الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 07:01

القتل بإسم غسل العار.. بأيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ؟!/ بقلم: مرح جهاد حجلة

كل العرب
نُشر: 28/11/15 13:05,  حُتلن: 18:20

مرح جهاد حجلة في مقالها:

القتل بإسم "غسل العار" لا يقلل من قيمة جريمة القتل أبدا ولا يعطي مرتكبها أي أفضلية في أن يكون غير مجرم او للتخفيف عن القاتل

أحكام الشريعة المرتبطة بالزنا موضوعة تحت اسس وقواعد وقوانين سنية ولعل اهمها وجود اربعة شهداء يشهدون بأنهم رأوا فعل الزنا يحدث امامهم وشاهدوه بأعينهم وهذا شبه مستحيل

الفتاة وحدها لا تُذنَّب بفعل الزنا بل هو عمل مشترك بين رجل وامرأة مما يعنيه بأن الشريعة تذنِّب كلا الجهتين بنفس النسبة فهو ليس بأمر يفتعل لوحده وابدا لا يعني بتذنيب احدهم اكثر من غيره

لم تَكن جرائم القتل على خلفية الشرف عادية ابدا بل كانت دائما وما زالت مكروهة ومنبوذة من أي مجتمع دولي او محلي كان فما هي الا وصمة عار ومدعاة للخجل وإن دَلَّت كثرتها فلا تدل الا على قلة ثقافة فكرية، تربوية ودينية لمرتكبي تلك الجرائم البشعة فما أقبح من ذنبهم الا عذرهم.

منذ بداية السنة الحالية وقد شهدَ مجتمعنا العربي العديد من جرائم القتل التي صنفت تحت عنوان "جرائم شرف". والتي وصل عدد ضحاياها حتى الآن الى ستة – وطبعا هذا العدد في تزايد - من نساء وفتيات من خيرة هذا المجتمع كُنَّ فتيات في مقتبل العمر او نساء عاملات مؤثرات في مجتمعهن و"بنات عيل" حيث لجميعهن كان عائلات يحتجن لهن فإحدى تلك النساء المغدورات – رحمها الله – كان لها 4 اولاد يُتموا بذنب لم يقترفوه.

إن إرتكاب جرائم الشرف أبدا لم يكن أمرا محللا فعله، فالقتل بإسم "غسل العار" لا يقلل من قيمة جريمة القتل أبدا ولا يعطي مرتكبها أي أفضلية في أن يكون غير مجرم او للتخفيف عن القاتل فكل من يرتكب جريمة قتل بسبق الاصرار هو قاتل وحاله كحال أي مجرم مرتكب لجريمة القتل عمدًا، فليس من حق أي شخص وضع حد لحياة شخص آخر. فالحياة هبة من الله والله عز وجل وحده من يحق له استعادة ما يملك وعلينا ألا نغفل أبدا عن تعاليم ديننا الاسلامي الكريم او عن كتابه السماوي في إفتائه في القتل حيث قال تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) {المائدة: 32} وأيضًا ذكر تحريم القتل في الانجيل، وكان من الوصايا العشر لسيدنا موسى عليه السلام، فالقتل حرام بأمر من الله ولا يجوز في غير الحروبات او بما أمر الله والرسول في أحكام السنة والشريعة.

إن من غير المنطق افتعال جريمة قتل، تقتل فيها فتاة بهدف الحفاظ على شرفها. إذ أن في الحقيقة ما يقام به من أفعال قتل ضد النساء يكاد يكون تحت نفس الراية "قتلناها تنغسل عارنا ونرجع شرفنا" وبأن قتلها هو حقّ مكتسب للأسرة لمحو عارها ضد من لوّثت شرف الأسرة بغض النظر عن تفاصيل القضيّة. فأي شرف هذا الذي تم استعادته؟! وأي حياة هي التي سيعيشها ذاك القاتل؟! وأي عار هذا الذي لا أحد يعلم إذا ما أرتكب أو لا أصلا؟! فقتل الفتاة لأجل الحفاظ على ماء الوجه لن يزيد الطين الا بله فمنظور الناس الى قاتل الفتاة لن يكون بمنظور البطل المقدام الذي أنقذ المجتمع من التهلكة والفساد بل ستكون نظرة خوف ورهبة وحتى استياء وكره تجاهه والنظرة له لن تكون سوى نظرة لقاتل بلا رحمة أو شفقة.

وإن الامر لا يقف على قتل الفتاة بهدف الحفاظ على الشرف فقط بل يقوم أهل القتيلة بربط قتل ابنتهم بأحكام الشريعة والاسلام بهدف الاقرار ببراءتهم من تهمة القتل. بل ويصرون بأنهم قاموا بتنفيذ الحد الذي أمرنا به الله تعالى في الحكم في قضايا الزنا متجاهلين حقيقة الامر بأن إحدى أهم قواعد الشريعة هي بأن إدرأوا الحدود بالشبهات وبما معناه بأن الشك غير كافٍ لإقامة الحد والعقاب على المتهم، وأن القضية لا تقام ابدا اذا كان أساسها الشك فقط، فإن ما بعد الظن الا الإثم وهذا غير ن الحقيقة بأن الشرع والشريعة لا يقيمها الا علماء الدين ودارسوها، أي انه لا يجوز ابدا البت والحكم ووضع الحد من قبل أي طرف غير القاضي الشرعي والذي هو وحده من يحق له اتخاذ القرار دون سواه، وهو الوحيد الذي لديه كامل الحق بوضع الحد على المتهم.

إضافة الى ما ذكر اعلاه، فإن أحكام الشريعة المرتبطة بالزنا موضوعة تحت اسس وقواعد وقوانين سنية، ولعل اهمها وجود اربعة شهداء يشهدون بأنهم رأوا فعل الزنا يحدث امامهم وشاهدوه بأعينهم وهذا شبه مستحيل!!! أي ان ديننا لن يجرم الزاني الا اذا اعترف بنفسه بانه قام بفعل الزنا وانه هو من يريد بان يوضع الحد عليه ودون ذلك لا يجوز وضع الحد تحت الشك فقط. الا اذا قطع الشك باليقين وهذه القاعدة الإنسانية كفيلة ليس فقط بأن تبرّئ الإسلام من جرائم الشرف بل هي إدانة إسلاميّة واضحة لمن يقتل لمجرّد الشك أو الظن بحدوث الزنا بإسم الدين.
الى جانب أمر رسولنا الكريم انه اذا ما ابتلينا فلنستتر فمن المفضل بأن من وقع في شيء من الفواحش فعليه بأن يستتر ويتوب الى الله وأن لا يفضح نفسه ولا يرفع أمره إلى الحاكم لأن الأمر إذا بلغ الحاكم فقد وجب الحد عليه. اذ أن الله قد خلق الانسان ضعيفا وما خلقه الا ليعبد والتوبة هي نوع من العبادة فالأفضل هنا التوبة الى الله في حال افتعال الشخص إحدى الفواحش على الاعتراف بها وأن يكون العقاب آخر صورة من صور التوبة وغالبا بقرار من الخاطئ نفسه.

ولا بد من اضافة الفكرة بأن الفتاة وحدها لا تُذنَّب بفعل الزنا بل هو عمل مشترك بين رجل وامرأة مما يعنيه بأن الشريعة تذنِّب كلا الجهتين بنفس النسبة فهو ليس بأمر يفتعل لوحده وابدا لا يعني بتذنيب احدهم اكثر من غيره مما يعني، اذا وجدت فتاة خاطئة فيعني ذلك وجود من اشترك بالخطيئة معها وعلى كلاهما يفرض العقاب بالتساوي استنادا على قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) {النور: 2} ذكر الله عز وجل بأن "كل واحد منهما" للدلالة على أنه ليس بأحدهما أولى بالعقوبة من الآخر بل تطبق على الاثنين بنفس المقدار.

فمن خلال هذه المبادئ الإسلامية يؤمن الاسلام بإنسانية الإنسان وبأنه معرّض لارتكاب الخطأ أيا كان ويؤمن بالحفاظ على روحه من أن تزهق وبهذا فإن الشريعة واقامة الحد لا تقف فوق رقبة الإنسان منتظرةً منه أن يخطئ حتى تطيح به كما يتضح من خلال نظرات بعض الناس وغالبا مرتكبو جرائم الشرف للإسلام. بل إن الإسلام يضع اعتبارات عديدة تؤخّر موضوع إقامة الحد للقاضي ووليّ الأمر لكي يعطى فيها المذنب فرصة للتوبة وهذا يعود لكون منزلة أرواح الناس في الإسلام ثمينة وعظيمة وكذلك هي أعراضهم.

إننا إذا ما عدنا الى التاريخ المرتبط بقتل النساء فسنجد أن أولها كان في زمن الجاهلية ووأد الفتيات حيث الفتيات كُنَّ يدفن وهن على قيد الحياة فور الولادة خوفا من العار والفقر التي قد تجلبه الفتاة للعائلة إذا ما عاشت وكأن أمر الله بوقف هذا العمل بل والاشارة اليه كفعل قتل يحاسب عليه الجاني اذ قال تعالى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) {التكوير: 8،9 } ففي هاتان الآيتان الكريمتان يسأل الله تعالى مرتكبي الوأد بأي ذنب قتلن الفتيات وحرمن من نعمة الحياة. والله تعالى عاد وأمر بعدم قتل الفتيات لأجل العار والفقر اذ قال (لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) {الإسراء: 31 } وأكد الله تعالى بأن القتل من أجل الخوف من الفقر او العار ما هو الا خطئا كبيرا ولا يجوز القيام به تحت أي شرط كان.

وإذا استمرينا في إرتباط التاريخ مع قتل النساء فلا بد وأن تعلو حادثة الإفك التي حصلت مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث تم إتهامها فيها بفعل الزنا مع صفوان بن المعطل الذي وجدها وأوصلها بعد أن نسيتها القافلة وبعد إتهامها، قام النبي عليه الصلاة والسلام بالابتعاد عنها. هو لم يأمر بقتلها أو رجمها فهو لم يكن متأكدا مما قيل عنها وحتى أنه أمر الناس بالكف عنها (لا تؤذوني في عائشة) وانتظر أمر الله في الحادثة الا أن نزلت براءتها في سورة النور في الآية رقم 11 ولعل لنا بأن نأخذ عبرة من فعل الرسول وصبر عائشة وهي واحدة من أطهر نساء الأرض ورغم هذا إتهمت بفعل الباطل زورا وكأن الله قد أشار لمن نسب الخطيئة لعائشة بارتكاب الإثم والمعصية بفعلتهم.

بعد كل ما ذكر، لا بد للاشارة بأن قتل النساء تحت عنوان الشرف هو أمر لا يجوز البت فيه كما تهوى أنفس القاتلين، ومرفوضة كل حجة تخرج من أفواههم بأسم الدين، وبأن رمي المحصنات من النساء هو أمر يعاقب عليه كل من يقوم به وبأن الله لن ينسى المغدورين والمظلومين من عباده أبدًا.

جلجولية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة