الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 23:01

إلى حماس الجديدة: فلسطين ليست غزة/ بقلم: محمد أمين

كل العرب
نُشر: 14/10/17 08:23,  حُتلن: 08:26

محمد أمين في مقاله:

وصلت القاهرة إلى أنه لا يمكن السيطرة على الأوضاع الأمنية في سيناء من دون تعاون أمني وثيق مع "حماس"

التحول في قيادة "حماس" والتغير في موقف القاهرة، هما الركيزتان الأساسيتان في تسريع عجلة المصالحة الفلسطينية الحالية

حرصت القيادة الجديدة لحركة حماس على الظهور في صورة من يأخذ زمام المبادرة، وعدم الاكتفاء بردة الفعل كالسابق إزاء ما يقدّم لها من عروض

منذ الإعلان المفاجئ عن لقاءات الفنادق في القاهرة التي جمعت قيادات في حركة حماس بأخرى محسوبة على المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، وصولا إلى "كسر عنق من يعرقل المصالحة"، بات واضحا أننا استيقظنا على "حماس" أخرى جديدة، برؤى وأولويات مغايرة للتي كانت تحكم، "حماس الخارج" إن صح التعبير، رؤى تنطلق من أولويات غزية تتمحور حول معاناة الحصار، وسبل الخلاص منه، وهذا هو المتغير الأول. وتمثل المتغير الثاني في "تخابر" المخابرات المصرية مع الجارة الحمساوية، ما عكس تحولا دراماتيكيا في الموقف الرسمي المصري، وكشف عن مقاربة جديدة للقاهرة في تعاطيها مع الملف الفلسطيني، على الأقل في النسخة الحالية من مشروع المصالحة الفلسطينية.

سرّع هذان العاملان من عجلة المصالحة، لكنهما لم يكونا سببا فيها، فقد بدا واضحا للمراقب أن واشنطن وتل أبيب رفعتا "الفيتو" الذي أفشل مصالحاتٍ سابقة، حيث أرسلت واشنطن وتل أبيب، منذ فترة، إشارات واضحة إلى القاهرة برغبتهما أن تمضي في إحداث اختراق يفضي إلى انفراجةٍ مرحليةٍ في الملف الفلسطيني، تنفس الاحتقان القائم الذي تزداد الخشية، يوما بعد يوم، لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب من أن يفضي إلى انفجار، هي المتضرّر الأول منه إن حصل، كما ترى واشنطن أيضا أن الأوضاع في الإقليم لا تحتمله، فيما وصلت القاهرة إلى أنه لا يمكن السيطرة على الأوضاع الأمنية في سيناء من دون تعاون أمني وثيق مع "حماس"، وذلك بعد فشلها في التعامل مع الوضع هناك، وتحول سيناء إلى حرب استنزافٍ يدفع الجيش المصري ثمنها باهظا.


ولعل العاملين أعلاه، التحول في قيادة "حماس" والتغير في موقف القاهرة، هما الركيزتان الأساسيتان في تسريع عجلة المصالحة الفلسطينية الحالية، ففي الشق المتعلق بالحركة الإسلامية، بدا واضحا التأثير الكبير للتحول في ثقل القيادة لصالح الداخل، سواء في الأولويات أو في التعاطي مع ما كانت محرّمات في الأمس، كالتقارب والتحاور مع مجموعة محمد دحلان، كما بدا هذا التغير في القرار المفاجئ بحل اللجنة الإدارية الذي دلل على أن قيادة الداخل هي التي تمسك بزمام القيادة والقرار، وأنها باتت قادرةً على اتخاد قرارات سريعة، من دون المرور بالدوائر الحركية الطويلة التي كانت معتمدة في السابق. وتبدو أولويات الداخل مغايرة للتي كانت تشغل قيادة الخارج، فالحاجات الأساسية اليومية، من كهرباء وماء وصحة، تبدو أولويات لدى "حماس الداخل" التي تئن تحت وطأة حصار جائر تجاوز عشرة أعوام، وترافقت ذكراه العاشرة مع حصار لحلفائها، رافقته هرولة عربية رسمية نحو التطبيع وإنجاز ما باتت تعرف "صفقة القرن"، وكلها عوامل إقليمية ودولية تعقد من ميزان القوى، وتزيد من محدودية خيارات الحركة.

مع التفهم والإقرار بمشروعية هذه الأولويات، إلا أن من حق المراقب، فلسطينيا كان أو غير فلسطيني، أن يشعر بالقلق إزاء تعامل القيادة الجديدة في حركة حماس مع الصراع، وتقزيمه من قضية تحرر وطني، وعودة اللاجئين والقدس وإقامة الدولة، إلى قضايا فرعية، كالرواتب والموظفين والمعابر. ومع استحضار التاريخ القريب، وتجارب الشقيقة الكبرى "فتح"، يصبح مشروعا الشعور بقلق إضافي من أن "حماس" تعيد، من حيث لا تدري، تجربة "فتح" من الثورة إلى السلطة التي قزمت أحلام الفلسطينيين من "الثورة حتى النصر" إلى "السلام الاقتصادي"، وترقب تحويلات واشنطن ومنحها المالية، في ما بات يعرف "الفلسطيني الجديد".

صحيح أن إكراهات السياسة والجغرافيا حدّت من خيارات الحركة، وقدرتها على مواصلة الصمود، وفاقمت الإجراءات التي اتخذها، أخيرا، الرئيس أبو مازن، قطع الرواتب ووقف التحويلات الطبية مثلا، من معاناة قطاع غزة، إلا أنه يبقى ضروريا التذكير دوما أن القضية الفلسطينية ليست غزة، وأن على "حماس" التي عرّفت نفسها في ميثاقها المعدّل بأنها "حركة تحرّر وطني ومقاومة" أن لا تختزل القضية في القطاع، وألا تحتكر القرار الوطني داخله، لأن التجارب الفلسطينية تثبت أن هذا المسار هو بداية التيه.

وبنظرة فاحصة إلى أداء "حماس الداخل"، فقد حرصت القيادة الجديدة للحركة على الظهور في صورة من يأخذ زمام المبادرة، وعدم الاكتفاء بردة الفعل كالسابق إزاء ما يقدّم لها من عروض، وهو الأمر الذي ظهرت معالمه جلية في انفتاحها على "التيار" الدحلاني، وصولا إلى ما سميت هجمة دبلوماسية باتجاه رام الله، توجت بقرار حل اللجنة الإدارية المفاجئ، كلها مغامرات كلفتها ستكون باهظة، إن لم تكن محسوبة بدقة.

صحيح أن التفاؤل محمود ومطلوب، وأن على المراقب ألا يغفل إيجابية التقارب أخيراً بين كل الأطراف، إلا أن التشكيك والحذر يجب أن يبقى سيد الموقف كما يقال، فطريق المصالحة لا يبدو معبّدا بالكامل، بالنظر إلى الألغام التي تكتنفه، كمسألة سلاح المقاومة، الموظفين المعابر، فكل المجاملات التي شهدها، خلال الأسبوع الماضي، بين الحركتين، لن تغير من قناعة الرئيس عباس نفسه، وهو الذي عبر مرارا عن رفضه خيار المقاومة والانتفاضة، وحصر خياراته في "المفاوضات" خيارا واحدا ووحيدا، فهل هذا التقارب هو شيك أبيض حمساوي للرجل بالمضي في مشروعه؟ هذا من الجانب الفلسطيني، أما من الجانب المصري فيبدو مشروعا التساؤل عن حقيقة التزام القاهرة بالوفاء بما تعهّدت به، والكف عن سياسة المناكفة والتضييق التي انتهجتها سابقا، فيما دوليا يبدو واضحا أن واشنطن أعطت ضوءا أخضر للمصالحة، ولكن لا ضمانة لرضوخ الجميع، أخيرا، للفيتو الإسرائيلي، إن قرّرت تل أبيب قلب الطاولة على الجميع، ورفع الفيتو من جديد، كما أن قلق المراقب من مآلات هذه المصالحة مشروع أيضا، بالنظر إلى الأطراف الإقليمية التي ترعاها، وأجندتها، ومآلاتها.

الأهم والأبرز هو ضرورة قراءة التحول الخطير في رؤية "حماس الجديدة" في غزة إلى أوليات الصراع وإدارته، في هذه المرحلة المهمة من تاريخ القضية الفلسطينية، إذ يبدو أن القيادة الجديدة للحركة اختزلتها في المسائل الحياتية اليومية، والتي على الرغم من التفهم لها، ولحجم المعاناة التي يقاسيها سكان القطاع جرّاءها، إلا أن رفع حركة تحرّر وطني هذه المطالب أولويات ومطالب تعكس عجزها وقصور برنامجها عن قيادة مشروع وطني تحرّري، ورضوخها لإكراهات اللحظة، من دون النظر في استراتيجيات صراع بعيدة المدى. وفي حالة "حماس"، فإن تقزم مطالبها إلى هذا الحد يعكس حجم التأثير الذي رافق التغير في قيادة الحركة من جهة، كما يعكس إكراهات السلطة، وكم دفعت الحركة ثمنا باهظا لها على مدار السنوات العشر الماضية، وأخيرا هو دليل واضح على حجم التراجع الذي أصاب مشروع الربيع العربي، ودوله، وحجم التآمر الإقليمي والدولي عليه.

وعلى الرغم من اشتداد الحصار والعداء الإقليمي والدولي، على حركات التحرر الوطني أن تواصل نضالها وتطلعها لتحقيق هدفها الأسمى بالتحرير، وأن لا ترتهن لمعادلة اللحظة وظروفها، ونستذكر هنا ياسر عرفات الذي لم تكن مطالبه، وهو محاصر في المقاطعة، فك حصار اللحظة، بل بقي حتى آخر لحظة قبل استشهاده ينشد "عل القدس رايحيين شهداء بالملايين"، في تحدٍّ معنوي لمحاصريه، ولعب على وتر الحرب النفسية بأنه لن يرضح لإكراهات اللحظة، بعد أن دفع باهظا في السابق ثمن "أوسلو"، فعلى حركتي حماس وفتح، والكل الفلسطيني، أن لا يقزموا المشروع الوطني الفلسطيني بحصره في رواتب وموظفين، فالصراع مع المحتل هو أصل المسألة وقضيته قضية تحرّر وعودة واعتراف دولي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووقف كل أنواع العربدة الإسرائيلية، ففلسطين ليست غزة فقط، ولن تكون. 

* نقلًا عن العرب الجديد - لندن

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة