الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 03:02

زغرودة الأرض والسماء/بقلم: أحمد الصح

كل العرب
نُشر: 09/03/17 09:57,  حُتلن: 10:00

حكاية أبي إبراهيم كانت عادية لولا تلك الزغرودة التي سمعها حين جثا مقبلاً الأرض من أين أتت تلك الزغرودة العجيبة؟ هو لا يدري أهي من الأرض أمن السماء أم من ينبوع الماء الساكن في صحن الدار والذي بقي يرعى الأرض ويسقي التينات واللوزات طيلة فترة غيابه ؟ أم من تلك العصافير التي زفته يوم عودته والتي بقيت تبني الأعشاش وتفرخ سنة بعد سنة ؟ المهم انه سمع الزغرودة التي لم يسمع مثلها منذ رحيله عن أرضه فزغرودة أمه يوم زفته في ذاك المخيم البعيد لم تشبه هذه الزغرودة ولا حين زغردت أم إبراهيم حين زفت بكره إبراهيم فها هو يحقق حلم حياته وكم مرة دعا ربه وتضرع وتوسل بدعائه وأجهش في البكاء وهو يناجي ربه بأن يصبر عليه ولا يأخذ وداعته قبل أن يرى مسقط رأسه فمنذ مرور عشرات السنوات منذ رحيله عن أرضه في ذلك اليوم المشؤوم لم يذق طعم الراحة ولم يدخل الفرح الى قلبه الا نادراً رحل وهو فتى يافع أول "فزته" وها هو الآن يعود وقد غزا الشيب رأسه وتضاريس وجهة توحي بالشقاء الذي عانى منه وكم انتظر هذه اللحظة حتى كاد يفرغ صبره.

وما أن انتهت معاملة التصريح حتى كان أشبه بيوم العرس حيث تجمع الأهل في المخيم والجميع يرسل السلامات الحارة الى الأقارب والحبايب والكل يوصي أبا إبراهيم " بالله عليك أن تحضر لي حفنة تراب ! والآخر يوصي بضمة ميرمية وتلك تريد بيت زعتر " .
وفي صباح اليوم التالي لم يصدق نفسه وهو يجتاز البوابة وبدأت القشعريره تجري في جسده كتيار كهربائي وتمالك نفسه عندما التقى أقاربه الذي انتظروه وأخذت سيارة مرافقيه تشق طريقها نحو القرية حيث يقابل الأهل الذين فارقهم منذ عشرات السنين وكم كانت الفرحة كبيرة عند اللقاء ، بعد طول الفراق ولم ينم أبو إبراهيم في تلك الليلة من فرحة اللقاء وانتظار اللقاء بأرضه وبيته وما أن انبلج الفجر حتى كانت السيارة تشق طريقها الى قريته التي لم تعد قائمة وطال البحث عن آثار القرية فالسلطة والزمن تحالفا على طمس معالم القرية مرافقوه يئسوا من البحث ، وحاولوا إشفاء غليل اشتياقه بإيهامه بأن آثار هذه القرية هي قريته ولكنه يعرف مرتع الصبا ، وذاكرته قوية ! وطالت المحاولة وطال البحث … كان البرد قارساً … ولكن السماء لا توحي بنزول المطر … وكانت الشمس تجاهد لترسل آخر خيوطها نحو الأرض عندما استدار أبو إبراهيم الى الخلف ، وقال من بعيد :" أنا شبه متأكد بأن تلك الشجرة مزروعة في ساحة دارنا " ولكن مهمة الوصول الى تلك الشجرة صعبة فالمنطقة تحيطها الأسلاك الشائكة والطريق وعره … ولكن أمام حنين اللقاء تهون وتذل المصاعب ودنا أبو إبراهيم من المكان وها هي عتبة الدار ما زالت قائمة …
هذه التينة كم لعب تحتها واكل من ثمرها وأطعم أترابه ‍ وهذا ينبوع الماء وهذه الحاكورة … ركع أبو إبراهيم تحت التينة وأزاح القشات وهجم على التراب يقبله كالأم التي وجدت وحيدها بعد طول فراق.
وحفن من التراب وسكبه على رأسه فاختلط مع دموعه .. أبرقت السماء وأرعدت وانهمر المطر يسقي الأرض ويغسل دموع أبي إبراهيم واشتبك صوت المطر الساقط على الأرض مع حفيف الأشجار مع زقزقة العصافير المسرعة الى أعشاشها مع خرير ينبوع الماء ليكون أجمل زغرودة سمعها في حياته زغرودة الأرض والسماء .

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة