الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 17:02

حين ينتشر الجهل المقدس/ بقلم: د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 26/09/16 14:50,  حُتلن: 17:11

جوني منصور في مقاله:

ما كان يخطر ببالي ولا بفكري ان يلقى ناهض حتر مصيره بهذه الطريقة وعلى عتبة قصر العدل الذي من المفروض أن يرمز فعليا إلى هيبة الدولة

يبدو جليا ان حركات وتيارات دينية تكفيرية منتشرة في الأردن، وهي عبارة عن خلايا نائمة وساكتة إلى ان يحين موعد اطلاقها من عقالاتها، فستعمل على تدمير البلد

أن الاغتيال هذا يعكس صورة رهيبة للوضع والحالة الجاهلية التي من الممكن ان تصل إليها الأمة في ظل تيارات تكفيرية وداعشية تنخر عظام وعقول ملايين من أبناء الأمة

 جاءت عملية اغتيال الكاتب والصحفي والمفكر الأردني ناهض حتر صعقة قوية وضربة مدوية في أروقة الفكر والحياة السياسية والاجتماعية والإنسانية في الأردن وفي سائر البلاد العربية. فالمغدور، والذي التقيته مرتين في العقدين السابقين، كان عروبيا حتى النخاع، معتزا بانتمائه إلى الأمة العربية وتاريخها وماضيها وحضارتها وما قدمته من فكر نير في عصور وحقب عرفت التنوير... معتزا ببيئته المحيطة والتي شعر فيها بنوع من الضمان الآمن له ولعائلته... ومدافعا شرسا عن حقوق الفلسطينيين في وطنهم وارضهم، ورافضا لكل مساومة أي كانت... ومؤيدا وداعما لمحور المقاومة والدفاع عن الأمة وصون حقوقها... والمتضامن مع الشعب السوري وحماة وطنه وأرضه وموروثه من الظالمين ومشروعهم الظلامي التكفيري. وكنت من المواكبين والمتتبعين لكتاباته المستنيرة في نقد المجتمع العربي ورجال السياسة والنهج السياسي سواء في الأردن او خارجه. ولقد تعرض إلى مسلسل من التهديدات، وفي السابق تعرض إلى محاولة قتل فاشلة تركت أثارها على صحته الجسدية.

كل من يقرأ كتابات حتر يدخل مباشرة في نقاش معه، وخصوصا في الجوانب الفكرية... وتكفي جلسة واحدة معه لتدرك انك امام رجل صلب في مواقفه وصاحب معرفة واسعة في مواضيع شتى، وخصوصا في المجال السياسي، وتحديدا في مجال دراسته للحركات السلفية ونموها وتطورها في العالم الإسلامي. كان الحديث معه حواريا حادا في أحيان كثيرة، لكن الرجل حمل أفكارا تنويرية ليبرالية منفتحة بصورة لا يستطيع معها العالم العربي ان يتعايش... العالم العربي الرابض تحت غيوم الغيبيات والفكر التجهيلي والاستهلاك التكفيري، وكأن نهاية العالم قاب قوسين، يجد صعوبة في التفاعل مع فكر تنويري انفتاحي يدعو إلى حرية التعبير عن الرأي والرأي الآخر... عرف حتر ان لا مكان للرأي الآخر في البلاد العربية، هناك مكان واحد او حيز واحد للمقدس السائد والمستولي على عقول البشر من باب الفرض والالزام والتهديد والوعيد... وهذا بعكس ما تتيحه الديانات من حريات معينة وعدم الاكراه في الدين.

ما كان يخطر ببالي ولا بفكري ان يلقى ناهض حتر مصيره بهذه الطريقة وعلى عتبة قصر العدل الذي من المفروض أن يرمز فعليا إلى هيبة الدولة وقوانينها وشرعيتها على المجتمع بأكمله. مقتله عند هذه العتبة وتحت ميزان العدل يحمل في طياته الرموز الكثيرة والدلالات الكبرى لما آلت إليه الحالة السياسية والفكرية في بلد نحبه جميعا ونثمن دوره في خدمة شعبنا.

وهنا لا بد من التذكير بما يلي:
1. اغتيل حتر بمسدس سلفي اعترف بجريمته. وبالرغم من ادعائه أنه لا ينتمي الى أي تيار فهذا هراء بهراء... إنه ينتمي إلى التيار السلفي المؤسس على عدمية وجود الآخر، ورفض أي فكر آخر غير الفكر الذي يؤمن به هذا التيار.
2. الاغتيال هو سياسي صرف، وهو ديني صرف، وهذا هو توجه القاتل المجرم. مع العلم ان حتر العلماني لم يتباهى يوما بدينه او بانتمائه للمسيحية، إذ أنه اعتز بعلمانيته وعروبته، ونادى بحرية المعتقد الديني.
3. يبدو جليا ان حركات وتيارات دينية تكفيرية منتشرة في الأردن، وهي عبارة عن خلايا نائمة وساكتة إلى ان يحين موعد اطلاقها من عقالاتها، فستعمل على تدمير البلد. وهذه الحركات والخلايا لم تعمل من فراغ. كما ان القاتل المجرم لم يعمل من فراغ أبدا.. لقد دبر جريمته ودرسها وخطط لها، وباعتقادي أن ورائه جيشا من المساندين المجرمين.
4. يفترض بالمجتمع الأردني، وخصوصا النخبة المستنيرة تطويق هذا الحادث حالا وسريعا وعدم اتاحة الفرصة لأي مغرض بالاصطياد في المياه العكرة... كي لا ينزلق البلد في دوائر الفتنة الطائفية البغيضة، والتي يحاربها الأردن بكل شراسة...
5. اتاحة الفرص لمساحات اكبر واوسع من حرية الفكر والتعبير عن الرأي وإن كان مخالفا ومغايرا للرأي السائد او الساعي لأن يكون مسودا.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاغتيال هذا يعكس صورة رهيبة للوضع والحالة الجاهلية التي من الممكن ان تصل إليها الأمة في ظل تيارات تكفيرية وداعشية تنخر عظام وعقول ملايين من أبناء الأمة. لقد باتت الأمة رهينة داعشيين تكفيريين وظلاميين سيأكلون الأخضر واليابس ولن يبقى شيئا من أمجاد العرب وعزهم وكينونتهم... ودم هذا الشهيد – شهيد الفكر الحر والمستنير – يروي أرضا تنادي بفتح باب الفكر والحرية العقائدية وحرية التعبير عن الرأي في حدود المنطق والمعقول، وتحرير الأمة من قيود الغيبيات ومحاسبة المجرمين الساعين إلى زج الأمة في غياهب الماضي الظالم والمظلم...
أصبحت الدعوة ملحة الآن وليس غدا، لوضع مشروع لإنقاذ الفكر(أو ما تبقى منه)، وتوفير حماية للفكر التنويري ولدعاته في وجه هذه الموجة من القتل، وتفشي القتلة في ديارنا وربوعنا.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة