الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 22:02

البلدات العربية ما بين التمدن والتحول العمراني!/ محمد خليلية

كل العرب
نُشر: 13/07/17 13:16,  حُتلن: 18:00

محمد خليلية في مقاله:

من أجل ادراك العمليات والسيرورات الاجتماعية والبنيوية التي شهدتها البلدات العربية في العقود الأخيرة، يجب توضيح الفوارق ما بين مصطلحي التمدن والتحول العمراني

تمّ استغلال موضوع التخطيط على مدار الأعوام كأداة للسيطرة على الأقلية العربية في إسرائيل وليس كأداة لتطوير بلداتهم وتقدمها

كون الدولة لا تستثمر الموارد من أجل التحول العمراني بالجودة المطلوبة في البلدات العربية، يجعلها تمر بعملية يمكن وصفها على أنها "تمدّن مشوش"

التمدن الذي شهدته وما زالت تشهده البلدات العربية هو بغالبيته عشوائي

الجواب على السؤال إن كان هذا الـ التمدن هو "تمدن مشوش" أو أنه سيرافق بعملية عميقة من التحول العمراني، متعلقة أولا وقبل أي شيء آخر بمؤسسات التخطيط

يشكل الفلسطينيون في إسرائيل، نحو 20% من مجمل المواطنين، وغالبيتهم يعيشون في بلداتهم العربية، بحيث أن نسبة العرب الذين يسكنون في البلدات المختلطة لا تتجاوز الـ 10%. توسع البلدات العربية وتطورها خلال العقود الأخيرة، من قرى إلى مدن، هو نتاج سياسات التخطيط الحكومية التي لم تقم ببناء أي مدينة أو بلدة عربية، منذ العام 1948 سوى البلدات التي أعدتها لتركيز فلسطينيي النقب فيها بهدف إخلائهم من أرضهم. مع غياب إمكانية الانتقال إلى مدن جديدة، والضغط الناجم عن التزايد الطبيعي، انتقلت البلدات العربية، بشكل تدريجي من قرى إلى مدن، لكن هذه النقلة كانت سطحية اقتصرت على التغيرات البنيوية الناجمة عن التزايد السكاني والتوسع الجغرافي للبلدة دون أن ترفق بالتطور الاجتماعي والاقتصادي المطلوب. 

من أجل ادراك العمليات والسيرورات الاجتماعية والبنيوية التي شهدتها البلدات العربية في العقود الأخيرة، يجب توضيح الفوارق ما بين مصطلحي التمدن والتحول العمراني.

مصطلح التمدن (Urbanization)يتطرق إلى التغييرات البنيوية والسكانية: البلدات صارت أكبر وأكثر اكتظاظا وأقل اعتمادا على الزراعة. ومصطلح التحول العمراني(Urbanism) ، والذي يشير إلى التغييرات بالأنماط الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية لدى سكان البلدة. تنعكس هذه التغييرات على أنماط الحياة التي يتبناها المرء لنفسه، وترفق بتغييرات في الوعي والقيم وأشكال التصرف في الحيز العام، وبناء على هذين التعريفين، من السهل الإدراك بأن البلدات العربية، لا تشهد تقريبا عمليات تحول عمراني، إنما عمليات تمدّن فقط.

وفي عودة إلى موضوع التخطيط، تجدر الإشارة إلى أنه تم استغلاله، على مدار الأعوام كأداة للسيطرة على الأقلية العربية في إسرائيل وليس كأداة لتطوير بلداتهم وتقدمها. هذا الواقع أنتج حيزا عربيا مهمشا ومقيدا، ووسع الفجوات البنيوية بين البلدات اليهودية والعربية في مختلف المجالات، بما فيها المسكن، المواصلات العامة، البنى التحتية، مناطق النفوذ، المباني العامة، الساحات المفتوحة والمناطق الصناعية. التمييز في هذه المجالات، ينتج سلطات محلية ضعيفة، بالكاد تتمكن من توفير الخدمات الأساسية لسكانها، وتعجز بالضرورة عن النهوض بوضعها ومكانتها.

كون الدولة لا تستثمر الموارد من أجل التحول العمراني بالجودة المطلوبة في البلدات العربية، يجعلها تمر بعملية يمكن وصفها على أنها "تمدّن مشوش". من جهة، هنالك عمليات تشهدها هذه البلدات ذات طابع مدني: الباطون يلتهم المساحات الزراعية والبناء يبدو أكثر كثافة، ومن جهة أخرى، يجري التطور الاجتماعي في إطار المحافظة، القيمية، الأخلاقية والسلوكية في المجتمع العربي. هذا المجتمع ما زال أبويا وتقليديا، والمعايير الحمائلية فيه ما زالت تحظى بشرعية وتعتبر مرجعية.

هذا، بينما تمتلك الدولة الأدوات اللازمة، حين ترغب بتقوية السلطات المحلية وتنمية مدن ناجعة وفعالة. النموذج الأبرز في شمالي البلاد هي مدينة "يوكنعام"، التي تحولت من بلدة صغيرة متعلقة بمدينة حيفا وبمصنع وحيد، إلى بلدة مستقرة ومتطورة، مع مناطق صناعية متعددة، وغالبيتها مرتبطة بعالم الهاي-تك. هذه الإجراءات عززت يوكنعام، وجعلتها تستقطب شرائح سكانية قوية. عملية كهذه تتطلب الموارد والتخطيط الاستراتيجي.

قرية جسر الزرقاء بالمقابل، هي إحدى النماذج للتمييز ولاستغلال المؤسسات الحكومية لسلطتها من أجل التحكم بالحيز المحلي وتقييده. جسر الزرقاء هي القرية العربية الوحيدة الباقية على ساحل البحر، بجوار مدينة قيساريا الثرية. ولكن، وبدلا من أن تنعم هذه القرية بالمخصصات التطويرية الكبيرة التي تستحقها بفضل موقعها الجغرافي، فإنها إحدى أفقر البلدات في إسرائيل. هذه القرية لا تحظى حتى بشارع ملائم يوصل إليها، كون سلطات التخطيط والتنظيم ترى بها خطرا على أمن وأمان المسافرين في شارع الشاطئ (شارع رقم 2). حتى الخريطة الهيكلية الجديدة التي بادرت إليها مديرية التخطيط، بهدف إتاحة تطوير البلدة، تتجاهل الاحتياجات الأساسية للبلدة وسكانها.

التمدن الذي شهدته وما زالت تشهده البلدات العربية هو بغالبيته عشوائي. الجواب على السؤال إن كان هذا الـ التمدن هو "تمدن مشوش" أو أنه سيرافق بعملية عميقة من التحول العمراني، متعلقة أولا وقبل أي شيء آخر بمؤسسات التخطيط. حيث مسؤوليتها أن تعمل على رفع مكانة السلطات المحلية العربية، مع أخذ مميزاتها في عين الاعتبار.

لكن الدولة ليست اللاعب الوحيد. هنالك دور مركزي جدا، أيضا للسلطات المحلية العربية – كونها باتصال مباشر مع المواطنين وتوفر لهم الخدمات اليومية في مجالات التخطيط والبناء، المسكن، التربية والتعليم، الرفاه والبنى التحتية. تتوفر لدى السلطات المحلية المعرفة الأوسع التي تؤهلها للعمل على تطوير مجتمع مدني، وتقع عليها مسؤولية بلورة رؤية مدنية جديدة للبلدات العربية.

* الكاتب مخطط مدن في قسم السياسات المتساوية، جمعية سيكوي

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 
 

مقالات متعلقة