الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 07:02

التعليم العربي بين سياسات الضبط والسيطرة وحقنا بادارة تربوية ذاتية/د. يوسف جبارين

كل العرب
نُشر: 18/10/17 14:33,  حُتلن: 12:20

النائب د. يوسف جبارين في مقاله: 

تحقيق المساواة الحقيقية بالتعليم ليس مقصورًا على الجوانب المادية كالميزانيات والبنى التحتية، إنما يجب أن يشمل الجوانب الجوهرية، أي، تلك المتعلقة بالمضامين وبالهوية الجماعية

نأمل ان تُشكّل اقامة المجلس الاستشاري بهذه المرحلة اداة ضغط أخرى على وزارة المعارف من أجل المساهمة بتطوير التعليم العربي، لكن مطلبنا الأساسي يبقى اقامة مجلس تربوي عربي والاعتراف بحقنا بإدارة شؤوننا التربوية والثقافية بنفسنا

التقرير الموسع الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في الاسبوع الأخير حول تدخل الشاباك في تعيين معلمين ومديرين في المدارس العربية، أو فصلهم من العمل وملاحقتهم لأسباب سياسية، لم يكشف اسرارًا في المجتمع العربي، بل كان مضمونه معروفًا منذ عقود طويلة. لكن هذا التحقيق الصحافي وضع مرة أخرى أمام المجتمع الإسرائيلي مرآة تكشف اننا لم نكن يومًا ننسج قصصًا من الخيال، بل ان هذه الممارسات التي كانت مخفية عن هذا المجتمع بشكل عام هي جزء من واقعنا غير التربوي وغير التعليمي في جهاز التربية.

ويبقى السؤال المفتوح حول ماهيّة الممارسات الراهنة في مدارسنا العربية اليوم، التي لا تزال طيّ الكتمان ويتم تخطيطها في الغرف المغلقة، دون ان نعرف تفاصيلها.

ان أهمية تقرير الصحيفة تكمن في تأكيده على سياسات وزارة المعارف والمؤسسة الأمنية نحو المدارس العربية والهيئات التدريسية فيها، التي اعتمدت من قيام الدولة على مبدأ السيطرة والضبط والرقابة والقوّة. ويمكن القول ان جهاز التربية والتعليم في مجتمعنا لن يتمكن من أن يأخذ دوره التربوي والعلمي الحقيقي قبل ان يتخلص من هذه السياسات، نحو ادارة ذاتية لهذا الجهاز من خلال تربويين ومهنيين ومختصين عرب، يضعون مصلحة الطالب العربي وتقدم مجتمعنا، فوق اي اعتبار.

يؤسس التعليم لكل تطور اجتماعي واقتصادي، ويشكل مدماكًا أساسيًا في عملية بناء مجتمع عادل ومتطور. لذا يُعتبر التمييز في ممارسة الحق في التعليم أحد العوامل الرئيسية لعدم المساواة بين المجتمعات وذلك على مستوى الدخل، المستوى المعيشي، الصحة، الرفاه الاجتماعي وغيرها من قضايا وأمور مركزية في الحياة.

ويمكننا النظر إلى موضوع التمييز والإقصاء ضد التعليم العربي في إسرائيل من خلال أربعة مستويات رئيسية:
أولا - التمييز المتعلق برصد الميزانيات العامة للتعليم والبنى التحتية؛
ثانيًا - التمييز في مضامين التعليم ومناهج التدريس؛
ثالثًا - التمييز المتعلق بالسيطرة والرقابة الحكومية على جهاز التعليم وغياب ادارة مهنية عربية؛
ورابعًا - التمييز المتعلق بتأهيل القوى البشرية في حقل التربية والتعليم وخاصًة ضمن تأهيل المعلمين.

ومن الواضح أن تحقيق المساواة الحقيقية بالتعليم ليس مقصورًا على الجوانب المادية كالميزانيات وغيرها، إنما يجب أن يشمل الجوانب الجوهرية، أي، تلك المتعلقة بالهوية الجماعية. من غير الممكن أن تتحقق المساواة الحقيقية إذا كانت مجموعة الأكثرية تحرم أبناء وبنات الأقلية من الحفاظ على هُويتهم الجماعية الأصلية ومن تطويرها بحرية.

* قضية المجلس الاستشاري للتعليم العربي
وكانت وزارة المعارف قد اعلنت مؤخرًا ضمن جوابها على الالتماس الذي تقدمتُ به لمحكمة العدل العليا، انها بدأت العمل على اقامة المجلس الاستشاري للتعليم العربي وأنها ستقوم بتعيين رئيس وأعضاء المجلس في الفترة القريبة. وجاء ذلك بعد ان رفض وزير المعارف تشكيل المجلس الاستشاري رغم أن القانون يفرض اقامة هذا المجلس بحسن انظمة التعليم الرسمي من العام 1996، وينص على أن يشمل في عضويته مهنيين وناشطين في قضايا التعليم العربي والسلطات المحلية العربية.

وكنت قد بادرت بالتعاون مع البروفيسور محمد أمارة، والدكتور ايمن اغبارية، ومركز دراسات للحقوق والسياسات، بالتعاون مع العيادة القانونية في كلية الحقوق في جامعة حيفا، إلى تقديم التماس لمحكمة العدل العليا من أجل اجبار وزارة المعارف على تنفيذ هذا البند القانوني حول اقامة المجلس الاستشاري للتعليم العربي.

وقد عرضنا في الالتماس المطلب التاريخي الذي تطرحه لجنة متابعة قضايا التعليم العربي بإقامة سكرتارية تربوية عربية تقوم بإدارة التعليم العربي، وذلك على غرار مجلس التعليم العبري الديني الذي يدير التعليم العبري الديني ويتمتع بصلاحيات إدارية واسعة.

وبعد ان كتبت المحكمة ان "الالتماس وضع امامنا صورة قاتمة حول الفوارق الكبيرة في مجال التعليم بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي بالبلاد"، ألزمت في قرارها وزارة المعارف بدفع مصاريف المحكمة والمحامين، وذلك في ظل اعلان نيابة الدولة للمحكمة عن استجابة الوزارة للالتماس. كما وجاء في قرار المحكمة أن من حقنا كملتمسين العودة للمحكمة اذا احتاج الأمر بخصوص عملية تنفيذ قرار الوزارة على أرض الواقع.

وكان وزير المعارف الاسبق امنون روبنشتاين قد عيّن مجلسًا استشاريًا للتعليم العربي، برئاسة البروفيسور جورج قنازع، وشمل في عضويته العديد من الأكاديميين والتربويين العرب. لكن عمل المجلس لم يدم طويلًا على أثر عدم تبني وزير المعارف لتوصيات أساسية قدمها أعضاء المجلس، وخاصة التوصية بإقامة سكرتارية تربوية عربية. ومنذ حوالي عشرين عامًا لم يتم تفعيل المجلس.

ما زلنا نأمل ان تُشكّل اقامة المجلس الاستشاري بهذه المرحلة، بعد عشرين عامًا على تغييبه، اداة ضغط أخرى على وزارة المعارف من أجل المساهمة بتطوير التعليم العربي. لكن مطلبنا الأساسي يبقى اقامة مجلس تربوي عربي مع صلاحيات واضحة لإدارة التعليم العربي، وهذا ما سنواصل النضال من أجله. ان مطلبنا كان وما زال الاعتراف بحقنا بإدارة شؤوننا التربوية والثقافية بنفسنا من خلال إقامة سكرتارية تربوية عربية مستقلة، وذلك اسوةً بأقليات قومية وأصلية عديدة في العالم حققت استقلاليتها التربوية بحيث اصبحت الادارة الذاتية في مركز حقوق ومكانة هذه المجموعات.

*الإدارة الذاتية التربوية كحق جماعي
يفتقر التعليم العربي في الوقت الراهن إلى جسم مهني عربي يدير قضايا التعليم العربي بحيث يسيطر التعليم العبري كليًا على التعليم العربي ويفرض في مضامينه هيمنته من خلال الرواية اليهودية والصهيونية.

يحق للأقلية العربية الفلسطينية في البلاد أن تصون وتطوّر هويتها القومية بشكل حرّ، وأن تنقلها للأجيال الشابة القادمة. ويعتبر التعليم أداة رئيسية في ممارسة هذا الحق، لذا يجب أن تعكس أهداف ومضامين ومبنى التعليم العربي الهوية القومية والحضارية، الرواية التاريخية، والأرث العربي الفلسطيني.

وللحقيقة، فبينما ينضح التعليم العبري بالرواية القومية-الصهيونية فإن جهاز التعليم العربي قد جرِّد من كل دلالة قومية فلسطينية. ويحول هذا التمييز دون تمكّن الأقلية كمجموعة قومية من تطوير على هويتها القومية والحضارية. من هنا الواجب الحقوقي والأخلاقي على الدولة أن تمكّن الأقلية القومية من أن تصون وتطوّر هويتها هذه من خلال إعطاء فرصة متساوية لإدارة ذاتية تربوية عربية، كما لمجموعة الأكثرية.

إن حقوقنا في الإدارة الذاتية التربوية والثقافية هي جزء لا يتجزأ من حقوقنا الجماعية. تهدف الحقوق الجماعية في الإدارة الذاتية لتمكن أبناء وبنات المجموعة من تطوير هويتهم الخاصة وتجربتهم الجماعية تطويرا كاملاً وحرًا، بما يشمل شؤون التربية والتعليم، والثقافة، والدين، والإعلام، والتخطيط، والرفاه الاجتماعي. وهي حقوق تتمتع بها مجموعة الأكثرية فعليًا بحكم كونها جزءًا لا يتجزأ من تقرير المصير السياسي الذي تمارسه في الدولة كمجموعة.

تتضمن الإدارة الذاتية في مجال التربية والتعليم إدارة جهاز تعليم عربي على يد اختصاصيين وتربويين فلسطينيين يشكلون قيادة تربوية ديمقراطية للتعليم العربي ويحددون غاياته ومضامينه، ويتم اختيارهم بالتوافق بين ممثلي ومنتخبي الجماهير العربية. ومن الممكن أن تنعكس الإدارة الذاتية في المدارس العربية، وفي مدارس. ثنائية القومية عربية - يهودية، على حد سواء. كذالك يتوجب أن تشمل الإدارة الذاتية الثقافية ضمان تعليم عال رسمي باللغة العربية.

ولن يضيح حق وراءه مطالب. 

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net     

مقالات متعلقة