الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 14:01

لماذا تماطل السلطة الفلسطينية في إتمام المصالحة؟!/بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

كل العرب
نُشر: 28/12/17 12:16,  حُتلن: 12:19

إبراهيم عبدالله صرصور في مقاله:

 ليس هنالك كالاحتلال الإسرائيلي البغيض في قدرته على اللعب على عنصر الزمن واستثماره بالكامل لتحقيق أهدافه وإن تدريجيا، مستغلا حالة الانحطاط العربي والتواطؤ الدولي كغطاء

باتت صورة الوضع الفلسطيني واضحة أكثر من أي وقت مضى في مرحلة (السقوط الحر!) التي يعيشها العالم العربي، والذي جَرَّأ الرئيس (ترامب) على اتخاذ قراره الأخير بخصوص القدس

من الواضح ان من يرسم الخريطة اليوم ليس هو القانون الدولي او قيم العدل، ولكن من يملك القوة .. نحن في زمان "حق القوة" وليس "قوة الحق" ، وهنا يكمن الخطر

 توقعنا أن يبدأ الرئيس أبو مازن بتنفيذ اتفاق المصالحة دون إبطاء بعد ان قدمت حماس كل ما يجب لإنجاح المصالحة من خلال استجابتها لكل مطالب الرئيس 

جاء تجاوب حماس مع مطالب الرئيس محمود عباس سريعًا ربما لو يتوقعها الرجل ولذلك لا يدري كيف يهضمها بعدما سحبت البساط من تحت قدميه

شككت شخصيا في نوايا السلطة الفلسطينية وقيادتها منذ البداية وذلك اعتمادا على تجارب الماضي القريب والبعيد، والتي تشير كلها الى ان حركة فتح وقيادة السلطة لا تريد مصالحة بالمقاسات التي يفهمها الشعب الفلسطيني

حالة التذبذب التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب مماطلة السلطة الفلسطينية والرئيس عباس في تنفيذ اتفاق المصالحة، يعيدنا للعيش في ذات الكابوسٍ الذي ظننا أننا تخلصنا من تنغيصه القديم

(1)
من الواضح أنّ سياسة نتنياهو تجاه فلسطين والفلسطينيين بما في ذلك القدس والاقصى المبارك بالطبع، تعتمد على عناصر أساسية:

الأول، العمل مع كل القوى المحلية والإقليمية والدولية على بقاء الشرخ قائما بين جناحي الوطن: قطاع غزة والضفة الغربية. رغم ان الحديث في هذا الموضوع قديم، الا انه أصبح أكثر رسوخا في الفترة الأخيرة في ظل ما تتناقله وسائل الاعلام والدوائر السياسية من تفاصيل حول ما يسمى بصفقة القرن، والتي تستهدف النيل من القضية الفلسطينية وتفريغها من مضامينها الوطنية وتصفيتها لمصلحة حلول بعيدا عن فلسطين الوطن والهوية.

الثاني، الحرص على بقاء السلطة الفلسطينية كوكيل للاحتلال الإسرائيلي لا أكثر. حتى تحقق إسرائيل هذا الهدف نراها تسعى دائما وبشكل منهجي لمحاصرة السلطة الفلسطينية وتقليم سلطاتها ونزع اختصاصاتها الوطنية الكبرى الا ما كان له علاقة بتقديم الخدمات البلدية التي كان يقدمها الاحتلال الإسرائيلي قبل اتفاق أوسلو. السلطة الفلسطينية بعد نحو 24 عاما من توقيع اتفاق أوسلو، أصبحت والعدم سواء في ظل تغول الاحتلال في مصادرته للوطن واستيلاءه على المقدسات وتوسيعه للمستوطنات وإمعانه في التمسك باللاءات الشهيرة التي بدأ الحديث عنها بشكل غير مسبوق: لا للانسحاب لحدود الرابع من حزيران، لا للانسحاب من منطقة غور الأردن، لا للتخلي عن أي شبر من القدس الكبرى الموحدة (عاصمة إسرائيل الأبدية!!)، لا لعودة اللاجئين، لا لأي نوع من السيادة الفلسطينية الوطنية بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وأخيرا لا لإقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، وهو الموضوع الذي سيتخذ بصدده مركز حرب الليكود قرارا ملزما في دورة انعقاده القريبة جدا، بدعم وتوجيه كاملين من نتنياهو وقادة حزب الليكود، والذي يُعتبر بكل المعايير نسفا كاملا لأسس عملية السلام كما يفهمها الفلسطينيون ودول العالم، وتقويضا لكل الجهود المبذولة دوليا للوصول بمنطقة الشرق الأوسط إلى شاطئ الأمان، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بغير حل عادل وشامل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني - العربي على أساس الشرعية الدولية.

الثالث، حرص إسرائيل الدائم على ان يظل احتلالها لفلسطين الأقل تكلفة على الاطلاق، بالرغم من انه الأكثر وحشية وقسوة، بل هو الاحتلال المباشر الوحيد الباقي في العالم في القرن الواحد والعشرين. تسعى إسرائيل وحكوماتها وخصوصا الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو من خلال هذه الرؤية الى صيانة احتلالها وتطويره وتعميقه من غير ان يكلفها كثيرا، على ان يظل الحمل الأكبر على كاهل السلطة الفلسطينية التي باتت جسدا بلا روح بفعل السياسة الإسرائيلية، والتي يسعى الاحتلال الإسرائيلي على صيانتها أيضا بقدر ما تخدم مصالحه لحين لفظها تماما والقائها جثة هامدة حينما يحين الوقت المناسب.

رابعا، ليس هنالك كالاحتلال الإسرائيلي البغيض في قدرته على اللعب على عنصر الزمن واستثماره بالكامل لتحقيق أهدافه وإن تدريجيا، مستغلا حالة الانحطاط العربي والتواطؤ الدولي كغطاء لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وفرض واقع جديد على الأرض يكرس هيمنته الكاملة على فلسطين ويُحْكِمُ قبضته عليها، وذلك تحت غطاء كثيف من ضباب عملية سلمية بات من الواضح انها ليست أكثر من كِذْبَةٍ كبرى وعملية خداع عظمى لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا.

(2)

هذه الأسس التي ترتكز اليها سياسة حكومة نتنياهو الحالية يتفق معه فيها زعيما حزبي يش عتيد/هنالك مستقبل (يائير لبيد)، والمعسكر الصهيوني/حزب العمل (آفي غباي)، واللذان دخلا في الايام الأخيرة في سباقِ تصريحاتٍ محمومٍ على أثر قرار (ترامب) بخصوص القدس، اكدا فيها على انهما لن يتنازلا عن أي شبر من القدس الموحدة لمصلحة الفلسطينية حتى لو عنى ذلك الا يكون هنالك سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين! لذلك فهي تحظى تقريبا بإجماع إسرائيلي إلا من اختلافات تجميلية محدودة جدا لا يمكن ان ينبني عليها أي أمل في التوصل الى حل للقضية الفلسطينية مع أي من الفرقاء الإسرائيليين لا في الحاضر ولا في المستقبل.

لا يحتاج المراقب العادي الى ذكاء حاد لرصد هذه الأسس للسياسات الإسرائيلية تجاه فلسطين، ناهيك عن سياسيين فلسطينيين (الرئيس أبو مازن وطواقم مفاوضاته المزمنة) الذين خبروا الإسرائيليين على مدى عقود من الزمن عبر مفاوضات عبثية لا نهائية، واطلعوا مباشرة على الكوارث غير القابلة للإصلاح التي تسبب بها المفاوضات السلمية للقضية الفلسطينية منذ التوقيع على أسلو وحتى الان، والتي تكاد تجعل من حلم إقامة الدولة الفلسطينية ضربا من الخيال.

لخص هذا الوضع المأساة/الملهاة حوار جرى في حضور وفد الحركة الإسلامية أثناء زيارته للرئيس ياسر عرفات – رحمه الله – كنت حاضرا فيه، وسط ركام المقاطعة التي دمرتها إسرائيل خلال حربها على الضفة الغربية في العام 2002 (السور/الدرع الواقي) التي لم تبق للرئيس الفلسطيني من المقاطعة (مقر الحكومة الفلسطينية) سوى غرفة اجتماعات صغيرة ومطبخ وغرفة نوم صغيرة ووحدة حمامات.

بينما نحن نتحدث مع عرفات وإذا بالسيد صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين يدخل علينا غرفة اجتماعات الرئيس. بادر الرئيس عرفات كعادته في بساطة ملفتة بالقول: انظروا، سَلَّمْتُ ملف المفاوضات لهذا الرجل (يعني عريقات) الذي ترونه امامكم، فانتهيت الى ما ترون! انتهيت الى غرفة ونصف يهددني الإسرائيليون باقتحامها في كل لحظة!

اجترع (عريقات) ريقه (كما نقول في لغتنا الفلاحية) وحاول جاهدا إخفاء حرجه الذي لاحظناه بوضوح، الا انه استعاد توازنه فجأة ولجأ الى أسلوب الدعابة إبعادا لشبح الجدية فقال لعرفات: يا سيادة الرئيس، لو سَلَّمْتَ الملف لغيري ربما لم يبق لك حتى هذه الغرفة والنصف التي تتحدث عنها!

هذه قصة حقيقية وقعت وكنت شاهدا عليها شخصيا، تلخص مأساة المفاوضات التي سرقت من الشعب الفلسطيني وطنه ومقدساته والقت به عميقا في بئر سحيق من اليأس والإحباط ليس له قرار. ربما لم يرد (عرفات) – رحمه الله – بملاحظته ان يُحمل (عريقات) مسؤولية فشل المفاوضات، وربما قال ما قال بصورة مازحة، الا انه أنه عَبَّرَ بكلماته تلك وبكل الصدق الذي في العالم عن حقيقة ما حصده الشعب الفلسطيني من سنوات المفاوضات العبثية.

(3)

باتت صورة الوضع الفلسطيني واضحة أكثر من أي وقت مضى في مرحلة (السقوط الحر!) التي يعيشها العالم العربي، والذي جَرَّأ الرئيس (ترامب) على اتخاذ قراره الأخير بخصوص الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وبدء الاستعدادات لنقل السفارة الامريكية بناء عليه من تل أبيب الى القدس المحتلة، ضاربا بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومستهترا بمشاعر مليار ونصف المليار مسلم حلو العالم، ومتنكرا للحقوق الفلسطينية المشروعة التي تقرها الشرعية الدولية.

ترامب ونتنياهو لم يعودا يحسبون للمجتمع الدولي حسابا، فهما يقفان وحيدين تقريبا في وجه العالم مُصِرَّيْنِ على المضي في طريق تحديهما هذا حتى النهاية ودون ان يرف لهما جفن! إنهما مطمئنان تماما إلى ان الموقف الدولي الحالي المندد بالقرار الأمريكي ليس الا ضريبة كلامية يدفعها رفعا للعتب ليس أكثر، بينما هو يرى العالم العربي والإسلامي في أغلبه الساحق يغرق في مستنقع آسن من العجز لم يكتف فيه بالتخلي الفعلي عن مسؤولياته تجاه ام القضايا العربية والإسلامية: القدس والاقصى وفلسطين، بل تجاوز ذلك الى مرحلة خيانية غير مسبوقة من التواطؤ والتآمر مع أعداء الامة لدك ما تبقى من قلاع صمودها الأخيرة.

صحيح ان 14 دولة صوتت في مجلس الامن ضد قرار ترامب، ووقفت أمريكا وحيدة في مواجهة العالم لتسقط القرار بالفيتو.. وصحيح أيضا ان الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قرراها بأغلبية كبيرة جدا برفض قرار ترامب، مؤكدة على مجموعة القرارات التي اتخذت منذ العام 1967 وحتى 2016 والتي ترفض الاحتلال وممارساته وتعتبرها باطلة شكلا ومضمونا. الا أن اربع مسائل ازعجتني رغم ايجابية القرار معنويا :

الاولى، لم يتطرق القرار الى قرارات سبقت كقرار التقسيم ١٨١ وقرار اللاجئين ١٩٤ وغيرهما من القرارات الهامة.

الثانية، انه لم يشمل القرار خطوات عملية صعودا الى استعمال القوة لفرض الشرعية الدولية على اسرائيل ان اصرت على الاستمرار في سياساتها الناسفة للشرعية والقرارات الدولية ذات الصلة .

الثالثة، ماذا افادتنا هذه القرارات فعليا على الارض وهل نجحت في وقف انتهاكات اسرائيل المستمرة منذ الاحتلال وحتى الان؟

الرابعة، ما الذي يمنع من ان يتحول "اللامشروع" من استيطان وغيره الى "مشروع" بدعوى انه واقع لا يمكن تغييره على الارض، فتتغير الشرعية الدولية لتناسب مقاسات القوي؟

من الواضح ان من يرسم الخريطة اليوم ليس هو القانون الدولي او قيم العدل، ولكن من يملك القوة .. نحن في زمان "حق القوة" وليس "قوة الحق" ، وهنا يكمن الخطر ..

لو سألتموني: الى اين تسير الامور؟

اقول لكم: اللامنطق وغياب العدالة من جهة، والغطرسة الصهيونية-الامريكية في مقابل الانحطاط العربي غير المسبوق من الجهة الاخرى، سيؤدي تغييرات جذرية لها ما بعدها اترك لخيالكم ان يحدد طبيعتها.

(4)

ماذا على الفلسطينيين قيادة وشعبا ان يفعلوا على ضوء هذا الواقع؟ الاجابة على هذا السؤال حيرتني كثيرا، خصوصا ونحن نرى مماطلة غير مفهومة من جهة السلطة الفلسطينية ورئيسها وحركة فتح في تحقيق المصالحة التي ما زال الشعب الفلسطيني ينتظرها على أحر من الجمر. ماذا بقي للشعب الفلسطيني ليعتمد عليه بعد هذا الانهيار التي تشهده القضية الفلسطينية بسبب تواطؤ القريب والبعيد على حد سواء الا من رحم الله؟!

فرحنا كثيرا بتوقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين فصائل المجموع الوطني الفلسطيني وعلى رأسهم فتح وحماس ... توقعنا أن يبدأ الرئيس أبو مازن بتنفيذ الاتفاق دون إبطاء بعد ان قدمت حماس كل ما يجب لإنجاح المصالحة من خلال استجابتها لكل مطالب الرئيس، على قاعدتي الوحدة الوطنية كفريضة شرعية وضرورة سياسية وحاجة وجودية من جهة، والثوابت الفلسطينية في ظل تعثر مفاوضات السلام بسبب سياسة الرفض الإسرائيلية وتخلي إدارة (ترامب) عن دورها كوسيط نزيه في ضبط إيقاع عملية المفاوضات على أسس عادلة ومنصفة، من جهة أخرى .. 

جاء تجاوب حماس مع مطالب الرئيس محمود عباس سريعًا ربما لو يتوقعها الرجل ولذلك لا يدري كيف يهضمها بعدما سحبت البساط من تحت قدميه، حتى كأني به قد حزن كثيرا لاستجابة حماس، فهو يشعر براحة كاملة في ظل حالة (اللاسلم واللاحرب!) السائدة بين حماس وسلطة فتح والتي تعطيه هامشا واسعا للتحرك وحيدا دون رقيب او حسيب! تحددت مطالب الرئيس أبو مازن كما نعرف والتي تم تنفيذها بالكامل في ثلاث قضايا. اولها، حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة. ثانيهما، تسليم حكومة رام الله وزارات ومؤسسات غزة ومعابرها. وثالث هذه المطالب، قبول اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

شككت شخصيا في نوايا السلطة الفلسطينية وقيادتها منذ البداية وذلك اعتمادا على تجارب الماضي القريب والبعيد، والتي تشير كلها الى ان حركة فتح وقيادة السلطة لا تريد مصالحة بالمقاسات التي يفهمها الشعب الفلسطيني والتي تعني شراكة الكل الفلسطيني في كل شيئ بلا استثناء بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، وإنما تريد (استسلاما!) كاملا من جهة حماس وخروجا تاما من خريطة الفعل الفلسطيني، او القبول بالفتات المتساقط من موائد فتح والسلطة الفلسطينية دون اعتراض.

لذلك لم استغرب ان تخرج علينا غربان فتح والسلطة لتعود الى نعيقها وصياحها من جديد في محاول يائسة لإحباط جهود المصالحة بعدما كادت تؤتي أكلها استجابة لإرادة الشعب الفلسطيني، ولتبرير مماطلتها في تنفيذ الاتفاق والمضي قدما في الانتقال بالمصالحة الى آفاق جديدة تحقق للشعب وحدته التي تاق اليها على كل المستويات. أصبحت كلمة " التمكين " هي كلمة السر التي اخترعتها قيادة فتح والسلطة الفلسطينية لتثير الغبار الكثيف من حول قطار المصالحة مما أثار استغراب وتنديد كل المخلصين في الشعب الفلسطيني وفصائله المختلفة، الامر الذي دفع رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار في اجتماع شباب الفصائل مؤخرا، الى دعوة الكل الوطني الفلسطيني الى التحرك السريع لإنقاذ المصالحة قبل فوات الأوان، في إشارة واضحة إلى التصعيد الفتحاوي غير المبرر في فترة يحتاج فيها الشعب الفلسطيني إلى اقصى درجة من الالتفاف والوحدة!

الادهى من ذلك والأمرّ استمرار حصار السلطة الفلسطينية لقطاع غزة الامر الذي يفاقم الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني في هذا السجن الكبير، بالتنسيق الكامل مع إسرائيل التي تفرض الحصار من جهتها منذ العام 2007، ونظام الانقلاب في مصر الذي يرفض فتح معبر رفح بانتظام وبشكل دائم رغم تسلم السلطة لإدارة المعابر منذ فترة طويلة.

كان لحكومة الوفاق الفلسطينية مساهمتها في تعميق الهوة وتكريس حالة الغضب الكامن، وتعزيز حالة الإحباط الفلسطيني، وذلك من خلال قرارها إعادة موظفي قطاع غزة الذين رفضوا الخدمة وتركوا وظائفهم بتحريض ارعن من السلطة الفلسطينية منذ العام 2007، من غير معالجة أوضاع الموظفين العاملين في سلك السلطة منذ 2007 وحتى الان، مما يعتبر مخالفة صريحة للاتفاقات الموقعة وتخريبا متعمدا لجهود المصالحة!

(5)

استمرار الحديث عن استمرار هيمنة حماس على الأوضاع في القطاع أصبح ممجوجا ومقززا، كما ان استمرار التوجه الى فتح وحماس على قدم المساواة فيه من الظلم ما لا يقبله العقل السليم.. لذلك لا بد من رفع الاجراءات العقابية عن قطاع غزة فورا، واسراع حكومة الحمدالله في القيام بمهامها دونما ذرائع واهية، والبدء الفوري في ترتيب هياكل المؤسسات الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج على قاعدة المشاركة الكاملة، ودعوة المجلس التشريعي للانعقاد، ودعوة القيادة الوطنية الموحدة المؤقتة للانطلاق بعملها، والعمل السريع على وضع رؤية وطنية شاملة تضع القضية الفلسطينية على الطريق الصحيح في ظل تعرض القضية الفلسطينية لهجمة غير مسبوقة تستهدف شطبها من قاموس الاهتمام العالمي.

لا شك أن الأعراض الجانبية لأحداث غزة والضفة، رغم المرارة التي سببتها لكل مُحِبٍّ للشعب الفلسطيني ومخلص في خدمة قضيته، يجب ألا تدفع ألقيادة إلى مزيد من التشدد والتمترس من وراء مواقفها، فهي مطالبة فعلا وبكل صدق بأن تتسامى فوق الجراح والأوجاع، وأن تشرع في حوار مسؤول ينقل الشعب الفلسطيني إلى أجواء أكثر صحية، تأسيسا لمرحلة جديدة مثمرة تفتح أبواب الأمل وتُزيل حالة التصادم التي أدخلت الكثيرين إلى نفق مظلم من الإحباط واليأس. 

لقد كشفت الأحداث منذ أزمة الانفصال عام 2007 وحتى الآن كثيرا من الصفحات، وعَرَّتْ كثيرا من الرموز، وفضحت كثيرا من الأسرار. كم كنا نتمنى أن يضع اتفاق القاهرة حدا فاصلا بين ذلك الماضي على ما فيه من أهوال، وبين حاضر تبنيه القوى الطاهرة والمخلصة من فتح وحماس وباقي الفصائل، متجاوزين كل أخطاء الماضي بغض النظر عمن كان على حق ومن كان على باطل، وهذا ما جاء واضحا في كلمات رؤساء وفود مفاوضات القاهرة في احتفال التوقيع، حتى ظننا أن عهدا جديدا قد بدأ في تاريخ الفلسطينيين ...

حالة التذبذب التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب مماطلة السلطة الفلسطينية والرئيس عباس في تنفيذ اتفاق المصالحة، يعيدنا للعيش في ذات الكابوسٍ الذي ظننا أننا تخلصنا من تنغيصه القديم، بينما هو يطل علينا من جديد برأسه الأشعث مهددا مشروعنا بخطر كبير وشر مستطير ... على الجميع العمل للعودة بالشعب إلى مربع العمل المشترك بعيدا عن (الثارات !) الجاهلية (والأنا!) الفصائلية، وتقديم المصلحة العليا لفلسطين والشعب الفلسطيني على ما سواها..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة