الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 15:02

مؤتمر الجبهة.. هل تتجدد شقائق النعمان في نيسان؟/ بقلم: وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 10/04/17 13:42,  حُتلن: 17:54

وديع عواودة:

حسم محمد بركة اللغط في كلمته التلخيصية بقوله إن اللقاء تم بعد التشاور وبضوء أخضر من الجبهة

ربما تكون صرخة أيمن عودة مبررة يوم قال إنه يشعر كالأجوف دون استعادة بلدية الناصرة

من جهته رفض عبد الله أبو معروف اللقاء مع وليد جنبلاط " " مبدئيا وبسبب التوقيت " دون أن يفصح أكثر

رغم التوغل اليميني في الشارع الإسرائيلي وربما بسببه يمكن للجبهة إن رغبت بالتقدم نحو اجتذاب شركاء وحلفاء يهود

بالمجمل نجح مؤتمر الجبهة بوضع الإصبع على مفاصل حساسة كثيرة وبلورة ملامح تشخيص للحالة الراهنة للجبهة في عيدها الأربعين

لم تفلح الجبهة أيضا بتحاشي اختلال ميزان الميدان والبرلمان لصالح الأخير فهيمن العمل الإعلامي والبرلماني على الشعبي بالسنوات الأخيرة

 في مرحلة معينة بادرت قيادات جبهوية لاستخدام القاموس السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي ربما بدوافع تكتيكية انتخابية ولاحقا استمرت في ظل العلاقات المأزومة مع الدولة والأغلبية اليهودية

بالنسبة له ولكل الجبهة وكل المجتمع العربي كان الفوز بانتخابات بلدية الناصرة 1975 حدثا مؤسسا وعلامة فارقة وهكذا خسارتها في 2013 لكن استعادة القلعة لن تتم إلا بالاعتراف بالأخطاء ومسائلة المخطئين

اختتم مؤتمر الجبهة التاسع أعماله بعد افتتاحية مهيبة تليق بأم الأحزاب العربية وشكّل منصة للنقاشات الرفاقية الساخنة والمحترمة في عرس ديموقراطي حول قضايا تنظيمية وسياسية كثيرة وإن غابت عنها سوريا ربما حفاظا على الوحدة الداخلية كما في التجمع الوطني الديموقراطي. أصاب عمر واكد نصار باحتجاجه على تكريس طاقات وأوقات للقاء أيمن عودة بوليد جنبلاط ، حوّله عصام مخول لحدث ضخم. وحسم محمد بركة اللغط في كلمته التلخيصية بقوله إن اللقاء تم بعد التشاور وبضوء أخضر من الجبهة.

كما تساءل هل يعقل أن نلتقي الأصدقاء ومن نتفق معهم فحسب؟ بركة الذي تعرض لانتقادات مشابهة يوم زار قطر قبل شهور مساهمة بوقف النزيف الفلسطيني شدد على أن المهم في هذه اللقاءات هو الهدف مكتفيا بالإشارة لهدف زيارة قطر دون التوقف عند لقاء باريس(جنبلاط). ويحق بركة بذلك وأثناء زيارة ليبيا بمثل هذا الشهر عام 2010 كان من القلائل ممن حرصوا على عدم لفظ كلمة نفاق لمعمر القذافي. بركة الذي قال إنه لا يكشف عن رفضه دعوات كثيرة تصله ومنها مثلا دعوة لكردستان رفضها بسبب الوصاية الأمريكية. وتابع متوددا " ذات مرة استشرت محمد نفاع حول دعوة جاءتني من طهران فدعاني للذهاب بهذه المرة أيضا فأجبته مازحا : أخشى أنك ترغب بالتخلص مني بهذه المباركة ". نفاع الذي أيد زيارة مندوبي الجبهة لليبيا قلل وبحق من موضوع اللقاء ودعا للجدل حوله " دون تربص " وأعرب عن موافقته لمثل هذه الزيارات واللقاءات بالتساؤل وهل ليبيا اليوم بعد القذافي " مليانة ديموقراطية " ؟
من جهته رفض عبد الله أبو معروف اللقاء مع وليد جنبلاط " " مبدئيا وبسبب التوقيت " دون أن يفصح أكثر. وذهب عصام مخول بعيدا جدا في مهاجمة اللقاء مع جنبلاط، على جناح خيال شرقي لحد القول إن السعودية استدعت وليد جنبلاط وحملت طائرة إسرائيلية برفقته 600 مليون دولار لدعم القوى المعارضة الراغبة بتدمير سوريا.

تجارب شبيهة
من أمراض السياسة أن تستحوذ المشاحنات الشخصية على اهتمام أكبر من القضايا العامة أحيانا كثيرة وعمر نصار نبه لذلك بقوله هذا " مؤتمر جنبلاط ". المؤتمر الذي كان حري به التخفيف من هذه الحسابات لامس قضايا جوهرية خاصة بالجبهة وبالمجتمع العربي دون منحها الوقت والجهد الكافيين كقضايا الجبهة الداخلية، استشراء العنف وقتل النساء،حوادث العمل،كيفية مواجهة القوانين العنصرية، الانتخابات المحلية وهي ساحة منيت بها الجبهة بخسائر فادحة (كطرح فكرة تطبيق مبدأ القائمة المشتركة في انتخابات السلطات المحلية) وغيرها من القضايا الملحة التي تحتاج لتشخيص ورؤى مستقبلية لمواجهة تحدياتها. كذلك طرحت قضايا تنظيمية تذكّر بحاجة مجلس الجبهة الجديد (سينتخبه مندوبو المؤتمر بعد أسبوعين) لإعادة ترتيب الأوراق الداخلية فالجبهة اليوم تستحق جهازا تنظيميا قياديا حقيقيا وأفضل من الحالي. الجبهة بمسيرتها العريقة حققت بالعقود الأربعة الأخيرة مكاسب هامة مكنتها من البقاء في ريادة العمل الحزبي العربي تحتاج للتجدد. بمقدور التعلم من دروس أحزاب عربية وأجنبية كثيرة منها حركة " فتح " وجبهات اليسار الفلسطينية وحزب " العمل " الإسرائيلي لأنها هي الأخرى شاخت وترهلت وباتت بحاجة لعملية إنعاش ومراجعة دفاترها فما بالك وعمودها الفقري حزب شيوعي عمره نحو القرن. نعم تمّ المؤتمر تحت عنوان" نهضة في كل الجبهات" كما بشرتنا لافتة حمراء كبيرة. هذا شعار كبير واستحقاقاته كبيرة امتحانه بالتطبيق.

بانتظار الدواء
بالمجمل نجح مؤتمر الجبهة بوضع الإصبع على مفاصل حساسة كثيرة وبلورة ملامح تشخيص للحالة الراهنة للجبهة في عيدها الأربعين ويبقى السؤال الحاسم هل وبأي استراتيجية وبأي جدية تتقدم نحو مرحلة التطبيق والعمل والتجدد ؟
بحال عملت الجبهة على خوض هذه المعركة فعلا وشّمرت عن سواعدها للتجّدد والنهوض بكل الجبهات ستكسب بالكثير من الجبهات وتحافظ على موقعها الريادي التاريخي واستعادة ما خسرته من مواقع خاصة في اللجان الشعبية، الحكم المحلي والجامعات وبناء اتحادات العمال، فقوة الدفع وحدها لا تكفي. المحاسبة الذاتية تعبير عن صدق والتزام وثقة بالنفس وفتح مؤتمرات الجبهة للصحافة شامة على صدر ديموقراطيتها يعتز بها. ولذا لا مكان للبحث لدى الآخرين فقط عن أسباب الكبوات أو الهزات الكبرى كخسارة بلدية الناصرة.
ربما تكون صرخة أيمن عودة مبررة يوم قال إنه يشعر كالأجوف دون استعادة بلدية الناصرة. بالنسبة له ولكل الجبهة وكل المجتمع العربي كان الفوز بانتخابات بلدية الناصرة 1975 حدثا مؤسسا وعلامة فارقة وهكذا خسارتها في 2013 لكن استعادة القلعة لن تتم إلا بالاعتراف بالأخطاء ومسائلة المخطئين، لا ترقيتهم ومكاشفة الجمهور ومعاودة بناء الثقة معه من جديد بدلا من مقارعة علي سلام فحسب. أما الفوز برئاسة المشتركة والمتابعة فهو شهادة امتياز للجبهة لكن عليها الحذر من الغرور والاعتقاد بأنها في عصرها الذهبي وليست بحاجة لأي تغيير. كذلك،أن تصل القمة تحد كبير والأكبر أن تبقى فيها.

الغائبون الحاضرون

تنبه بعض الخطباء خاصة عايدة توما- سليمان لضعف حضور الشباب، النساء واليهود ودعوا للإصلاح وسريعا وربما الأصح فورا. نظرة واحدة للجمهور كانت كافية لترى " الغائب الحاضر " وهذا الغياب مرده ليست عوامل موضوعية عامة فحسب وتتجلى بالعزوف عن السياسية بشكل عام بل هي ذاتية قابلة للتغيير. لم تفلح الجبهة أيضا بتحاشي اختلال ميزان الميدان والبرلمان لصالح الأخير فهيمن العمل الإعلامي والبرلماني على الشعبي بالسنوات الأخيرة. لذا تحتاج الجبهة للعودة لأهم معاولها : التعبئة والتثقيف في الفروع وحلقات الأحياء والاستثمار في حركات الشبيبة. من هذه الناحية أيضا صفحات الفيسبوك غير كافية. أما صحيفة " الاتحاد " بحالتها الراهنة فهي وجه من وجوه الإصابة بالشيخوخة والتكلس ولا يشفع لحاضرها سوى ماضيها العريق.

تقديس الشخصية
وأصاب مرّكز الشبيبة الشيوعية بقرعه الخزان خلال المؤتمر وتحذيره من تسلل فيروس "الأنا" والإفراط في التخصيص المبرر للقيادات لدرجة التصنيم. الاختلافات والخلافات بين صفوف القيادة تتحول لعبء على الجبهة بحال أخذت بعدا طابعه شخصي وهي لن تهددها بالانقسام لكن مفاعيلها وتداعياتها سلبية وهي تحتاج للتخلص الفعلي منها لا لكنسها تحت السجادة وهذه رسالة بعث بها المؤتمر بوضوح.

وهذا يفضي للحاجة بتهيئة القيادات المخضرمة لرعيل جديد من القيادات حتى لا تتكرر مأساة بلدية الناصرة يوم سمعت أصوات تتحدث عن عدم وجود بديل". في المؤتمر أطلت عينة من شباب تتقد فيهم الروح الوطنية والحزبية ويتمتعون بقدرات وطاقات واعدة تنتظر من يأخذ بيدهم أكثر. وهذا هو الحال مع انحسار النساء في الجبهة رغم ثورة اجتماعية جندرية تشهدها الجامعات في البلاد حيث تبلغ نسبة البنات 60% وأكثر. وهل هناك من هو أولى من الجبهة بالنضال من أجل مساواة المرأة ؟ وهل يعقل أن المرأة ما زالت بحاجة لتحصين مواقع في قوائمها الانتخابية؟

حزب العمال والفلاحين

كذلك تبدو الجبهة بحاجة لانسجام أكبر مع ذاتها ورؤيتها في موضوع تنظيم العمال وما تبقى من الفلاحين. لم تنجح الجبهة بعد في ترميم التصدعات الكبيرة والطبيعية بعد انكسار العلاقات العربية – اليهودية منذ 2000 و تجلى الخلل باحتجاجات المندوبين اليهود القلائل في المؤتمر على عدم ترجمة مواده للعبرية. رغم التوغل اليميني في الشارع الإسرائيلي وربما بسببه يمكن للجبهة إن رغبت بالتقدم نحو اجتذاب شركاء وحلفاء يهود.

جبهة شعبية
يحق ربما من يتحفظ اليوم من تشكيل جبهة شعبية واسعة عربية - يهودية قبل التعرف على هوية الشركاء اليهود المفترضين وهناك نقاش مشروع وطبيعي جدا حول سؤال الموجود والمطلوب وحول طبيعة هذه الشراكة هل هي سياسية أم انتخابية أيضا. لكن المؤكد أن الجبهة تستطيع اليوم توسيع صفوفها واستقطاب أوساط عربية(طلابية وعمالية وأكاديمية وغيرها) من خلال الانفتاح وتقليل حجم هيمنة الحزب الشيوعي مع إبقائه ركنا أساسيا فيها. لاشك أن رئاسة بركة وعودة للمتابعة والمشتركة تدفعهما نحو الإدلاء بتصريحات ومواقف جامعة تبعد عن حدود الجبهة وطروحاتها أحيانا لكن هذا لا يعفيها من مواصلة التمسك بلونها وهويتها وقاموسها السياسي وهذه مهمة أسهل لبقية قياداتها. مع العلم أن عملية التداخل والانزياح بالتوجهات والمصطلحات قد بدأت قبل ذلك وتتجلى بوضوح مثلا في مصطلح " عرب الداخل " الذي استبدل المجتمع العربي/الفلسطيني في إسرائيل" في بيانات وتصريحات قادة جبهويين. في مرحلة معينة بادرت قيادات جبهوية لاستخدام القاموس السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي ربما بدوافع تكتيكية انتخابية ولاحقا استمرت في ظل العلاقات المأزومة مع الدولة والأغلبية اليهودية.شقائق النعمان كانت وستبقى جميلة ولا داع للاستعانة بصابونة الراعي الجميلة أيضا. وهذا لا يعني طبعا عدم وجود حاجة لمراجعة الرؤية الأيديولوجية أيضا وملائمتها للواقع الاجتماعي- السياسي الراهن وهذا موضع آخر.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

 

مقالات متعلقة