الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 10:01

أنتِ لستِ رجلًا/ بقلم: هدى جهاد عقاد

كل العرب
نُشر: 05/09/16 09:43,  حُتلن: 14:43

قِفي في اي مكانٍ ترينَ مِنْه اِنبلاج الصبحِ وأنصتي إلى أنفاسِ الطبيعةِ، ستُدركين وقتئذٍ بأنَّكِ لستِ رجلًا!..
أمعني بتحركاتِها وهي تَنسجمُ بكيفيَّتِها وكلِّياتها مع فطرة خَلقِها ولا تنازِعُها، فالطبيعة أنثى عريقةٌ تمدُّ بهاءها وخضرتها حيثما أُتيح لها؛ فأينما خَصُبَت الارض كانت حلالًا عليها وأينما بارت كانت حدًّا لِتماديها، وهي الأُمُّ الأولى تَلِدُ ما عليها بِإِذْنِ رَبِّهَا وتكفل صغارها في حضانتِها ليكبروا ويَنْموا تامِّي العافية، هكذا لتُعلِّمكِ فنَّ الحياةِ فَتَعلَّمي!..
قد حباكِ الله بمزايا لكِ أنتِ فقط، فلا تتنكّري لحقيقتكِ وتُناقِضيها بل عيشي معها بِسلام، ولا ترفضي طيباتِ ما رُزِقْتِ طمعًا بِمَا هو ليس لَكِ، فإنَّ الرّغبةَ بالَّذي في يد الآخرين عادةٌ سيِّئةٌ فَتجنَّبيها.
أنتِ قوية ومُؤثرة.. أنتِ جميلة ومُحسِنَة.. أنتِ صاحبة فِكرٍ ناهضة.. وأنتِ لستِ رجلًا !..
اِعقِلي! حين تَزعُمين السَّعيَ إلى النَّهضةِ، فإنّ أساسَ النهضة سلامةُ التفكير، فَاعْقلي. أترين أنّ منصب الرجل شرف لك؟! وأنَّكِ إن لم تكوني مِثلهُ فأنتِ دونَهُ؟! أهذا تصوُّرُكِ؟!! وتظنين إن أرغمتِهِ على القِيامِ بـِما هو من شأنِك ظفَرتِ بِفَوزٍ في المُنافَسةِ السَّاذجة التي تخوضينها لتحقيق ما تُسمِّينه "المساواة"؟!
لماذا ؟ أتعتقدين أنّ واجباتِك خسيسةٌ فتريدينه أن يتحمَّل مثلما تتحمَّلين؟ أم أنّك ترَينَ في القيامِ بِمَا عَلَيْهِ هو تكريمًا فأردتِ أن تَحْظَيْ بما عنده من كرامة ؟!
أهذا فِكرٌ ناهض أم أنَّها انهزامية نفسيَّة تكشفُ انعدامَ ثقتكِ بِطبيعة ذاتِكِ وحَسَدكِ وعادَتكِ السَّيِّئَة تلك.
توقفي عن الصراخ والولولة من أجل إقحامِ نفسكِ في مساحتهِ الخاصَّة لأنَّكِ بذلك تظهرين بمظهر المُعدَم المتطفِّل، وتدفعينَهُ للشعور بالغطرسة ورِفعَة المقام، رَغم أنَّك تملكين مساحتكِ الواسعة حيث يُمكنكِ ان ترتقي وتكوني امرأة حقيقية بكلّ فخر.
أنتِ أمٌّ قبل أيّ شيء لأنك إن سقطتِ من رُتبة الأمومة فإنَّها القاضية !.. لكِ ولَنا.. ذلك أنّكِ عاندتِ غريزة مغروسة في كلِّ كائنٍ أنثوي من بشر وما دونه من الكائنات، فهي - انطلاقًا من كونها غريزة - قانونٌ في أصولِ استمراريَّة الحياة، فإذا كانت جميع المخلوقات وإن سَفُلَت تُؤدي هذه المسؤولية بِوَلعٍ وإبداع فإلى أيّ انحطاط أوصلتِ نفسكِ ، وإلى أيِّ مرتبة هبطتِ بِها ! ، ولا عجب في مقولة القائل: " إذا أردتَ أن تهدمَ حضارة فهناك ثلاث وسائل؛ أولها هدم الأسرة، ولكي تهدم الأسرة عليك بتغييب دور الأم، اجعلها تخجل بوصفها ربة منزل..". فحذارِ أن تمضي في إفسادِ حضارَتِكِ إبانَ ترديدكِ لكلامٍ أجوف: لِ"نبني" مجتمعًا عصريًا مكونًا من جنسٍ واحد.
وأنتِ من ثُمَّ حاضرة بارزة في مختلفِ الميادين، ولَكِ فيها أدوار جوهرية، ومن سِواكِ يَسُدّ الثغراتِ التي عجز عنها الرجل ، مساحة تحركك شاسعة تتقاطع مع مساحته ولكن لا تحويها كما أنه هو أيضًا لا يحوي ما عندك. ولهذا خُلِق البشر إناثًا وذكورًا لِيَعمروا الدنيا معًا، بحيث تنسجم كلّ نٓفْسٍ مع طبيعتها ولا تتمرد عليها وبذلك نصنع حياة متكامِلة مُريحة، تندمج فيها قدرات الطرفين وميولهما اندماجًا يُتِم صورة العيش السليم المثالي، صورة تحملُ لنا التكامل والمُشاركة وليس التنافس والقهر.
ولنا في رسولِنا أسوة حسنة؛ قائد دولةٍ عَلَتهُ الهيبة مُوَقَّرٌ يُؤدي دوره في خدمة بيتهِ فيَخيطُ ثوبَهُ ويَخصِفُ نعلَهُ ويحلِب شاتَهُ، وفي بيتِهِ مستندًا الى زوجتهِ يستئذن لِيقضي آخر لحظاتِهِ صلى الله عليه وسلّم. أما زوجته عائشه فقد كانت أُمّا لِأُمّةٍ فيها من أصناف النَّاس وألوانهم ما يُعجِب، إلى جانب كونها مدرسة قائمة بذاتِها حيث قال فيها الإمام الأزهري: "لو جُمِعَ عِلْمُ عائشة الى علم جميع أمهات المسلمين وعلم جميع النساء لكان علم عائشه أفضل". ذلك لِما فَقِهَت وشملت من سنّتِهِ صلى الله عليه وَسَلَّم، فما أشكل على أصحاب النبي مسألةٌ إلَّا وَجدوا عندها ما يجلو حيرَتَهم، وها هي تتبنى موقفًا سياسيًّا وتَتَمَثَّلُ بِه في الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، بل تتعدى ذلك إلى المشاركة الفعلية في معركة الجمل، إلّا أنها ما استرجلَت وَثارَت لِتُنازِعَ الصحابة على منصب الخليفة مثلًا وهي زوج رسول الله وكبيرة الفقهاء، وما ارتدَّت عن قولِها لِأبي موسى: " إنَّما أنا أُمّك".
فَلَيْس عَيبًا أصابَكِ أنَّكِ لستِ رجلًا.. ولكنَّ العيبَ هو أن تَرفضي كَونَكِ امرأة.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة