعلان عن رفع أسعار الوقود، وفرض الحكومة ضرائب جديدة، بهدف خفض العجز في الميزانية، وقد لوحظ أنها لم تحمل أي طابع سياسي، وغير قابلة لتصنيفها ثورة مضادة أو ثورة على الثورة، على الرغم من الاتهامات الحكومية للمعارضة عموماً ولحزب الجبهة الشعبية (15 مقعدا في مجلس النواب) بالوقوف وراء الأحداث. وعلى الرغم من نفي الناطق الرسمي باسم الجبهة، حمّة الهمامي، هذا الاتهام، بالتوازي مع قول الناطق نفسه إن الجبهة الشعبية التونسية كانت وما زالت في قلب هذه الأحداث! على أن الناطق الهمامي تحدّى أن يكون تم القبض على أيٍّ من عناصر الجبهة متورّطا في أعمال النهب والتخريب. فيما أيدت أحزاب أخرى الاحتجاجات، ومنها حزب البديل الوسطي الذي أسسه قبل أقل من عام رئيس الحكومة الأسبق، المهدي جمعة، ويضم الحزب وزراء سابقين في حكومته. كما لقيت الاحتجاجات مساندة الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، الذي يترأس حزب حراك تونس الإرادة "طالما بقيت في إطار الديمقراطية والعمل السلمي". فيما طالب حزب النهضة، المشارك في الائتلاف الحكومي، برفع الحد الأدنى للأجور إلى 357 دينارا (143 دولاراً)، وبمساعدات للعائلات الفقيرة، تجاوباً مع مطالب نقابات العمال، وهو ما لم تستجب له حكومة يوسف الشاهد التي اشتكت من عجز الميزانية العامة. ولوحظ أن نقابات العمل (الاتحاد العام التونسي للشغل) نأت بنفسها عن موجة الاحتجاجات، وقد طالب الاتحاد على غرار ما طالبت به "النهضة"، خلال لقاء أمينه العام، نور الدين طبطوبي، مع رئيس الحكومة الشاهد، بإصدار قراراتٍ عاجلةٍ وجريئةٍ لمصلحة العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل. وكذلك فعل مجمع رجال الأعمال بالنأي عن الاحتجاجات، وتخشى أوساط حكومية أن تؤدي أعمال النهب والتخريب لممتلكات عامة وخاصة إلى زيادة الأعباء الحكومية، والتأثير السلبي على دورة الحياة والإنتاج، وعلى حركة الاستثمارات، وعلى السياحة التي تمثل 8% من اقتصاديات البلاد، علاوة على محاذير اضطراب حبل الأمن وتفشّي الفوضى.
وتبدو حكومة الشاهد صامدةً حتى تاريخه أمام الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ومستندة إلى تحالف حكومي وبرلماني متين بين حزبي نداء تونس والنهضة، بينما ينشط الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في دعوة الأحزاب ونقابات العمل إلى تدارس الأوضاع والتمسك بـ "وثيقة قرطاج" الموقعة في مارس/ آذار 2017، والتي على أساسها تشكلت حكومة الشاهد التي وصفت بأنها حكومة وحدة وطنية، وحيث تنص أولويات الوثيقة على: كسب الحرب على الإرهاب، تسريع نسق النمو والتشغيل، مقاومة الفساد، التحكم في التوازنات المالية وتنفيذ سياسة اجتماعية ناجعة. وقد وقعت على الوثيقة تسعة أحزاب وثلاث منظمات نقابية. وقد سبق أن انسحب حزب آفاق تونس (بقيادة ياسين إبراهيم) من الوثيقة والحكومة، فيما قاطع الحزب الجمهوري (يقوده عصام الشابي) الاجتماعات التي دعا إليها رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من تشابك الخريطة الحزبية والبرلمانية، وحدّة الصراع والتنافس بين الفاعلين السياسيين، عبّرت محصلة مواقف الأحزاب والمنظمات المدنية والنقابات، عن الشعور بالمسؤولية تجاه تطورات الوضع، حتى مع تأييد بعضها موجة الاحتجاجات، مع الإدراك العام بأن المأزق الاقتصادي غير قابل للحل بصورة فورية، وأن ثمّة مسؤوليات تراكمية، وأوضاعاً بنيوية موروثة من العهد السابق، أدت إلى نشوب هذا المأزق، فضلا عن البيئة الإقليمية والدولية التي لم تعد تساعد على توجه العمالة إلى الخارج، وإلى دول قريبة، مثل ليبيا، بل تدفع بعضها للعودة إلى الوطن، مع ضعف الآمال بأية مساعدات تفد من الخارج إلى الدولة التونسية.

وفي غمرة هذه التطورات، فإن الحاجة قائمة لتدابير إغاثية عاجلة إلى الفئات والمناطق الأكثر عوزاً، وربما بمساهمةٍ واجبةٍ من القطاع الخاص، وكذلك الحاجة إلى مراجعة دورية لنتائج العمل بوثيقة قرطاج، وتوسيع إطار متابعتها ونطاق الموقعين عليها، وبحيث تتحول إلى عقد اجتماعي واقتصادي، وبما يتعدّى وظيفتها الآنية السابقة بدعم حكومةٍ ما إلى اعتماد نهج اقتصادي واجتماعي، متوافق عليه بين ممثلي الإنتاج والممثلين المحليين والبرلمانيين، إضافة إلى الفاعلين الحزبيين. وسوى ذلك، سيظل بلد أبو القاسم الشابي عُرضة لتوترات اجتماعية، مع ما لذلك من انعكاسٍ على الوضع الأمني، ومع التخوّف من تأثير هذا الوضع على إجراء الانتخابات البلدية المرتقبة في السادس من مايو/ أيار المقبل، وهي أول انتخاباتٍ محليةٍ تجري بعد الثورة، ولاحقاً على الانتخابات الرئاسية المقرّرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المقبل. ولا شك أن معالجة الأزمة الحالية: أزمة الاحتجاجات وذيولها، والأسباب التي أدت اليها، وسبل معالجتها، ومواقف الفرقاء المحليين، سوف تحدّد وجهة الوضع السياسي إلى أمدٍ غير قصير. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة