الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

سياسة ترامب الغامضة وتغلغل الإرهاب/ بقلم: ايميل خوري

كل العرب
نُشر: 24/01/17 08:47,  حُتلن: 08:49

ايميل خوري:

الواقع أن لبنان عاش وقتاً على تسوية "ميثاق 43"، فوصفها البعض بـ"سلبيتين لا تصنعان أمة"

لا شك في أن اتفاق القوى السياسية الأساسيّة في لبنان على صيغة نهائية له يساعد على جعل الدول المعنية بوضعه وبوضع دول المنطقة تؤيّدها

ترى أوساط ديبلوماسية وسياسية أن يركّز الحكم في لبنان اهتمامه على معرفة أي سياسة سينتهجها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في المنطقة لكي يعرف لبنان مكانه ومكانته فيها، وأي صورة ستعطى له قبل أن يفاجأ بما لم يكن يتوقّعه وبما لا يرضيه.

لقد أعلن الرئيس ترامب الخطوط العريضة لسياسته في خطاب القسم، والمهم فيها هو عند الدخول في تفاصيل ترجمتها.
والسؤال الذي يتبادر الى الأذهان بادئ ذي بدء هو: أي شرق أوسط جديد سيقوم في عهده؟ أهو شرق أوسط تعتمد فيه كل دولة النظام الديموقراطي، أم النظام الذي يلائم طبقة الشعب في كل دولة؟ أهو النظام الفيديرالي الذي كان دعا إليه غير مسؤول في عهدي الرئيس بوش الاب والرئيس باراك أوباما؟ أهو النظام الكونفيديرالي لأن الحروب السياسية والمذهبية التي ضربت أكثر من دولة في المنطقة جعلت من الصعب إعادة التعايش الدائم فيها إلا باعتماد نظام جديد؟
إن السنة الجارية قد تظهر فيها حقيقة السياسة الأميركيّة في العهد الجديد. أهي سياسة المواجهة وخلق الاضطرابات، أم سياسة التهدئة والحلول من خلال تحالفات جديدة تقوم على تقاسم النفوذ ولا سيّما بين الدولتين العظميين أميركا وروسيا دونما حاجة إلى شركاء، بحيث يغني التحالف الأميركي – الروسي عن عقد أي تحالف آخر؟

يرى بعض المراقبين أن الحل السياسي الذي يُعمل له في سوريا قد يكون أساساً أو نموذجاً لحلول أخرى في دول المنطقة. لذلك مطلوب من لبنان مواكبة هذا الحل لمعرفة أي صورة سترسم له. هل تكون صورة الحل في سوريا على صورة الحل في لبنان، أم يكون للبنان صورة خاصة به بفعل تركيبته السياسية والمذهبية الدقيقة التي لا ديمومة لها إذا لم تحصّن بصيغة مقبولة من كل المكوّنات فيه؟
لا شك في أن اتفاق القوى السياسية الأساسيّة في لبنان على صيغة نهائية له يساعد على جعل الدول المعنية بوضعه وبوضع دول المنطقة تؤيّدها، في حين أن خلاف هذه القوى يجعل الخارج يرسم للبنان صيغة حتى وإن لم تكن مقبولة. هل هذا يجعل الرئيس ميشال عون يدعو الأقطاب الى طاولة حوار للبحث في صورة لبنان المستقبل كي يصار الى تسويقها لدى الدول المعنية قبل أن ترسم هي هذه الصورة مستفيدة من خلاف الأقطاب فيه على رسمها؟
لقد أعلن الرئيس ترامب أنه مع "أميركا أولاً"، وكانت قوى سياسية في لبنان أعلنت قبله أنها مع "لبنان أولاً"، لكن بات عليها أن تتفق على ترجمة ذلك كي لا يظل لبنان يعيش على التسويات الموقتة بل على الحلول الدائمة والثابتة. فقد آن أوان الاتفاق على أي لبنان نريد كي يستمر ويدوم، ولا يظل كل طرف يريده وفق مزاجه، منهم من يريده عربي الهوية والانتماء، ومنهم من يريده لبنانياً صرفاً وصافياً، ومنهم من يريده فيديرالياً أو كونفيديرالياً، منهم من يريده "هانوي" ومنهم من يريده "هونغ كونغ".
لقد ورد في "اتفاق الطائف" ان لبنان هو "وطن نهائي لجميع أبنائه"، وهذه العبارة تعني أن هناك من لا يعتبره كذلك. فلبنان منذ 1943 وهو يجتاز تسوية بعد تسوية من دون التوصل الى حل نهائي يديم العيش المشترك فيه. فالتسويات لم تكن سوى هدنة بين حروب لم يعد لبنان يتحملها وبات مطلوباً الاتفاق على حل نهائي للبنان وكيف نريده، وقد يكون الحل الأمثل في رأي سياسيين ومفكّرين هو الذي ينطلق من دور له في الأمم المتحدة، بحيث يكون مركزاً دولياً لحوار الأديان والحضارات في العالم بموجب قرار يصدر عن الأمم المتحدة، لأن أهمية لبنان ليست في مساحة أرضه ولا بعدد سكانه إنّما في دوره، شأنه في ذلك شأن "الأونيسكو" في باريس و"الفاو" في روما. وهذه الفكرة طرحها رؤساء جمهورية سابقون للبنان في الأمم المتحدة وفي مؤتمر الفرنكوفونية ولاقت ترحيب كثير من القادة. فعلينا أن نسعى إلى إعطاء لبنان وظيفة معينة في العالم، وهذه الوظيفة هي أن يكون مقراً للحوار بين الأديان والثقافات. فالأديان في جوهرها كما كان يكرّر القول السفير فؤاد الترك، رحمه الله، عنصر توحيد، والدين هو علاقة الإنسان بربّه، أما الطائفية فهي المتاجرة بالدين.
الواقع أن لبنان عاش وقتاً على تسوية "ميثاق 43"، فوصفها البعض بـ"سلبيتين لا تصنعان أمة". وعاش بعد حوادث 58 على تسوية "لا غالب ولا مغلوب"، ولا يزال يعيش بعد حرب الـ 75 الى اليوم على تسوية "اتفاق الطائف" الذي وصفه البعض باتفاق "الضرورة" والبعض الآخر بـ"القهوة المرّة"، أو باتفاق أنهى الحرب فقط ولم يقم في لبنان الدولة القوية والعادلة لأن تنفيذه كان انتقائياً ولم يكن دقيقاً وكاملاً، ما جعل كثيرين ربما يشعرون بالحاجة الى حلول نهائية تديم العيش المشترك وتحمي السلم الأهلي، لا الى تسويات مرحلية وموقتة تظهر عند الممارسة غبن طرف أو خوف طرف آخر. فهل بات الوضع في لبنان يتطلّب دعوة الأقطاب الى طاولة حوار ليقرروا أي لبنان دائم وثابت يريدون، خصوصاً على أبواب مرحلة تغيير قد تشهدها المنطقة، وعلى لبنان أن يعرف مكانه ومكانته فيها قبل أن يحدد أي خارج مكاناً له لا يليق به.

 نقلا عن جريدة النهار

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة