الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 13:01

التطوّع/ بقلم: يثرب سعيد

كل العرب
نُشر: 05/12/16 17:32,  حُتلن: 17:35

يثرب سعيد في مقالها:

دخلت جمعية نساء ضد العنف للتطوّع على خط المساعدة لضحايا العنف الجسدي والجنسي بها كانت نقلة نوعية بالنسبة لي

كوني من محيط تقليدي محافظ ليس بالسهل التحدي والوصول إلى هذه المرحلة من الإصرار والاستمرار بهذا الإطار والصمود

كان بالنسبة إلي تحدٍ كبير في أن أتمكن من تكسير قيود كثيرة تشبع بها عقلي ووجداني منذ ولادتي

في البارحة كان مفهوم التطوع بالنسبة مفهوماً فارغاً لا قيمة له، واليوم دولتنا ووزارة المعارف أدخلت مفهوم التطوع على المرحلة الثانوية وبالإجبار كي ينهي الطالب الثانوية

من منا سأل نفسه، ما الهدف من ساعات التطوع هذه ولماذا الآن؟ ولماذا هذا القانون لا يسن منذ سنوات سابقة؟ 

التطوّع من أثمن القيم الأخلاقية والإنسانية التي يمتلكها الإنسان ويبذلها بلا مقابل، إسهاماً منه في تحمل المسؤولية تجاه محيطه العائلي أو الاجتماعي. وفي زمن التبدّلات والتغيرات المجتمعيّة، يسأل البعض عن هذه القيمة التي ربما خفّ مفهموها أو ندرت، بفعل موجة العصرنه التي جرفت معها الكثير من القيم، لصالح العلاقات الماديّة المبنيّة على المنفعة المادية، واستغلال العلاقات مع الأفراد والجماعات، لتحقيق الكسب المادّي والربح الوفير.

لم أكن اعرف أن هناك شيء يسمى تطوع وعطاء، ولم أكن أدرك ما يدور في مجتمعي كما اليوم. عندما يكون الإنسان فارغاً دون أهداف يسعى لها تكون كل المفاهيم والثقافة ليست ذات أهميه بالنسبة إليه، ويتعايش مع تذويتات فرضت عليه ويتماشى معها، فيتكلم ويطرح آراء وأفكار ليست بآراءه، إنما المحيط فرضها عليه ترسخت فيه، تماما هكذا كنت...

منذ أن أدركت إلى نفسي وصحوت من غفلتي شعرت بفشل كبير، كأنني تائه في صحراء وأبحث عن ذلك الضوء لأجد بصيص أمل أتشبث به، وعندما وجدته بدأت بصقل شخصيتي وأخطو خطواتي الأولى نحو تحقيق أهدافي وطموحاتي، فانكشفت على جوهرة تسمى التطوع وأي تطوع كان.

دخلت جمعية نساء ضد العنف للتطوّع على خط المساعدة لضحايا العنف الجسدي والجنسي بها كانت نقلة نوعية بالنسبة لي، انفتحت على تلك الأفكار الجديدة، وها أنا أتعايش واستمع لحالات عنف واعتداءات ومواضيع للمرة الأولى في حياتي، شيء مؤلم وواقع أليم. لم يكن عالمي التي كنت أتوقعه يوماً، لم يكون سقف توقعاتي يوماً أن أحظى بمثلا هذه الجمعية وهذا الإطار، عندما بدأت أتعمق في عالم وأهداف الجمعية بدأت أتحدى وأصقل شخصيتي على أساسيات أنا اختارها باختياري بكل قناعاتي، بدأت اشعر أنه كل كلمة أنطقها وانتمائي وشعاراتي باتت حقيقية وليست حبراً على ورق.

كوني من محيط تقليدي محافظ ليس بالسهل التحدي والوصول إلى هذه المرحلة من الإصرار والاستمرار بهذا الإطار والصمود، كان بالنسبة إلي تحدٍ كبير في أن أتمكن من تكسير قيود كثيرة تشبع بها عقلي ووجداني منذ ولادتي.
كنت أجلد في اليوم مئات المرات من محيطي الذي كان مفهومه لما يسمى التطوّع معدوم، فتاة مثلي ولا يوجد في بيتها عنف ولا تتعرض لاعتداء، ما هو سبب تواجدها في جمعية نساء ضد العنف؟ فتاة مثلي لم تظهر عليها آثار العنف، ما سبب وجودها بمثل هذا الإطار؟ فتاة مثلي من أعطاها القوة لتكون جريئة وتعلن انتسابها لهذا الإطار؟ في كل جلدة وعقبة كان يضعها أمامي أفراد مجتمعي كنت أتمسك فيما أسعى إليه وأحمله من روح العطاء والتطوع، بدأت أشعر بشيء بداخلي يدفعني بقوه لأتواجد في هذا الإطار، كنت أشعر بان اليوم ولدت والآن بدأت مسيرتي.

ففي البارحة كان مفهوم التطوع بالنسبة مفهوماً فارغاً لا قيمة له، واليوم دولتنا ووزارة المعارف أدخلت مفهوم التطوع على المرحلة الثانوية وبالإجبار كي ينهي الطالب الثانوية ووحدات البجروت عن طريق ساعات العمل التطوعية. من منا سأل نفسه، ما الهدف من ساعات التطوع هذه ولماذا الآن؟ ولماذا هذا القانون لا يسن منذ سنوات سابقة؟

ها أنا أفكر وجمعينا نتكلم أن هذه الخطوة هي ما تسمى الخدمة المدنية المبطنة تحت شعار المدارس والوحدات التعليمية، بشكل جميل ولائق، وها هي دولتنا أدخلت الخدمة المدنية بشكل سلس لمناهج أولادنا التعليمية بأسلوب أنيق، ونحن فقد استقبلنا هذه الفكرة دون أدراك تام وتمعن كبير بها، وسعينا جاهدين مع أولادنا لوجود مكان يختمون به هذه الساعات الإلزامية. لماذا ننتظر مثل هذه الخطوات المبطنة التي لم نعرف إبعادها ومصير أولادنا ليكون مفهوم التطوع والعطاء وروح الإنسانية مقبول لنا؟ لماذا أصبحنا أشخاص ننتظر العمل بمقابل؟

أرى بأننا أصبحنا أشخاصًا تركزت حياتهم على المادية المفرطة، فنساوم أرواحنا وعطاءنا وإنسانيتنا بالمال مقابل غياب الوعي لما يدور حولنا هذه الأيام، أرى من خلال تجربتي في العمل التطوعي التي في هذا الشهر أنارا شمعتي الأولى على التطوع ألا أنتظر أحدا يرسخ لي مفهوم التطوع، بل أنا من سيرسخه في ذات وفي مجتمعي كي يكون نهجاً تعليمياً جديداً ومعاصراً قادم، في حين أن مفهوم التطوع في واقعنا لم يزد عن كونه جهداً مجانياً يستغله ذوي المصالح لمادياتهم المحضة ومقتهم المريع على حساب زهرات وطموحات الشباب ومسؤولياتهم تجاه المجتمع. في حين أن مفهوم التطوع شيء أنساني لا يقدر بثمن..
ختاما أقول: نادرون هم أولئك الذين يكون العطاء أحد متعهم الخاصة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة