الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 07:01

جهاز تفكيك القائمة المشتركة/ بقلم: الدكتور عمر سعيد - كفركنا

كل العرب
نُشر: 14/08/17 17:33,  حُتلن: 20:12

د. عمر سعيد في مقاله:

في معمعان نشوة تأسيس المشتركة لم يلتفت حكماء الأحزاب ومثقفوها للانعكاسات الممكنة على واقع وبنية أحزابهم

لم تجر اَية محاولة لفهم التحولات البنيوية العميقة التي تستبطنها هذه الخطوة على طبيعة العمل الحزبي التقليدي ورموزه

اقامة المشتركة حمل أعلانا رديفا لانطلاق حراك مواز ينطوي على قدرة كامنة لإحداث انقلاب جذري في حياة العمل الحزبي، وولادة نمط جديد وتغيير كامل في تقاليده المتوارثة

أتاح اختفاء الصراع التقليدي بين أحزابنا في ظل المشتركة، الى استعادة عافية النقد الحقيقي داخلها وشيوع المكاشفة وتعميق الشفافية، مما أضعف شوكة التعصب الفئوي الأعمى 

هذه التجربة الفريدة قد تستجلب الاحباط والويلات على مكتسبات شعبنا اذا لم ترعها القيادات الوطنية المتيقظة، والأقلام النقدية المسؤولة والمناقشات السياسية والفكرية العلنية

حظي تأسيس القائمة المشتركة باحتفالية شعبية واسعة، وانعقد اجماع لافت في أوساط النخب السياسية والمجتمعية حول أهميتها توقيتا وأهدافا وآمالا وفعالية... حيث قيل الكثير عن دورها المأمول لدرجة لم يغادر النشطاء من متردمها شيئا.

في معمعان نشوة التأسيس تلك، لم يلتفت حكماء الأحزاب ومثقفوها للانعكاسات الممكنة على واقع وبنية أحزابهم، ولهذا لم تجر اَية محاولة لفهم التحولات البنيوية العميقة التي تستبطنها هذه الخطوة على طبيعة العمل الحزبي التقليدي ورموزه، وضلوعها في انزياح مركز الثقل القيادي. وكذلك ما قد تحمله من تغييرات مستوجبة على البنية البشرية للأحزاب وأدائها التنظيمي والسياسي، وهي أصلا لو تم اخذها بالحسبان، لتمكنت الاحزاب من توقع وفهم واستباق مفاعيلها التفكيكية المحتملة، والتي بتنا نشاهد موجاتها الارتدادية متمثلة بمظاهر العدائية العدمية والعلنية لبعض قيادات وكوادر الأحزاب نفسها لمجرد قيام المشتركة، ومحاولاتهم المتواصلة لتسخيفها وافشالها وصولا لتفكيكها، وربما تكون ازمة التناوب الحالية وما يرافقها من لغط اعلامي مقصود وتصعيد غير منضبط أفضل تعبير عما أسلفت... وهذا ما سأحاول طرح عناوينه هنا في عجالة.

في اللحظة التي أعلن فيها عن اقامة المشتركة، فذاك عمليا حمل بطياته أعلانا رديفا لانطلاق حراك مواز ينطوي على قدرة كامنة لإحداث انقلاب جذري في حياة العمل الحزبي، وولادة نمط جديد وتغيير كامل في تقاليده المتوارثة، بحيث يكون الجهاز الحزبي ومتفرغوه المتنفذون اول ضحاياه وبالتالي آخر المعنيين بنجاحه، خاصة وأن الوضع الناشئ سيجردهم من امتيازاتهم وسلاحهم ويزجهم في بيئة رتيبة تخلو من عناصر التصادم والتنافس، وستدفع باتجاه تراجع مؤكد في منسوب الفئوية العمياء. عندما نتحدث عن أي جهاز حزبي وتشكيلة متفرغيه (ولا أقصد هنا الأحزاب المستوهمة)، فان المشهد الاجمالي يشمل أيضا دوائر من التابعين والمهللين والمبشرين بجنة عرضها التوظيف وسقفها الكنيسيت، فيما تتركز مهمتها بالتلميع والشرعنة والحراسة في اطار سلسلة غذائية شديدة التناغم والفعالية. لا شك ان التنافس الانتخابي والمنفلت غالبا بصولاته الفكرية والسياسية والشخصانية.. قد أذكى لهيب العصبية الحزبية وأطلق العنان لجموحها، وهي بدورها (اَي العصبية) شكلت وقودا عالي الجودة وصمغ لحمتها الرفاقية، بل وفرضت على الجميع كنس واخفاء أوساخ البيت الحزبي الداخلية تحت بساط وحدة القبيلة وشرفها، وابقتها حبيسة عتمة سيوفها المشرعة بوجه الخصوم، مثلما فرضت حظرا لتجوال الرأي النقيض في دوائر محازببها وصحافتها...الامر الذي أسهم على نحو مأساوي، الى تشكل معازل سياسية بكل معنى الكلمة، وتعليب وقولبة عقول ابنائها المتمترسين في تحصينات خطوط التماس.

منعا للتعميم والخلط، لا بد لنا أن نستذكر الفروقات النوعية في الخصائص الاساسية التي طرأت على جيل الكوادر الحزبية الراهنة، والتي ظهر معظمها في حقبة الراحة والترف النضالي، وحيث استمد بعضهم مصداقيته ونفوذه عبر ولاءاته وعلاقاته وتزلفه من أصحاب الحل والعقد في هرم أحزابهم، وبفضل الغزوات الانتخابية وامتيازاتها وأجواء التنافس الفئوي، وليس من خلال عملية نضالية انبنائية، مقارنة بتلك الكوادر التي أفرزتها وشحذتها معارك النضال الوطني التي استوجبت منها استعدادا وثقافة وجهوزية عالية للتضحية ودفع الاثمان. بهذا المعنى يمكن لنا اختصار الفروقات بين هذين النمطين بأن الاول تولد انتقاء اصطناعيا، فيما الثاني تموقع في مفاصل حزبه بحكم قانون الانتخاب الكفاحي الطبيعي. هذه الحقائق المحزنة، حول الأجهزة الحزبية الراهنة ومادتها البشرية, تكاد تكون معروفة لجميع نشطاء الأحزاب، اذ يعلمون تماما أن قطاعا مهما من جهايذة الجهاز يفتقر أفراده لأدنى قدر من المواصفات والمهارات الثقافية والمهنية الضرورية لتسنم تلك المناصب، أو حتى لممارسة عمل بديل في الحياة الواقعية في حال اضطروا لذلك... يلفهم الكسل ويمتهنون الثرثرة ولا يقدمون شيئا جديا قد يبرر تغولهم، فيما نمط حياتهم اليومي لا يختلف كثيرا عمن يسمون "عاطلون عن العمل"، لهذا نجدهم متمسكين بالاستقرار والولاء واعتراض مسيرة التغيير. من هنا تحديدا كان دورهم الفعلي في الحملة الانتخابية للمشتركة ضعيفا على نحو لافت قياسا بالحملات السابقة, وقد يعزى هذا التراخي لفقدانهم نظام التحكم بمقدرات احزابهم والشد بخيوطها.
وكعادة المغرورين، لم يفهم هؤلاء أن قرار إقامة المشتركة كان ايضا دليلا على قوة الشارع وتناقص حجم الوصاية تلك، وان ظاهرة تجديد القيادة، والتي شملت كافة الاحزاب، وان جاءت بنجاحات متفاوتة، تمثل هي الاخرى مسعى للتمرد على الجهاز والانعتاق من سطوته.

فضلا عن ذلك، فقد أتاح اختفاء الصراع التقليدي بين أحزابنا في ظل المشتركة، الى استعادة عافية النقد الحقيقي داخلها وشيوع المكاشفة وتعميق الشفافية، مما أضعف شوكة التعصب الفئوي الأعمى الذي غذاه الجهاز، ودفعت باتجاه تغيير واستبدال جموع المتنفذين وتحطيم أصنامهم. من المؤكد أن تلك الانزياحات واعادة الترتيب الجديدة التي خلقته المشتركة داخل البيت الحزبي على حساب المتنفذين، هي عينها ما تدفع بفلولهم ودوائرهم لإفشال عملية التناوب، وهي بذاتها المحرك لاستعادة التوتر داخل احزابهم واثارة الزوابع والمعارك التلاسنية الفارغة مع الخارج، وهي الحنجرة الخفية التي تصرخ لاستخدام أي مناسبة لصالح تفكيك المشتركة.

مع ذلك، فاني وإن جئت مصوّبا كلامي أساسا نحو تداعيات اقامة المشتركة على الجهاز، فذلك لا يعني أن الصورة المستولدة عن حضورها غارقة في حدائق الرومانسية الحالمة والجمال، فهذه التجربة الفريدة قد تستجلب الاحباط والويلات على مكتسبات شعبنا اذا لم ترعها القيادات الوطنية المتيقظة، والأقلام النقدية المسؤولة والمناقشات السياسية والفكرية العلنية، واذا عدمت الاحتضان الشعبي الواعي والوسيع. ان أي محاولة لحرف مسار المشتركة عن أهدافها الإجماعية وزجها في مشاريع تخدم خطاب الأسرلة وتشويه الفهم الأساسي للانتماء، سيكون أخطر على مستقبلها من أي تهديد داخلي أو خارجي آخر مهما عظم شانه. علينا ألا ننسى أن ظهور المشتركة أدى الى تعزيز واضح في دور أعضاء البرلمان والقيادة السياسية وانتفال مركز الثقل الحزبي باتجاههم، وتحت جناح سهولة الانسياب والتموضع في قيادة الهرم الحزبي، وحيث أن فرص النجاح الانتخابي أصبحت مضمونة والميزانيات المطلوبة متوفرة.... فهذا من شأنه أن يمهد لظهور قيادات نجومية وفهلوية فاقدة لأبسط المقومات والمميزات الوطنية والاخلاقية، تلك السمات التي كان حضورها، في الأمس القريب، شرطا ضروريا لشرعية المرشح ونجاحه في هيئاته الحزبية كعتبة ضرورية لسلم البرلمان. ينبغي لنا التعامل مع هذه الاحتمالات ببالغ الجدية، خاصة وأن عملية تجديد قيادة الأحزاب تلك جرت بمعظمها تحت وطأة مخاض عسير، ووسط مقاومة شديدة من حرس الجهاز القديم...مما خلق أحيانا وضعا مشوها فيه تسلم مناصبها قطاع شبابي واعد، ولكن تعوزه الخبرة والحكمة المطلوبتين، فيما الجيل القديم لا يقدم نموذجا مناسبا للاقتداء.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة