الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 10:02

العالم العربي بحاجة لمصر - بقلم: ثائر ابوراس

كل العرب
نُشر: 15/01/17 19:38,  حُتلن: 19:41

في الذكرى السادسة للثورات العربية يبدو الوضع قاتما ومن دون افق نحو دولة المواطنة والحرية التي طالبت بها الشعوب. سوريا واليمن في خضم حروب اهلية لا نهاية لهما ومصر تعيش تخبط اقتصادي واستقرار سياسي هش في ظل حكم العسكر. اما ليبيا تعيش انقسام سياسي وتحدي ارهابي دون وجود حكومة مركزية واحدة. استمرار الحروب وعدم الاستقرار في المنطقة أثر سلبيا على دول لم تشارك في انتفاضات 2011 كالسعودية مثلا التي تعيش معضلة حقيقية تخص امنها الاقتصادي المستقبلي.


هذه التحديات المتراكمة لدول المنطقة تجعلنا نتسأل: ما هي المشكلة الاساسية التي تواجه نهضة عربية لإصلاح الاوضاع السياسية؟ بكل بساطة, الجواب هو "مصر" او بالاحرى غياب مصر عن الساحة العربية. العالم العربي يعيش افول مصر الاستراتيجي منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1979 و منذ العام 2011 نشاهد الغياب الكلي لمصر على الساحتين العربية والدولية.


اهمية مصر تكمن بكونها الدولة المحورية والمهيمنة في المنطقة, فمصر هي اكبر دول المنطقة من حيث عدد السكان والدولة العربية الوحيدة الممتدة على قارتين, تربط بين اسيا والغرب عبر قناه السويس ولها جيش قوي على مستوى الاقليم. خصائص مصر, تاريخها وقدرها الجغرافي جعلوا من "ام الدنيا" القوى الاقليمية المهيمنة. ادبيات العلوم السياسية تتحدث كثيرا عن دور الدول الاقليمية المهيمنة (Regional Hegemons) في العلاقات الدولية. فبحسب الخبراء، لا يمكن لمنطقة ان تنهض اقتصاديا وسياسيا بغياب القوى المهيمنة. فامريكا اللاتينية على سبيل المثال شهدت نهضة اقتصادية قوية في العقد الماضي. السبب الرئيسي لهذه النهضة الاقليمية كانت نهضة البرازيل الاقتصادية. فالنهضة البرازيلية جعلت رأس المال بذالك البلد يبحث عن استثمارات جديدة في الخارج, اغلبها صب في دول الجوار. دول منطقة جنوب افريقيا كبوتسوانا وناميبيا شهدتا ايضا تقدم اقتصادي متين في العقدين الاخيرين, وجزء من هذا النجاح يعزى لجمهورية جنوب افريقيا التي نجحت ببناء دولة ناجحة نسبيا على مستولى افريقيا بعد انهيار نظام الابرتهايد هناك.


ادبيات العلاقات الدولية تحدثنا ايضا ان غياب الدول المحورية يساهم في تفاقم الاوضاع في الاقليم. ففشل دول امريكا الوسطى بالالتحاق بجيرانهم بجنوب القارة يعزى نسبيا للتخبط الامني والاقتصادي التي تعيشه الدولة المهيمنه في تلك المنطقة وهي المكسيك. العالم العربي موجود بمكان شبيه لأمريكا الوسطى. فبغياب القوى المهيمنة في العالم العربي صعدت دول بديلة مثل السعودية التي لا تملك مشروع نهضوي او تركيا الغير قادرة على قيادة المنطقة او ايران الغير مرغوب بها من قبل اغلب دول المنطقة. بغياب مصر عن الساحة العربية برزت قوى طامحة كقطر والامارات والسعودية , كل هذه الدول لعبت دورا سلبيا بتأجيج الاقليم لمصالحها الاقتصادية والامنية المرتبطة اصلا بمنظومة عالمية غير معنية بنهضة عربية. فالريادة الاماراتية على سبيل المثال ادت لانقلاب عسكري على نظام ديمقراطي فتي, وقطر قامت بتأجيج صراعات اهلية دموية في السودان وليبيا وسوريا واليمن. اما السعودية التي تمتلك ما يقارب 20% من الاحتياط النفطي العالمي و بعد 80 عاما على اكتشاف "الذهب الاسود" ما زالت السعودية تعاني من مشاكل انمائية اساسية كالامية والبطالة وغياب تام للحريات الفردية والجماعية. اذا لا غرابة انها ما زالت تعتمد كليا على العمالة الاجنبية في كل مرافق الحياة العلمية والعملية. هذا لا يمنع الدولة السعودية ان تتصدر لائحة اخرى اسوة بأخواتها في الخليج قطر والامارات وان تكون في لائحة الدول العشر في العالم الاكثر شراءا للسلاح وتاريخنا الحديث اثبت ان التسليح والعسكرة لا يساهما بنهضة سياسية.


لذالك, علينا ان نفهم ان عودة مصر هو شرط اساسي لحل ملفات المنطقة التي تزداد تعقيدا كل يوم. الطريق الوحيدة لعودة مصر لريادة المنطقة هو بمصالحه تاريخية بين كل اطياف الحياة السياسية المصرية. التخبط الامني وعدم القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية سببها عدم الاستقرار السياسي وملئ السجون بنشطاء وسياسيين معارضين وعلى رأسهم الرئيس السابق مرسي. المصالحه تكمن بالاجماع على دستور وطني يحفظ للجميع حقوقة والتعاون بين كافة مؤسسات الدولة تحت دستور ضامن لحقوق جميع المصريين يذهب من بعده المصريين لانتخاب مؤسسات حكمهم. لكي تتغلب مصر على تحدياتها الاقتصادية عليها ان تقوم باصلاحات اقتصادية جذرية، بعضها مؤلم كرفع الدعم عن سلع اساسية بالاضافة لرفع الضرائب على الطبقات الميسورة وخفض موازنات انمائية للسنوات المقبلة ولا يمكن القيام باصلاح اقتصادي شامل دون اجماع وتوافق كل القوة السياسية.


غياب اي بديل حقيقي لمصر يجعل عودتها في حال قامت باصلاحات داخلية مسألة طبيعية. فتخبط الدول الاقليمية كتركيا وايران هو في صالح مصر التي ترى في تلك الدولتين خصم استراتيجي. بالاضافة, السعودية التي لم تعد تسيطر على اسعار النفط العالمية كما كان في السابق وبغياب اي مصدر انتاجي بديل ستضعفها اقليميا. تهاوي التأثير السعودية هو حدث ايجابي جدا لمصر حيث ان السعودية كانت وما زالت عائق اقليمي غير معني بنهضة دولة مركزية كمصر. المستقبل يبدو مشرقا جزئيا في القاهرة ايضا حيث تم ايجاد سادس اكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم في البحر المتوسط سيتم بيعه للاسواق العالمية بحلول العام 2019. هذه العوامل الاستراتيجية مجتمعة تضع مصر في مكانة جيدة لقيادة العالم العربي اذا ما تمكنت القاهرة من حل مشاكلها الداخلية.
الانحدار الخطير للعالم العربي يضع المصريين امام امتحان تاريخي, اما ان يقبلوا الدور الذي قدر التاريخ والجغرافية لهم او الاستمرار بالغياب واللا مبالاة, ما سيؤدي في نهاية المطاف لانهيار وتقسيم مصر.

 العالم العربي بحاجة لمصر - بقلم: ثائر ابوراس -الكاتب طالب لقب ثالث بالعلوم السياسية في جامعة ماريلاند في الولايات المتحدة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة