الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 00:02

مجزرة كفرقاسم ـ نحن (الذين) لم نتعلّم الدرس!/ بقلم: سليم سلامة

كل العرب
نُشر: 27/10/16 18:00,  حُتلن: 10:11

سليم سلامة في مقاله:

علينا أن نصارح أنفسنا بحقيقة بدهية راسخة: إسرائيل لن تعي الدرس ولن تتعلمه، من تلقاء نفسها أو عن طيب خاطر! 

نحن عاجزون عن فهم تاريخنا، بوقائعه المثبتة وحقائقه المؤسِّسة. عاجزون عن "استثمار" هذا التاريخ وتكريسه مرجعية مقرِّرة في علاقتنا بالدولة وعلاقتها بنا

كل ما حصل منذ مجزرة كفر قاسم حتى اليوم يؤكد أننا نحن الذين لم نتعلم الدرس.

ثمة إجماع، في تحليلات المجزرة، دوافعها وأهدافها، على أن أحد أهدافها المركزية كان ردع المواطنين العرب في هذه البلاد وتخويفهم لتعزيز سياسة الهيمنة والسيطرة عليهم

استثنائية مجزرة كفر قاسم تمثلت في طريقة التنفيذ، أكثر شيء، لكن ليس في السياسات والتوجهات السياسية ـ الأمنية السلطوية، التي ما زال الهدف المذكور (الردع والتخويف) يشكل عُمدة عناصرها البنيوية المركزية حتى اليوم، في كل ما يتعلق بعلاقة الدولة بنا وممارساتها حيالنا

إسرائيل لن تعي الدرس ولن تتعلمه من تلقاء نفسها وعن طيب خاطر! والمعنى المستوطِن في هذا أن إفهام إسرائيل الدرس وتعليمها إياه، ثم إرغامها على إعادة النظر في رؤيتها الاستراتيجية وتطبيقاتها العملية، السياسية والأمنية ـ هي مهمّتنا نحن

قرأت هذا الأسبوع مقالاً لعضو الكنيست السابق إبراهيم صرصور، "رئيس اللجنة الشعبية لإحياء الذكرى الستين لمجزرة كفر قاسم"، لم تكن قد تسنت لي قراءته وقت نشره (قبل شهر بالضبط). وضع الكاتب لمقالته عنواناً يقول: "مجزرة كفرقاسم: الدرس الذي لم تتعلمه إسرائيل"، يسرد خلاله بعضاً من تاريخ الحركة الصهيونية الإرهابي ـ الاستعماري، ثم يخلص في نهايته إلى القول إن "على إسرائيل أن تعي الدرس الذي لم تتعلمه ولا تريد أن تتعلمه" (من المجزرة).

هذا العنوان وهذه الخلاصة يلخّصان حالنا في دائرة علاقتنا بالدولة كمنظومة سياسية وعلاقتها بنا، منذ المجزرة (29 أكتوبر 1956) على الأقل ـ كي لا أقول من قبلها أيضا ـ حتى يومنا هذا ويفسّران، بالتالي، هذه الحال في سببها الجوهري: نحن الذين لم نتعلم الدرس من المجزرة ويبدو، على نحو مؤكد يدمي القلب ويُجهض احتمالات التغيير، أننا لا نريد أن نتعلمه.

هذه حقيقة مؤلمة، لزام علينا وضعها على طاولة أبحاثنا العامة ومواجهتها بأقصى ما يتطلبه الأمر من جرأة البحث وشجاعة الاستنتاج وجسارة اتخاذ المواقف وترجمتها إلى فعل يجسد عزم الإرادة على التغيير، الفعلي والحقيقي. وما عدا ذلك، يبقى ضرباً من استمراء الكلام المكرور والاحتماء في شرنقة الضحوية القاتلة، كما حدث ويحدث سنوياً في مواسم التذكر والاستذكار ومراسم إحياء الذكرى، على مر العقود الخوالي.

علينا أن نصارح أنفسنا بحقيقة بدهية راسخة: إسرائيل لن تعي الدرس ولن تتعلمه، من تلقاء نفسها أو عن طيب خاطر! وهي حقيقة يبدو تغييبها، في غالب الأحيان أو كلها، متعمَّداً ولا يبث ـ قصداً أم سهواً، لا فرق ـ سوى رسالة واحدة تنطلق في اتجاهين: نحو الداخل ـ إلى أنفسنا؛ ونحو الخارج ـ إلى الدولة ومؤسساتها المختلفة. رسالة مفادها: نحن عاجزون! عاجزون عن فهم تاريخنا، بوقائعه المثبتة وحقائقه المؤسِّسة. عاجزون عن "استثمار" هذا التاريخ وتكريسه مرجعية مقرِّرة في علاقتنا بالدولة وعلاقتها بنا. عاجزون عن تجنيد هذا التاريخ سلاحاً ماضياً في أيدينا. عاجزون عن الإبداع في تحويل هذا التاريخ إلى مصدر قوة ونقطة انطلاق لإفهام الدولة بأننا "لم نعد كما كنا"، وهو شرط لا يمكن بدونه إحداث التحوّل الجذري الضروري في هذه العلاقة الثنائية الاتجاه. وعندئذ، يصبح هذا التاريخ وقوداً يحرّكنا وبوصلة تهدي نضالنا وتوجّه أنشطته في طرق ومسارات تقودنا إلى تحقيق إنجازات حقيقية، تصنع تغييراً جدياً في عمق حالتنا وسيرورة حالنا. وهو ما يختلف، تمام الاختلاف، عن الإنجازات الوهمية ـ في غالبها ـ التي نتغنى بها وعن التغيير السطحي الذي نعلّقه أوسمة على صدورنا فنزهو ونفاخر، دون أن نعي أننا ما زلنا، وسنبقى، نلوك أمجاداً غابرة ونعلك شعارات تؤكد، في محصلة الأمر وتحت السطح، عكس ما تبتغي إظهاره وما نوهم به أنفسنا.

[من باب توضيح الواضح أنوّه هنا، في جملة اعتراضية: لا يقصد هذا الكلام الانتقاص من أية إنجازات تحققت، على ضآلتها، أو من أي تغيير قد حصل، على محدوديته. إنما المعنى المراد هو، باختصار: كان في الإمكان غير ما كان، أكثر منه بكثير وأعمق منه بكثير، لو أننا أحسنّا تعلم الدرس!]

كل ما حصل منذ مجزرة كفرقاسم حتى اليوم يؤكد أننا نحن الذين لم نتعلم الدرس. فثمة إجماع، في تحليلات المجزرة، دوافعها وأهدافها، على أن أحد أهدافها المركزية كان ردع المواطنين العرب في هذه البلاد وتخويفهم لتعزيز سياسة الهيمنة والسيطرة عليهم. ويمكن القول، استطراداً، إن استثنائية مجزرة كفر قاسم تمثلت في طريقة التنفيذ، أكثر شيء، لكن ليس في السياسات والتوجهات السياسية ـ الأمنية السلطوية، التي ما زال الهدف المذكور (الردع والتخويف) يشكل عُمدة عناصرها البنيوية المركزية حتى اليوم، في كل ما يتعلق بعلاقة الدولة بنا وممارساتها حيالنا.

فلو تعلمنا درس كفرقاسم، لما بقيت نضالاتنا على حالها، بمنطقها ورؤيتها، بأدواتها وآلياتها، عقودا فوق عقود، ما يشكل تراجعاً متواصلا يلغي القدرة على التأثير وفرصه، كلياً. ولو تعلمنا الدرس، لما كان يوم الأرض 1976 ولما كان أكتوبر 2000 وما بينهما وما بعدهما، من حيث سهولة الرد السلطوي الدموي وفرض أثمان دموية باهظة علينا، سواء بالجملة أو المفرّق، مع يقينها هي بأن "المياه ستعود إلى مجاريها" سريعاً! ولو تعلمنا الدرس، لما بقي البند الجنائي الذي أدين به يسسخارشدمي ("تجاوز الصلاحيات" ـ بتبكيره موعد حظر التجول في كفر قاسم) مُستخدَما حتى اليوم، يتكرر من جريمة إلى أخرى. ولو تعلمنا الدرس، لما بقيت آلية منح العفو للقتلة المجرمين ـ بعد إدانتهم في محاكمات صورية وفرض أحكام سخيفة عليهم ـ معتمَدَة حتى اليوم. ولو تعلمنا الدرس، لما تحوّل تأكيد المحكمة آنذاك على أن الأوامر كانت "غير قانونية، بالتأكيد" إلى مجرد جملة منسيّة في أوراق المَحاضر المغبرّة. ولو تعلمنا الدرس، لما واصلت السلطات الرسمية اعتبار المجرمين القتلة "يؤدون مهمة رسمية" حتى أصبحت هذه العبارة حجة التبرئة الجاهزة، تستلّها وتُشهِرها قطاعات واسعة جدا من "الرأي العام الإسرائيلي" دفاعاً عن أية جريمة وعن أي مجرم. ولو تعلمنا الدرس، لما كان وضعُنا كما هو عليه اليوم، ليس في مستوى علاقتنا بالدولة وعلاقتنا بها وحسْب، بل أيضاً في مستوى علاقاتنا البينية الداخلية وما يجريعلى ساحاتنا من تقهقر وما يفتك بنا من آفات. هي جدلية لا فكاك منها ولا سبيل إلى إنكارها أو التعامي عنها.

إسرائيل لن تعي الدرس ولن تتعلمه من تلقاء نفسها وعن طيب خاطر! والمعنى المستوطِن في هذا أن إفهام إسرائيل الدرس وتعليمها إياه، ثم إرغامها على إعادة النظر في رؤيتها الاستراتيجية وتطبيقاتها العملية، السياسية والأمنية ـ هي مهمّتنا نحن. وكي نستطيع النهوض بهذه المهمة، علينا نحن أن نتعلم الدرس، أولاً. علينا أن نوقن بأنه إن لم نقم نحن بهذه المهمة، فلن يقوم بها أحد سوانا. هذه هي الحقيقة القاعدية التي لا محيد عن استبطانها، تكريسها وتأكيدها، في وعينا السياسي العام، ثم ترجمتها إلى مشاريع وخطط عملية، في أدائنا السياسي العام.
وباستعارة مقولة مايا أنجيلو، يمكن القول: نقطة البدء، الآن، هي أن نغيّر رؤيتنا، توجهنا، ثم منطق تعاملنا، أدواته وآلياته مع الوضع طالما لا نستطيع تغييره. هذا هو الشرط الأولّ الذي إن تحقق،فسيصبح ولوج مسار تغيير الوضع نتيجة حتمية لا رادّ لها، تحكمه ديناميكيات أخرى.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة