الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 17:02

فرنسا.. عين على التطرّف/ فاطمة ياسين

كل العرب
نُشر: 26/04/17 07:53,  حُتلن: 07:56

فاطمة ياسين:

رفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا، هذا الموقف محاطٌ بألف وجه عنصري، باعتبار أن العنصرية لا تقتصر على النداء بطرد المهاجرين

على الرغم من التغلغل الكبير للجاليات الأجنبية في أوروبا ما زالت مجرّد جاليات، وجزء كبير من بقائها هو التعامل الجماعي معها على هذا الأساس

لدى الجبهة الوطنية (الحزب اليميني الفرنسي المتطرّف) برنامج "وطني"، ورؤية سياسية للحكم، هي خليط شوفيني ينكفئ للعناية بالداخل وصيانة الحدود، يقوم على اعتماد وسائل كفيلة بطرد المهاجرين أو التضييق عليهم، مع اتخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ لمنعهم من القدوم، ليس من بينها مساعدة الدول التي يأتي منها هؤلاء.. سياسات المنع هي أساليب بوليسية عنيفة، تصل إلى حد المناداة بإعادة المهاجرين على القوارب نفسها التي قدموا فيها. بهذه العنصرية، ترغب الجبهة الوطنية، وزعيمتها مارين لوبان، في الوصول إلى كرسي الرئاسة، تؤمن لها هذه الأجندة بحدود خُمس القادرين على التصويت، وهي نسبةٌ تكفي للوصول إلى السباق النهائي للرئاسة، ولكنها غير كافية لتبوؤ كرسي الإليزيه، والأصوات التي تذهب إلى صالح هذه الجبهة، والأحزاب اليمينية التي على شاكلتها، عموماً لا يكون وراءها إعجاب المصوتين بمبادئ الجبهة وسياساتها، ولكنها رد فعل عاطفي على أحداث إرهابية، تشهدها الشوارع الفرنسية، وقد تشكل مثل هذه الحوادث دعاياتٍ انتخابية غير مباشرة، ولم تتوانَ السيدة لوبان عن استغلال حادثة إطلاق النار في الشانزليزيه رافعة انتخابية، كما فعلت دوماً مع كل حادثة مماثلة في أي عاصمة أوروبية.

ليست الأحزاب اليمينية المتطرّفة دخيلة في أوروبا، وهذه الأحزاب العنصرية التي تخوض الانتخابات الآن تحت شعاراتٍ محليةٍ صرف، وتجعل من المهاجر عدواً مشروعاً، هي وريثة للأحزاب القومية التي أحدثت الحروب العالمية السابقة، ولم تختفِ إلا بخسارتها الحرب، ووجودها ليس رد فعل على موجات المهاجرين العاتية، أو تصاعد الإسلاموفوبيا، ولا رداً على الأزمات السياسية التي أعقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا حتى رداً على أزمات الاقتصاد وحالات ركود الأسواق التي عاشتها أوروبا. قد تكون تلك الأسباب عاملاً في تصاعدها وزيادة عدد مريديها فقط، إنما يرجع منشؤها إلى فكرة الدولة القومية ذاتها، ويمكن أن نلمح أفكاراً ميكافيلية، حتى في أرقى دساتير أوروبا، وتنعكس على ألوان راياتها وحدودها. أما الأثر القومي الكبير الذي لم تستطع أوروبا أن تخفيه فهو فشل الاتحاد الأوروبي ذاته في العمل بوصفه مؤسسة سياسية واقتصادية جامعةً وعابرةً للقوميات، على الرغم من مرور عقود على تأسيسه، حتى وجدت واحدة من أهم دوله (بريطانيا) طريقاً شرعية للتملص منه، والعودة إلى قوانينها الداخلية، وهذه الدولة بالذات تعيش الأحزاب اليسارية فيها أحلك أوقاتها، وخصوصا حزب العمال البريطاني العريق.

رفض الاتحاد الأوروبي عضوية تركيا، هذا الموقف محاطٌ بألف وجه عنصري، باعتبار أن العنصرية لا تقتصر على النداء بطرد المهاجرين، والتصريح بالمواقف العدائية من الآخر المخالف، بل يمكن أن تكون عنصريةً مخففةً بقبول المهاجر الحالي، وإيجاد نطاق آمن يمنع وصول مهاجرين جدد، مثل الاتفاق مع تركيا على إبقائهم على أراضيها، ورشوة الحكومة الليبية بالمال لوقف قوارب الهجرة من شواطئها، من دون محاولة وقف النشاطات المنتجة للهجرة بالتدخل لمنع الحروب الداخلية، أو مساعدة المجموعات الوطنية الثائرة على حكومات ديكتاتورية.. الملامح العنصرية موجودة، وتظهر بشكل عفوي في المنتجات الصناعية والثقافية. وعلى الرغم من التغلغل الكبير للجاليات الأجنبية في أوروبا ما زالت مجرّد جاليات، وجزء كبير من بقائها هو التعامل الجماعي معها على هذا الأساس.

تأسّست الجبهة الوطنية الفرنسية العنصرية في بداية الربع الرابع من القرن الماضي. وقتها لم تكن هناك أزمات كثيرة، وكان العالم منقسماً إلى معسكرين متواجهين بالأيديولوجيا. حصل جان ماري لوبان، والد مارين، على أقل من 1% من الأصوات في أول انتخاباتٍ رئاسية خاضها، ولكن الجبهة منذ ذلك الحين تنال أقل من ربع الأصوات، وأصبح ذلك تقليداً فرنسياً تزيد أصواتها أو تنقص قليلاً بحسب الجرعات الإرهابية. ولم يختلف الموقف هذا العام كثيراً، ستتوقف مارين ممثلة الجبهة عند النسبة المعروفة، الربع أو أقل قليلاً، وهو مستوى التطرّف والعنصرية العلنية، أما المستترة والمتنكرة على شكل حرية وعدالة ومساواة فستحصل على ما تبقى من الأصوات. 

نقلا عن العربي الجديد

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة