الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 15:01

وكاد المعلمُ أن يكون قتيلا/ بقلم: جميلة شحادة

كل العرب
نُشر: 23/02/17 18:55,  حُتلن: 12:25

جميلة شحادة في مقالها:

نجاح هذه المهنة أو فشلها إنما ينعكس على المهن الأخرى في المجتمع؛ ومن هنا أيضا، جاءت أهمية المعلم، حيث أنه حجر الأساس في العملية التعليمية ومن المفروض أن يكون أداة التغيير في المجتمع

مكانة المعلم في المجتمع العربي الفلسطيني داخل دولة اسرائيل كانت تحظى بالتقدير والاحترام في سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات لدرجة أنها كانت تفوق مكانة مختار القرية

لكن المشهد اليوم ومع الأسف الشديد قد تغير، فلم يعد للمعلم هذه المكانة والتقدير الذي كان يحظى بهما في السابق، وتغير واقعه في المجتمع من شخص محترم ذي قيمة، الى شخص تدنَّت مكانته واستبيحتْ كرامته

 تُعد مهنةَ التعليم من أشرف المهن وأهمها، فما من مجتمعٍ سعى لأنْ يحتلَ مكانةً مرموقةً بين الأمم والمجتمعات الأخرى، إلاّ وأَولى العملية التعليمية والتربوية اهتماما بالغا. فمهنة التعليم تتميز عن غيرها من المهن، ذلك بأنَّ المهن الأخرى تُعِّد الأفراد للقيام بمَهام محددة في نطاق مهنة بذاتها، بينما تسبِق مهنة التعليم المهنَ الأخرى في تكوين شخصية هؤلاء الأفراد قبل أن يصلوا إلى سنِّ التخصص في أي مهنة، ولعل هذا ما دفع الكثيرين إلى أنْ يصِفوا مهنة التعليم بأنها "المهنة الأم". ومن هنا فإن نجاح هذه المهنة أو فشلها إنما ينعكس على المهن الأخرى في المجتمع؛ ومن هنا أيضا، جاءت أهمية المعلم، حيث أنه حجر الأساس في العملية التعليمية ومن المفروض أن يكون أداة التغيير في المجتمع.

ولو عُدنا الى الماضي البعيد لنستشفَّ مكانة المعلم، لوجدنا أن مكانة المعلم كانت مرموقة في كل المجتمعات وبالذات عند حكام البلاد كالخلفاء والسلاطين، إذ لم تكن تخلوا مجالسهم منهم، وكانوا يستشيرونهم في أمر دينهم ودنياهم، واتخذوهم مربين ومعلمين لأبنائهم.

أما عن مكانة المعلم في المجتمع العربي الفلسطيني داخل دولة اسرائيل، فبإمكاننا أن نقول بأنها كانت تحظى بالتقدير والاحترام في سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات لدرجة أنها كانت تفوق في بعض الأحيان والأمكنة، مكانة مختار القرية أو رئيس السلطة المحلية في بلدٍ ما. ويعود ذلك للعديد من الأسباب من أهمها: دور المعلم في مجتمعه، حيث كان دور المعلم لا يقتصر على أداء مهنته في المدرسة فقط، بل كان في كثير من الأحيان يلعب دور المُصلِح الإجتماعي بين أفراد البلدة، مُشاركا إياهم أفراحهم وأحزانهم، وناشرا الثقة في نفوسهم بمدى نجاحه لعمله ومدى احترامه لنفسه وللآخرين، وبما يحمله من أخلاقيات وقيم وبضمنها القيمة السياسية. وكان باستطاعة المعلم أن يقوم بهذا الدور لتوفر المناخ الإجتماعي والتعليمي والتربوي والسياسي لذلك، فالمعلم كان المصدر الأول لاستقاء العلم والمعرفة، كما أن ندرة المعلمين في تلك السنوات ساهمت في رفع مكانة المعلم وكانت مؤشرا على جودته، إذ من هم الذين كانوا يُسمح لهم بمتابعة دراستهم الثانوية أو الأكاديمية، وبالذات الإناث؟ أليسوا أولئكَ الذين تمتعوا بمستوى تحصيلي جيد في دراستهم، بالإضافة الى طموحهم ورغبتهم وإصرارهم على العلم والتعلم ولديهم المقدرة على تخطي صعوبات تلك الفترة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية ؟!

ولكن المشهد اليوم ومع الأسف الشديد قد تغير، فلم يعد للمعلم هذه المكانة والتقدير الذي كان يحظى بهما في السابق، وتغير واقعه في المجتمع من شخص محترم ذي قيمة، الى شخص تدنَّت مكانته واستبيحتْ كرامته، فهو اليوم أصبح عُرضة للإهانة والعنف النفسي، وعُرضة للضرب والتنكيل. فخلال الشهر الأخير فقط، تعرض ثلاثةٌ من المربين للضرب والإهانة من قبل طلابهم مثل الذي حدث في قرية كفر كنا، أو على أيدي أولياء أمور طلاب مثل ما حدث في قرية شقيب السلام ومدينة الطيرة.

صحيح أن ظاهرة العنف في المجتمع العربي الفلسطيني داخل دولة اسرائيل، أصبحت من أهم أولويات أصحاب القرارات وممثلي الجمهور العربي بسبب تعاظمها يوما بعد يوم وبسبب تداعياتها على أفراد المجتمع، وصحيح بأنها طالت مدارسنا، حيث أظهر التقرير الصادر عن مؤسسة امتحانات النجاعة والنماء التابعة لوزارة التربية والتعليم لسنة 2014، أن نسبة العنف في المدارس العربية في إسرائيل قد ارتفعت بمقدار الضعف عما كانت عليه سنة 2010، غير أن مشاهد العنف تجاه المربين في مدارسنا في السنوات الأخيرة، تظل هي الأقسى والأكثر ايلاما لرمزية مكانة المعلم في حياتنا. لذا، لا يجب التغاضي والسكوت عن العنف تجاه المعلمين بتاتا، فقد دلت المعطيات على أنه من بين كل عشرين معلم هناك معلم قد تعرض للعنف، إذن، توجب البحث في أسباب وتداعيات هذا الأمر، ولا يجب الإكتفاء بشجبه بالقول عنه بأنه أمرٌ مرفوض ومستهجن، ولا يصِّحُ بأن نكتفي كذلك بالقول عنه : "هذا اختراق للخطوط الحمراء"، لأن كثيرا من الخطوط الحمراء قد اختُرقت منذ زمن في مؤسساتنا التربوية وفي مجتمعنا عامة. ألم تُحرق مدارس؟! ألم تُسرق مدارس؟! ألم يُعتدى على معلمين ومديرين لدرجة القتل؟! ألا نسمع عن " قلة قيمة المعلم" كل يوم تقريبا عبر وسائل الإعلام المختلفة، إما جهارة وإما بشكلٍ مبطن ؟! متى يُستضاف المعلم ويظهر في وسائل الإعلام؟ أليس عندما يكون في موقف ضعف كأن يكون مشتبها في قضية ما، أو عندما يكون قد تعرض للعنف كالحاصل هذه الأيام؟! أكاد أجزم بأن وسائل الإعلام هي أحد العناصر التي تساهم في تشويه صورة المعلم أمام المجتمع، فعلى سبيل المثال، عندما يعدوّن لأمر جيد يقولون : "هناك الأطباء والأدباء والمحامون والأكاديميون... وكأن المعلم ليس أكاديميا أو مثقفا، وليس هو الذي علمّ وربّى وأعذّ الطبيب والمحامي وغيرهما. ثم كم من طالب استمع لذويه أو لأناس في مجالس عامة (وبالطبع لوسائل الإعلام) يتحدثون اليوم عن تدني مستوى المعلم العلمي والمهني، عن راتبه، عن كثرة وطول إجازاته ... ثمّ كم مرة سمع وعَرف الطالب وأهله عن تعامل المدير والمفتش وغيرهما من أصحاب المناصب، بفوقية تجاه المعلم؟! ثم كم من مرة هُضمتْ حقوق معلمين ولم يكن هناك نصير لهم؟! قال المفكِّر المغربي، المهدي المنجرة : إذا أردتَ هدم حضارة أُمة ، فعليكَ بثلاث:
1. إهدم الأسرة بتغييب دور الأم (دعها تخجل من كونها ربة بيت).
2. إهدم التعليم، وعليك بالمعلم، قلِّلْ من قيمته في المجتمع حتى يحتقره طلابه.
3. إهدم المرجعيات وهم العلماء.

ثمّ كم من مرةٍ، طلب بعض أولياء الأمور من المعلمين بأن يقتصر دورهم (دور المعلمين) على تدريس المواد التعليمية وبشكل جيد لأبنائهم، ويتركون لهم أمر التربية، حتى أصبح المعلمون يهتمون بقضية التعليم ويتركون قضية التربية؟!
هنا، في هذا المقال والمقام، لن يتم التطرق الى العوامل والمسببات التي أدت الى تفاقم ظاهرة العنف في مجتمعنا بشكل عام أو في مدارسنا بشكل خاص، فهي متعددة ومتداخلة ومركبة ;كما أنه ليس هذا هو الهدف من المقال، وإنما الهدف هنا هو تسليط الضوء على ظاهرة خطيرة، ألا وهي ظاهرة التعدي على المعلمين، ولكي يتم البحث وإعادة التفكير بكل ما يتعلق بالعملية التربوية من سياسات، رؤى، مناهج وخطط، ثم طرح الإسئلة ومحاولة ايجاد الإجابات عنها. وهذا، من وظيفة المسؤولين وكل الأطراف التي لها علاقة بالعملية التربوية في مؤسساتنا التربوية والمجتمعية. كما أنه وجب التنويه الى أن هناك مسؤولية ما، تقع على المعلم في تدني مكانته وفي الوضع الذي يعيشه اليوم في أماكن عمله، لكن المسؤولية بمعظمها تقع على المسؤولين وأصحاب القرارات. وحتى ولو كان اليوم هناك معلما موجودا في مهنة التربية والتعليم، وغير ملائم لهذه المهنة ، فإنه ليس هو المذنب، وإنما المذنب منظومةٌ معقدة ومركبة ومتداخلة المصالح والقوى.

* جميلة شحادة، مربية وإخصائية تربوية - الناصرة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة