الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 07:01

قصة المحطة/ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 25/11/15 21:18,  حُتلن: 08:09

انتبهت من سهوتي فإذا بالساعة قد جاوزت الثانية بعد منتصف الليل ..كنت جالسا بجانب مكتبي القديم أراجع كتابا أخيرا لي أوصيت بأن يصدر بعد موتي ولربّما أردت له أن يكون كتاب اعترافاتي لسيّدتي الدُّنْيَا التي نجحتُ في خيانتها من غير علمها فشهدت سعادة لهنيهات حسبتها من صنع الجنّة ..تأمّلت محطات حياتي التي كتبها صديق لي فإذا بها كاذبة محتالة ومنافقة ..قرأتها ألف مرة ولعنت التقادير التي لعبت بي لعبتها وجعلت مني دمية تحركها كيف شاءت، تفرحني للحظات وتنغّص عليّ حياتي لسنين .
سيرتي الذاتية التي خطّتها أنامل صديقي الحميم كانت ميتة، خالية من أثرها ..كيف أكتب عن أي مرحلة مررت بها ولا أذكرها ..كيف وقد التقيتها مرة في معزل عن هذا العالم السّقيم وبات غيابها حاضرا في ما تبقى من سنيني ..
أكان يوم أحد حين خرجت من البيت للعمل فاستوقفتني كالعادة سيارة النفايات التي قُدِّر لي أن أصادفها في كل مشاويري فكنت أضحك من لعبة الوقت الذي يملكنا ولا نملكه.. نتوعّده بالسيطرة عليه ثم يهرب منّا ويتركنا حيارى عاجزين أمام عملية سرقة ظهرت فيها جليّة خفّة يده .
نُخَطِّطُ فنُخْفِقُ فنعيش أحداثا لم تكن لتخطر لنا ببال وهكذا حدث لي في يوم الأحد ذاك البعيد القريب ،الحيّ رغم انقضاء عمره ،أبديّ أنت يا يوم الأحد الذي مننتَ عليّ بلقائها ..فبينما كنت في طريقي بعدما اجتزت سيارة النفايات وودعتها هاتفني زميلي في العمل ليعلمني أنّ عليّ أن أقوم بمهمة ميدانيّة في محطة القطار القريبة التي صادف اليوم يوم افتتاحها ..فغيّرت مسار رحلتي ووصلت إلى المحطة لأجدها فارغة إلا منها ..فقد كان الوقت ما زال مبّكرا ..حبيبتي كانت جالسة على المقعد الخشبيّ الذي قد يكون يحمل ذكريات شجرة بلوطٍّ خُلقت لتعطّر محطّة قطار بلون من ألوان البقاء وضرب من ضروب الكينونة .جلست أيضا على المقعد ولم أتكلّم ولِمَ أتكّلم "والصمت في حرم الجمال جمال " ..
حبيبتي كانت ذَا وجه تطلّ منه نظرة معذّبة وكما تزيّن الحليّ النساء، زيّن الحزن وجه من ستصبح آسرتي ..مرّت الدقائق مسحورة ببطء من عالم آخر .عشقت فيها ما يكفي لألف حياة ..فرحت فيها فرح من وجد نصفه الآخر بعد تباريح الفراق منذ أن فرّقتنا أسطورة الأندروجين اللعينة.. وجدت ما كنت أبحث عنه وتقت لأوقات كنت سأمسح فيها لمحة حزن عن وجه معشوقتي لأجعله يعاقر الفرح فلا يتركه ..ضعت في هذه الدقائق ..نسيت من أكون من غيرها ..وصدّقتُ كذبتي الصادقة ..إلى أن جاء هو ،واضعا ذراعه على كتفها واقتادها إلى حيث تقطن كوابيسي..
لم تزل معي هي بل ورافقتني في كل مكان وأضحت ظلّي ..في كل كلمة كتبتها عاشت وتنفست من أنفاسي المختنقة من غيرها ..والآن ..سأضيف محطة إلى سيرتي الذاتية لتحيا فأحيا
بدفء وجودها بين محطاتي ..التقيتها يوم أحد ولم يفرِّق بيننا إلاّ الموت...
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة