الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 13:01

عندما يوحدنا الفن/ بقلم: رامي الشرافي

كل العرب
نُشر: 20/03/17 14:20,  حُتلن: 18:15

رامي الشرافي:

حضور الثنائي الفلسطيني كان له بريقا لا يقل ابهارا عن الاطار والخلفية التي شغلت المشاهد وجذبته للمتابعة

لقد فعل الفن ما استعصى على السياسيين فعله وقال الشارع الفلسطيني والعربي كلمته في برنامج آرب أيدول من خلال رسائل الفرح

المشهد الفني الموحد يعود من جديد ليكسب معركة الوحدة والكل الفلسطيني من جديد ضارباً نموذجاً وطنياً يُعيد تساؤلات الوحدة الوطنية والهم الفلسطيني الى صدارة التفكير الفلسطيني

شكّل فوز يعقوب شاهين بلقب "محبوب العرب" لعام 2017 عبر شاشة إم بي سي فرحة فلسطينية وعربية عارمة بموسمه الرابع، جاء التتويج بعد منافسة حامية بين ثلاثة متسابقين وصلوا إلى المحطة الختامية، وهم: الثنائي الفلسطيني يعقوب شاهين وأمير دندن واليمني عمار محمد نجوما تطلع اليهم انظار المتابعين العرب.
كانت لحظات صعبة على الفنانين المتسابقين ومشجعيهم على امتداد الكرة الارضية قبل ان يكسر الفنان المصري احمد فهمي الصمت ويعلن تربع الفنان الفلسطيني يعقوب شاهين في صدارة النجومية بأكثر الأصوات العربية المشجّعة لصوته وموهبته، والتي رأت في أدائه فرادة واستثناء يستحق الالتزام بتأييده واحتضانه.

وبالرغم من أن أبعاد البرنامج مرتبطة برفد الأصوات الغنائية العربية المتميزة والصاعدة إلّا أن النتائج التي صدّرها البرنامج ارتبطت في ذهنية الفلسطيني بطموحاته وآماله، في اصرارٍ منه على أنّ بيئة المجتمع الفلسطيني ما زالت خصبة وغنية بالمواهب الطموحة، وانها ليست بحاجة اكثر من رعاية وانتباه عربيين لانقاذها من قهر مزدوج: احتلال اسرائيلي لا يضع الفلسطيني إلا في مربع الارهاب وانقسام سياسي فلسطيني يبدّد طاقات فنية تحت دعاو دينية فيحرمها من الظهور والقيام برسالتها الوطنية والفنية والانسانية.

صحيح أن فخامة مسرح آرب آيدول والاضاءة المتعددة الالوان فيه ابهرت المشاهدين لكن الصحيح ايضا أن حضور الثنائي الفلسطيني كان له بريقا لا يقل ابهارا عن الاطار والخلفية التي شغلت المشاهد وجذبته للمتابعة، حيث جسّد الفنانون الفلسطينيون انعكاساً هوياتياً جامعاً على أرض مسرح برنامج آرب أيدول، فكان يعقوب شاهين من الضفة الغربية وأمير دندن من فلسطين المحتلة عام 1948 تصدح أصواتهم الغنائية على المسرح، سرعان ما انضم اليهما الفنان محمد عساف من غزة ضيفاً على خشبة المسرح لتكتمل صورة ابكت قلوب وعيون المشدودين الى الصورة في اصلها وما يجب عليه ان تكون، وبرز الثلاثي الفلسطيني على الشاشة العربية ذات الحضور الدولي بصوتٍ وهوية جامعة للمكان الممزق – مؤقتا - وباسم فلسطين، محرّرين الوعي الفلسطيني من تابوهات الإغلاق على إمكاناته وفرصه في التقدم وإبراز مواهبه على خشبات المسارح العربية والعالمية، وكاسراً للجمود السياسي الفلسطيني والذي فرض انقساماً عميقاً وحاداً في الخارطة السياسية الداخلية ومكونات المجتمع، والتي عبّر عنها الإنقسام الفلسطيني في غزة والضفة بأعمق لحظاتها وأكثرها مرارة، لكن الثلاثي الفني استطاع أن يحلق عاليا ويخلق نموذجاً وحدوياً يلفت أنظار الفلسطينيين لدعمه وتأييده على اختلاف توجهاتهم وبرامجهم وبصرف النظر عن توزيعاتهم الجغرافية المتباعدة في شتات الوطن.

كان الشعور الفلسطيني الوحدوي منسجماً ومتراصاً في لحظات متابعة البرنامج وانتظار النتائج. عن الفرحة الوطنية كانعكاسٍ لآمال الفلسطينيين احتفلت كل المحافظات والمدن في الأراضي الفلسطينية والداخل المحتل والشتات بفوز يعقوب شاهين دون اعتبار لمكان ولادته ومسقط رأسه. كان يكفي للدمع ان ينهمر دون استئذان لمجرد ان الفائز ينحدر من المكان المعذب بعدما افتقدنا لحظة فرح خالصة. وبشكل عفوي انطلقت الفرحة الفلسطينية، تصاعدت وامتدت لتصل كل أرجاء هذا الوطن ولكل وامتداداته المعنوية في العالم، ويتحول الفوز ببرنامج فني الى عرسٍ وطني بامتياز تجلت مظاهره في المقاهي والمتنزهات والشوارع وفي البيوت التي كانت العائلات الفلسطينية تتابع لحظات الانتصار باشتياق سماع لحظة انتصار ميدانية.

بعفوية رقص المواطنون وغنوا كثيرا في كل مكان واندمجوا مع الفنانين الثلاثة وهم يصدحون باغان وطنية، لا وقت للبحث في هيبة الرجل الكبير ولا في الصغير كيف يغني ويقفز في الهواء فرحا وكأن الفائز انطلق من هذا البيت بالذات لا غيره خاصة عندما لوح النجوم الثلاثة بالرمز الوطني، علم المكان والانسان. ووضعوه على اعناقهم في رسالة تقول الكثير دون ان يسمعها احد لكنه فهمها بالتأكيد. الدموع باحت بكل ما في لنفس من حسرة وعفوية التعبير عن الفرح الفني تحول الى فرح وطني تجاوز القهر الخارجي ولامس التعبير عن وحدة المصير المشترك.


لم يكن الفرح فلسطينيا لكنه كان عربيا ايضا وإن كان بنكهة اخرى لا تخلو من غصة وزفرة عميقة وتمنيات صادقة لو أن هذا النصر تحقق وحال الفلسطيني يختلف عما هو قائم. حتى المنافس اليمني عمار لم يكن ليغادر المسرح رغم خسارته القلب، أصر أن يشارك اخوانه الفنانين الفلسطينيين فرحتهم فزاد في القلب الفلسطيني حسرة ولوعة. هل ترى هذه الرسالة وصلت السياسيين أم انهم يحتاجون رسائل اخرى؟

سيبقى أن الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة متصلاً ومتسقاً مع هويته الفلسطينية والقومية العربية، بالرغم من محاولات عزله داخل كانتونات عنصرية لنفيه وجعله يعاني الإغتراب عن إمتداده الوطني الجامع، قالها امير دندن وهو يتزين بعلم بلاده بألوانه الاربعة. ليرد عليه الفنان محمد عساف وهو يعتلي خشبة المسرح ويحتضن اخويه شاهين ودندن أن غزة مازالت على عهدها جزءا عزيزا وغاليا من لوحة لا يحق لاحد استبعادها او الاستفراد بها وعزلها عن الوطن الام والهوية الوطنية برغم الإنقسام السياسي والانفصال الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948.
هنا وعلى مرأى من العالم المسيحي يعانق الاسلامي لكن القلب لن يكون إلا فلسطينيا. حلما وطموحا وامنيات ومسيرة حياة . لكن المشهد الفني الموحد يعود من جديد ليكسب معركة الوحدة والكل الفلسطيني من جديد ضارباً نموذجاً وطنياً يُعيد تساؤلات الوحدة الوطنية والهم الفلسطيني الى صدارة التفكير الفلسطيني لكي يعيد القادة السياسيين إلى حوار جاد وبمسؤولية وطنية لإنهاء الانقسام السياسي وتوحيد القرار الفلسطيني لتجاوز هذه الإنعطافة الكارثية في تاريخ القضية الفلسطينية، والتي تخضع اليوم في حسابات الإقليم إلى رهانات سياسية وتدخلات خارجية تحاول جرّ المستقبل الفلسطيني إلى مربعات مجهولة المصير
لقد فعل الفن ما استعصى على السياسيين فعله وقال الشارع الفلسطيني والعربي كلمته في برنامج آرب أيدول من خلال رسائل الفرح، في انتظار الفرحة بفعل وطني لتوحيد أجزاء الوطن المحاصرة وفي استعادة القرار الفلسطيني الموحد لإستكمال طريق النضال من أجل تحرير الأرض والإنسان.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

 

مقالات متعلقة