الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 11:02

لماذا اخشى على المصالحة الوطنية الفلسطينية/ بقلم: ابراهيم عبدالله صرصور

كل العرب
نُشر: 17/10/17 12:45,  حُتلن: 07:56

إبراهيم صرصور في مقاله:

نقف اليوم بعد مائة عام من بداية الصراع لنواجه نفس الأوضاع فلسطينيا وعربيا ودوليا وصهيونيا، وهذه هي المأساة!

ما تلعبه مصر "انقلاب السيسي 2013"، يشكل النموذج الذي يستحق ان نسلط عليه الضوء

ابتسامة العسكر الصفراء في وجه الشعب في ظرف معين، لا تمثل حقيقة الصورة، فحقيقية الصورة كما تبين من الاستعراض ان العسكر كيان لا يؤتمن

الشعب الفلسطيني بكل فصائله والوانه واطيافه، قيادة وجماهير، قد ذَوَّتَ أخيرا وبشكل لا رجعة فيه أن قضيته التي تكاد تختفي عن اجندات الاهتمام العالمي وحتى العربي، لن ينقذها الا أبناؤها

مر نحو قرن من الزمان تقريبا على انفجار بركان الصراع بين المشروع الفلسطيني والمشروع الصهيوني، شهد فيه هذا الصراع صعودا وهبوطا، حظيت خلاله القضية الفلسطينية بدعم "سياسي ومالي!!" دولي كان آخرها القراران 2334 (2016)، الذي يدين الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الاستيطانية ويعتبرها غير مشروعة وغير قانونية، ويدعو الى وقفها الفوري، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19 (2012)، والذي منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة (كالفاتيكان) بعد ان كانت قبله كيانا غير عضو، والذي أتاح لها عضوية الكثير من المنظمات الدولية كاليونسكو ومحكمة الجنايات الدولية.

بالرغم من هذه الإنجازات إلا ان المعركة كما يبدو مع الاحتلال الإسرائيلي تجري على ساحة أخرى تماما بعيدا عن المنظمات الدولية وعلى مرأى ومسمع منها. اعني على الأرض الفلسطينية المحتلة (الضفة والقدس الشرقية أساسا) وقطاع غزة حصارا واستهدافا، والتي تسابق إسرائيل الزمن في فرض واقع جديد فيها وهي الأراضي المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والقابلة للحياة، الامر الذي يجعل من تحقيق هذا الهدف حلما بعيد المنال ان لم مستحيلا خلال عدة سنوات، وذلك بفعل سرطان الاستيطان والتهويد الذي لا يتوقف في كل زاوية من زوايا القدس والضفة المحتلتين.

يعزو الكثيرون هذا الفشل في الوصول بالقضية الفلسطينية إلى شاطئ الأمان رغم تطاول الزمان وكثرة التضحيات، إلى أسباب وُلدت مع بداية الصراع (منذ 100عام تقريبا)، وما زالت مع الأسف متأصلة في الثقافة الفلسطينية والعربية كأنما هي ثوابت وطنية يحرم الخروج عليها. من اهم هذه الأسباب: الصراعات الحزبية وارتباط أغلبها بمصالح المستعمر وإرادته، الخيانات التي نخرت في الجسد الفلسطيني والعربي حتى اثخنته بالجراح، غياب السند العربي والإسلامي، انحياز المجتمع الدولي لإسرائيل ودعمه لها عسكريا وسياسيا، وفشل الديبلوماسية الفلسطينية والعربية في اقناع المجتمع الدولي للانتقال من مرحلة الاستنكار والتنديد بممارسات إسرائيل المهينة ل"الشرعية الدولية"، الى مرحلة الفعل الحقيقي لإجبار إسرائيل على تغيير سياساتها وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.

نقف اليوم بعد مائة عام من بداية الصراع لنواجه نفس الأوضاع فلسطينيا وعربيا ودوليا وصهيونيا، وهذه هي المأساة!

مصر "الملكية" التي كانت سببا من أسباب نكبة فلسطين في الماضي، ومصر "انقلاب يوليو 52"، التي كرست هذا الوضع بسبب ذات الامراض التي كرست حالة الضعف العربي وبالتالي الفلسطيني.

ما تلعبه مصر "انقلاب السيسي 2013"، يشكل النموذج الذي يستحق ان نسلط عليه الضوء لإثبات هذه الحقيقة، من حيث دوره في "رعاية!!" ملف المصالحة الفلسطينية في الوقت الذي يفرط فيه بمصر وطنا وشعبا خدمة لمصالح الانقلاب وإسرائيل! هل يمكن لهذا التناقض العجيب ان يكون أساسا لدور مصري حقيقي؟ هل تسعى مصر الانقلاب إلى تحقيق المصالحة فعلا لوجه الله، ام ان سعيها هذا يأتي كجزء من عملية إجهاض للقضية وإلهاء للشعب الفلسطيني ب "حراك سياسي" عقيم يعطي إسرائيل الوقت الكافي لإحكام قبضتها على فلسطين بما يخدم مصالحها فقط؟!

الى التفاصيل ..

بعد نجاح الانقلاب العسكري في مصر في 2013/7/3، عدت الى الوراء وخصوصا الى لحظة تنحي مبارك عن الحكم، وذلك لرصد سلوك المجلس العسكري الذي امسك بخيوط اللعبة منذ انقلاب 23 يوليو 1952 ، فوجدت الاتي:

اولا، لاحظت تبني العسكر موقف الحياد من ثورة 25 يناير ، وانحيازه السلبي الى الثورة بعدم وقوفها في وجهها.

ثانيا، قام بتسهيل عمليات الانتخابات التي تلت وكانت خمس استحقاقات انتخابية متتالية.

ثالثا، فرش طريق قوى الثورة بالورود وخصوصا الاخوان المسلمين على اعتبارهم الفصيل الاقوى والاكثر تنظيما، والذي فاز في كل الجولات الانتخابية بشكل حاسم وواضح، وتفاوض معها وأشعرها بالأمان، وبأن العسكر يقف مع التغيير ويدعمه بكل قوة ..

رابعا، بدأ تتكشف نوايا المجلس العسكري بعد ان ضمن ازاحة مبارك من الطريق وبذلك تخلصوا من كابوس (التوريث) الذي كان يقض مضاجعهم اذا كان سيحول الحكم من ايديهم كعسكر الى مدنيين سيكون وجودهم في الحكم ضارا بمصالحكم وامتيازاتهم.

خامسا، اول تحرك العسكر بدا من خلال الاختفاء وراء تحالف اقامة من عناصر الدولة العميقة الخادمة لهم منذ 60 عاما : الشرطة ، المخابرات، الاعلام، القضاء وجيش الموظفين المتحكمين في كل مفاصل الدولة .. تحرك كل هؤلاء لإفشال الرئيس والحكومة والبرلمان وإفشال استكمال صياغة الدستور، وعرقلة المسيرة الديموقراطية بهدف اقناع الراي العام ان الخلاص لا يكمن في الديموقراطية ولا في الثورة ولكن في العسكر فقط.

سادسا، نجح العسكر في تجنيد المعارضة العلمانية واللبرالية التي فشلت في كل الجولات الانتخابات، فيما سمي ب " جبهة الانقاذ الوطني"، والتي بيتت النية على اسقاط الاخوان وحلفائهم، وهم اول من بدأ بمطالبة العسكر بالنزول و "انقاذ" الوضع!!

سابعا، تجاوزت حركات المعارضة المدعومة من العسكر وباقي اطراف التحالف معهم، في سلوكها كل القواعد المتبعة في الاعتراض السلمي، وانتقلوا الى حرب الشوارع والتخريب والقتل والاعتداء على مقار الاخوان المسلمين ومؤيديهم، ولم ينج حتى الرئيس المنتخب من عدوانهم واعتداءاتهم .

ثامنا، حينما نضجت الثمرة المُرَّة، تحرك الجيش بقيادة السيسي لينفذ الانقلاب ممهدا لذلك بحركة مزيفة سميت ب "ثورة 30 يوليو!!" ، ومحاطا بممثلي المؤسسات الدينية والحزبية الفاشلة، وبمباركة بعض قوى الثورة الفاشلين الذي رأوا في تدخل العسكر املهم في ان يكون لهم دور في قيادة المرحلة، وهذا ما ثبت عكسه طبعا .

تاسعا، رفض الشعب وممثلوه الشرعيون الانقلاب العسكري وطالبوا بعودة الجيش الى ثكناته، وبعودة الشرعية ممثلة بالرئيس، وعودة المسار الديموقراطي المختطف ممثلا في البرلمان والدستور واحترام الارادة الشعبية، الا ان هذا التحرك السلمي ووجه بعمليات ابادة جماعية نفذها الانقلاب العسكري في اكثر من موقع كان آخرها مذبحة ميدان رابعة العدوية والنهضة، وما تلاها من اجراءات زجت ب- 50 الفا من خيرة شباب وسيوخ مصر وعلمائها قادتها في السجون يذوقون فيها الوان العذاب والقتل البطيء، واعلان الحرب على الدين والتاريخ الاسلامي وثوابت الامة، وعلى من يحملون مشروع الاصلاح باسمه.

والبقية معروفه ......

والان ، ما هو الدرس المستفاد من هذه الاستعراض؟

الجواب : ان ابتسامة العسكر الصفراء في وجه الشعب في ظرف معين، لا تمثل حقيقة الصورة، فحقيقية الصورة كما تبين من الاستعراض ان العسكر كيان لا يؤتمن، وان "سلميته" المضللة ليست الا قناعا لبشاعته التي سرعان ما يعود اليها مرة اخرى غير عابئ بِكَمِّ الدم الذي سيسيله او الخراب الذي سيجره او كَمِّ حقوق الانسان التي سينتهكها ..

ما علاقة هذه الصورة بملف المصالحة بين فتح وحماس تحت الرعاية المصرية، بهدف تمكين حكومة أوسلو (الوفاق الوطني) من حكم قطاع غزة والسيطرة على مفاصله المدنية والعسكرية والامنية؟

كيف نفسر هذه الاحتضان العسكري - المخابراتي المصري لحماس بعد ان تعامل معها الانقلاب واذنابه كحركة ارهابية، ودعوا اسرائيل الى تدميرها، بل وحكموا على الرئيس مرسي بالإعدام بتهمة التخابر معها؟!

اخشى ما اخشاه ان العسكرتاريا المصرية ما زالت تلعب نفس اللعبة، فكما ابتسمت في وجه قوى الثورة في مصر بما فيهم الاخوان في بداية الطريق حتى اذا اطمأنوا الى نجاح خطتهم، انقلبوا على الديموقراطية واسالوا انهارا من الدم واعادوا مصر الى عهود الظلام دون ان يرف لهم جفن، اخشى ان ابتسامتهم لحماس بعد ان اعلنوا عليها الحرب، ما هي الا صورة مكررة لنفس اللعبة ، حتى اذا مَكَّنَ الانقلاب في مصر لنفسه ولحلفائه في رام الله من إحكام السيطرة على قطاع غزة، انقلبوا عليهم فأسالوا دماء حماس وكوارها وقياداتها انهارا كما فعلوا مع الاخوان في مصر، وعندها ستكون الكارثة!!

انا شخصيا لا اثق في الانقلاب المصري ولا في اكثر حلفائه بما في ذلك في فلسطين، ونحن نعرف مدى حقدهم وكراهيتهم لحماس وللإخوان المسلمين وحرصهم على القضاء عليهم لو استطاعوا.

لكني وسط هذا الجحيم من التخوفات فانا مطمئن لشيء واحد: حماس في قطاع غزة ليست الاخوان المسلمين العزل في مصر، ولذلك من يظن ان لحم الحركة الاسلامية الفلسطينية سهل فهو مخطئ، فلحم حماس مُرٌّ جدا، وانصح من يفكر بالغدر مصريا كان او فلسطينيا ان يذكر الماضي القريب !

أرجو ان أكون مخطئا ..

هذا يتوقف على موقف الفصائل الفلسطينية المختلفة الشريكة في صناعة والوحدة الوطنية الحقيقية، والتي ستجتمع في القاهرة في الاول من شهر تشرين ثاني القادم لرفع اركان المصالحة واكمال بنائها، والذي اتوقع ان يكون مختلفا عن بعض قوى الثورة والمعارضة المصرية التي باعت مبادئها بثمن بخس، واكتفت بالفتات المتساقط من موائد الانقلاب الدموي والذي سرعان ما انقطع عنها أيضا، فباتت جائعة شرفا وكرامة وحرية!

ارجو ان اكون مخطئا ..

هذا يتوقف على عقلاء حركة (فتح) وهم كثير، أن يعوا تماما أن المصالحة الوطنية الفلسطينية الحقيقية لا تكون عبر بوابة تل ابيب ولا حتى القاهرة او اية عاصمة عربية او اسلامية، وإنما عبر بوابة الاجماع الفلسطيني الذي لا يستبدل هذه الوحدة بكل الامتيازات والمكاسب المجبولة بالخيانة والتفريط بثواب الدين والشعب.

ارجو ان أكون مخطئا..

هذا يتوقف على حماس في ان تمضي في المصالحة دونما تردد او خوف، وبثقة كاملة فيما قدمته من اجلها، وان تعلم ان القضية الفلسطينية التي تعيش أسوأ أوضاعها، لن تحقق أي انطلاق او اختراق تحت سلطة يتحكم فيها طرف فلسطيني واحد، وإنما هي في امس الحاجة لكل أبنائها المخلصين ولكل فصائلها وحركاتها مجتمعين ..

أرجو ان أكون مصيبا في شيء واحد ..

ان الشعب الفلسطيني بكل فصائله والوانه واطيافه، قيادة وجماهير، قد ذَوَّتَ أخيرا وبشكل لا رجعة فيه أن قضيته التي تكاد تختفي عن اجندات الاهتمام العالمي وحتى العربي، لن ينقذها الا أبناؤها، وإن تجربة مائة عام من الصراع كافية لان تُفْهِمَ الصخر ان لم يفهم البشر، ألا يفكر الجميع مرة وإلى الابد الا بها ، وبها فقط، بعيدا عن "الانانية" الحزبية او الفصائلية ..

الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني  

مقالات متعلقة