الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 23:02

يا حيفا لا تعتبي فطريق القدس تمر من جوفك/ بقلم: آسيا مصالحة

كل العرب
نُشر: 23/04/17 10:53,  حُتلن: 08:23

في أعالي جبال الكرمل وعلى الساحل الشمالي لفلسطين حيث الخليج المنبثق من خريطتها ترقد غرة المدائن. وفي أعالي جبال الكرمل وعلى السفح الشرقي منه حيث الجليل المتربع على مدخلها ترقد الذكريات. وفي أعالي جبال الكرمل وعلى جانبيه الغربي والشرقي الشمالي حيث البحر يكاد يطبق ذراعيه ترقد الأعماق وتتموج صور الطفولة الأولى، فتارة تعلو وتهدر، وطورا تخبو وتنحسر، لتهمس بأن حيفا تسللت الى الحس نافذة في النفس بعد أن استولت على شقاق القلب والوريد وتيماء الروح والفكر المديد. فكل ما فيها يذكرك بفيهها، وكل ما فيها يهمس بأذني وافديها بأن اناملها الممتدة من البحر إلى الجبل تشق الطريق لقاصديها.

في حيفا اجتمعت أهم محطات القطار العثماني التاريخي بفلسطين، حيث انطلق من دمشق، وتفرع من بصرى جنوب سوريا إلى الجنوب نحو الأردن، وإلى الغرب نحو فلسطين، ومنها وصل الى مصر. وبعد ان طالها نعيق الغربان، وفقدت مكانتها بين خيرة البلدان، واستولت بيروت على ما كان لها في الأذهان لم ينكسر لها جنحان، فحملت ما تبقى من النفس داخل النفس وحولت همزة الوصل الى حديث الانسان والمكان، إذ أضحت خط سكة العلم في الوجدان حيث رفدت بأهم معاهد الهندسة التطبيقية واجتمعت بها العديد من الكليات ومحطات العلوم في الميزان والفرقان، ومعامل البتروكيماويات في خليجها للسائل عنوان.
في غرة شباب وليدة، عندما ابتدأت المسيرة التي ما زالت تبعث في النفس الحيرة، تلملمت اطراف الحلم والروح، وبقايا جسد مقروح، وعطر حبر من المداد يفوح الى حيث ما بعد الروح. اجتمعت النفس بالنفيسة ووثبت أجنحتها الحبيسة، باسطة وقابضة بإيقاع خافقة خفق العقاب للارتفاع، عسى أن تدرك من كان قدرها أن تكون همزة الوصل بين البحر ومدائن الشرق. وما لم يكن في الحسبان، أن بحكم الزمان لا يستهان حتى لو قطع الصخر بالقيعان، إذ أخذت الطريق تضيق وتضيق وتتقاذفها الأيام الى ضفاف المضيق، كأنها تخضع لمخاض عتيد في درب الولادة من جديد.
في هنيهة دارت قاطرة الزمان، والتقطت الوليد الذي كانت حبلى به الأيام، بعد أن وضعته حيفا في الأوان لتشد به عضد غيرها من السهول والقرى ذات البنيان. وكما في غابر الأزمان، أعادت حيفا حصنها الى ساحل بحر الشام، بعد ان مدت جسور المحبة الى الربوع والوديان، نثرت رحيقها في العواصم الحسان، من غربية وشرقية والبلاد ذات الألوان، وكان للقدس بها ما كان من المحبة وطريق الشآم التي عبدتها بحجر من صوان، وتعهدتها بالخدمة والعنفوان، ومن جوف بحر الأحزان، عادت حيفا للتو إلى لمكان، حتى لو تغلب على حصنها كنفدرى ملك بيت المقدس فان لصلاح الدين به شأن، فيا حيفا لا تعتبي فطريق القدس تمر من جوفك.
 

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة