الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 15:02

القدس وأبواق الضلالة/ جميل السلحوت

كل العرب
نُشر: 22/12/17 07:27,  حُتلن: 07:29

 جميل السلحوت:

صحيح أنّ القدس تحوي أماكن مقدّسة للدّيانات السّماويّة الثّلاثة، لكنّ مشكلتها مشكلة سياسيّة، وهي عربيّة فلسطينيّة عبر تاريخها، ووجود أماكن مقدّسة لليهود فيها لا يعني مطلقا تهويدها وأسرلتها

 انتقل الدّور لسوريّا، فتكالبت عليها دول عربيّة واسلامية، مع دول "النّاتو" بحيث أصبحت ساحة حرب كونيّة، شارك فيها مرتزقة من أكثر من تسعين دولة، رافعة راية "الجهاد"، وذلك لتدمير سوريا واستنزاف جيشها

الجريمة بحق الانسانيّة وبحق القانون الدّولي التي ارتكبها الرّئيس الأمريكي ترامب عندما اعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، لم تبدأ في يوم 6 ديسمبر 2017، بل بدأت قبل ذلك بكثير، عندما اعترف الكونجرس الأمريكي بذلك في العام 1995، ومنذ ذلك التّاريخ وأمريكا تعمل على تنفيذ ذلك، مستعينة بكنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة، وهذا التّمهيد لم يكن مجّانا، بل كان حصاده تدمير أقطار عربيّة، وقتل وتشريد ملايين المواطنين العرب بأيد ومال وتدريب وتسليح عربيّ اسلاميّ، فالسّكوت العربيّ على احتلال القدس، لم يترك أيّ عصمة لعاصمة عربيّة، ففي العام 1982 جرى احتلال وتدمير العاصمة اللبنانيّة بيروت، وفي العام 2003 جرى احتلال وتدمير العراق وعاصمته بغداد، وتبع ذلك تقسيم السّودان، وتلاحقت الأحداث واستمرّت "الفوضى الخلاقة" لتنفيذ المشروع الأمريكيّ "الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصهيونيّ التّوسّعي، وجرت عرقلة هذا المشروع من خلال فشل العدوان الاسرائيلي على لبنان، الذي تصدّى له حزب الله اللبناني المدعوم من سوريّا وإيران. لكن العمل على تنفيذه لم يتوقّف، ففي العام 2011 جرى اسقاط نظام القذّافي في ليبيا، وأشعلت نار الفتنة في هذا البلد ولا تزال رغم تدمير ليبيا وقتل عشرات الألوف من شعبها، وجرى تمويل ذلك بمال وتدخّل مخابراتيّ عربيّ، بمعاونة من دول في حلف الناتو، التي تدخّلت عسكريّا بالقصف الجوّيّ وغيره.

ثمّ انتقل الدّور لسوريّا، فتكالبت عليها دول عربيّة واسلامية، مع دول "النّاتو" بحيث أصبحت ساحة حرب كونيّة، شارك فيها مرتزقة من أكثر من تسعين دولة، رافعة راية "الجهاد"، وذلك لتدمير سوريا واستنزاف جيشها، وقتل وتشريد شعبها، ومع اعتراف حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر على شاشات التّلفزة، بأنّ قطر وحدها أنفقت 137 مليار دولار لتمويل الارهاب في سوريّا، وأنّه كانت هناك غرف عمليّات لدعم الارهابيّين تشارك فيها أمريكا واسرائيل، إلا أنّ ذلك لم يكن كافيا للعربان و"للمتأسلمين الجدد" كي يعيدوا النّظر في مواقفهم المعادية لشعوبهم وأوطانهم. مع التّأكيد أن خلق تنظيمات ارهابيّة مثل داعش وجبهة النّصرة وغيرها، ومن قبلها القاعدة، التي تتدثّر بعباءة الدّين لم يكن أمرا عفويّا، وإنّما هو مخطط ومدروس، لاستغلال العواطف الدّينيّة للرّعاع والجهلة ليكونوا وقودا لهذه الحروب، ولتشويه صورة الاسلام في العالم، ولتخدم هذه التّنظيمات المموّلة عربيّا واسلاميّا، لخدمة المشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الجديد"، وقد استطاعت دول عربيّة واسلاميّة وباشراف وتوجيه أمريكي تجنيد رجال دين، سياسيّين حزبيّين، صحفيّين، مثقّفين وغيرهم للمساهمة في تضليل الشّعوب؛ كي تستمرّ في دعم "حرائق الفوضى الخلاقة" للقضاء على أيّ معارضة تقف في وجه الأطماع الأمريكيّة والاسرائيليّة في المنطقة.

ولمن يغذّون الطّائفيّة بين "السّنّة والشّيعة" ويعادون إيران التي تسعى أن تكون الدّولة الاقليميّة الأولى نسأل: ألم تكن إيران الشّيعيّة دولة وجارة اسلاميّة شقيقة في عهد الشّاه حليف أمريكا واسرائيل، أم أنّ شعبها لم يكن شيعيّا؟ وهل الشّيعة كانوا موجودين في اليمن خصوصا في العهد الملكي؟ وهل يتذكّرون أنّ ملوك اليمن كانوا يلقبّون أنفسهم بالإمام فهناك "الإمام يحيى والامام البدر"؟ أليست هذه ألقابا شيعيّة؟ فكيف أصبحوا الآن روافض وكفّارا. وهل بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيليّة حريص على مصلحة المسلمين عندما يعلن استعداده للدّفاع عن السّنّة من الخطر الشّيعيّ؟
وقبل أن تستعيد سوريا عافيتها بعد أن انتصرت على قوى الارهاب، وقبل ذلك جرت "شيطنة" قوى المقاومة في المنطقة من خلال مواقف رسميّة لدول عربيّة، وجرى التّمهيد أيضا باطلاق أبواق دينيّة واعلاميّة، للتّشكيك بعدالة القضيّة الفلسطينيّة، والحقوق الطبيعيّة للشعب الفلسطيني في وطنه، ومن ضمنها حقّه في تقرير مصيرة وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس، ومن هنا لم يكن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وليد اللحظة.
ومع التّأكيد على نقاء الشّعوب، وصدق مواقفها وعواطفها والتزاماتها القوميّة، إلا أنّ اللافت أنّ الأصوات النّاشزة لبعض الرّعاع لم تكن صدفة، لكن ذلك لم يتوقّف عندهم، بل تعدّاهم إلى شخصيات بارزة ومأجورة، وهنا منبع الخطورة التي يجب الانتباه لها. فمثل لا يمكن المرور مرّ الكرام على مزاعم الباحث السعودي عبد الحميد حكيم مدير معهد أبحاث الشرق الأوسط فى جدة، الذي قال أنّ إسرائيل لم تمنع وعلى مدى 50 عاما المسلمين من أداء العبادة في المسجد الأقصى بالقدس، وقال خلال مداخلة له مع احدى وسائل الاعلام "آن الآوان للعقل العربي أن يرى الأمور كما هي، وأن يعترف بأن القدس تمثّل رمزا مقدّسا لليهود كما مكة والمدينة لدى المسلمين". ولا يمكن عدم الانتباه لرجل دين يقول أنّ اسم "اسرائيل" ورد في القرآن "عشرين مرّة" بينما لم يرد اسم فلسطين مرّة واحدة.

ولن نلجأ هنا إلى الرّدّ الدّينيّ على هكذا أبواق مأجورة، لكنّني أتساءل إن كانوا ينكرون "معجزة الاسراء والمعراج" أم لا؟ وهل يعلمون أنّ الأقصى مرتبط بالكعبة المشّرفة في مكّة، والمسجد النّبويّ في المدينة؟ وهل سينجو هذين المكانين من مصير كمصير الأقصى إن تنازلوا عنه.
صحيح أنّ القدس تحوي أماكن مقدّسة للدّيانات السّماويّة الثّلاثة، لكنّ مشكلتها مشكلة سياسيّة، وهي عربيّة فلسطينيّة عبر تاريخها، ووجود أماكن مقدّسة لليهود فيها لا يعني مطلقا تهويدها وأسرلتها، وحتّى الأماكن اليهوديّة المقدّسة في القدس هي ارث حضاريّ فلسطينيّ عربيّ، والفلسطينيّون يضمنون حرّيّة الوصول والعبادة فيها، وهذا ما فعلوه عبر التّاريخ. ومن يقول غير ذلك عليه أن يراجع التّاريخ، ونحن نسأل ترامب وغيره من كنوز أمريكا واسرائيل الاستراتيجيّة في المنطقة والعالم هل يسمحون للعرب باقتطاع أجزاء من اسبانيا لوجود قصر الحمراء فيها على سبيل المثال؟ والحديث يطول.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة