الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 22:02

أين العرب من مخطط تدعيم المباني القديمة؟/ المحامي قيس ناصر

كل العرب
نُشر: 20/11/15 16:16,  حُتلن: 07:24

المحامي قيس ناصر في بيانها:

المسار الرائد اليوم في مخططات تاما 38 هو مسار الهدم والبناء من جديد أي هدم المبنى القديم القائم وبناؤه من جديد والحصول على كمية وحدات سكنية اكثر بكثير مما احتوى عليه المبنى القائم

تطبيق مشاريع تاما 38 سواء بمسار ترميم المبنى القائم واضافة وحدات سكنية او بمسار هدم المبنى القائم وتشييده مجددا يستلزم اخلاء سكان المبنى القائم لفترة زمنية حتى الانتهاء من المشروع

صادقت حكومة إسرئيل عام 2005 على مخطط هيكلي قطري رقم 38 لتدعيم المباني القديمة أمام الهزّات الأرضية. يعرف هذا المخطط باللغة العبرية ب-"تاما 38". المخطط المذكور ينظّم ويشجّع عملية تدعيم المباني القديمة المرخصة التي بنيت قبل عام 1981 وذلك من خلال تدعيم المبنى القائم، السكني او التجاري، وإعطاء صاحب المبنى الحق بإضافة وحدات سكنية جديدة، أفقيًّا أو عاموديا، بالكمية المسموح بها تخطيطيًّا حسب ظروف كل مبنى. وحسب تقرير دائرة التخطيط في إسرائيل فإنّه منذ عام 2005 تمّ تقديم نحو 3500 طلب رخصة حسب "تاما 38" قبل منها نحو 1900 طلب اشتملوا على نحو 8800 وحدة سكنية قديمة رمّمت ووسّعت وعلى 9600 وحدة سكنية جديدة.

والسؤال هو لماذا لم ينفذ في البلدات العربية أي مشروع تاما 38 حتى السّاعة؟ في رأيي أنّ تطبيق مشاريع تاما 38 في البلدات العربية يواجه عددا من المصاعب التي تتطلّب البحث والتغيير، أوجز منها ما يلي:

أوّلًا، يسري المخطّط القطري رقم 38 على المناطق المدنية- البلديّة (אזורים עירוניים) فقط. بل أنّ الاتّجاه التّخطيطي السّائد اليوم ليس باستغلال مشاريع تاما 38 لتدعيم المباني أمام الهزّات الأرضيّة فحسب، بل للاستحداث والتّجدد العمراني أيضا، وذلك من خلال إضافة وحدات سكنيّة جديدة في المناطق البلدية القديمة وترميم واجهات المباني وإضافة مصاعد للمباني القديمة وغير ذلك من الاستحداث العمراني. لهذا يمكننا القول أنّ المخطّط القطري غير موجّه بالأساس الى ترميم المباني والاستحداث العمراني في البلدات العربية.

ثانيًا، إنّ المخطط القطري يسمح لصاحب المبنى أن يرمّم المبنى وأن يضيف له وحدات سكنيّة جديدة. وفي الواقع هذا هو المحفّز الرّئيسي لإغراء وإقناع أصحاب المباني بتدعيم بيوتهم القديمة، وفي سبيل ذلك تمّ أيضا ترتيب التسهيلات والاعفاءات الضريبية المتعلّقة بتنفيذ المشروع. بل أنّ هذه الميزة جعلت مخطّطات تاما 38 مخططات تجارية للمقاولين إذ إنّهم يستطيعون أن يجنوا من هذه المشاريع أرباحًا طائلة جراء بيع الوحدات السكنية الجديدة. هذه الظروف هي أيضا لا تساعد على تطبيق مشاريع تاما 38 في البلدات العربية. اذ ان البلدات العربية تفتقر إلى سوق ناشط لبيع الشقق السكنية وذلك بالأساس بسبب البناء الذاتي على الأراضي الخاصة، وهكذا لا يعتبر مشروع تاما 38 مجديا من الناحية المادية للمقاول المنفذ لانه لا يعود عليه بالربح الكافي من بيع الشقق الجديدة بعد حسبان نفقات المشروع الباهظة.

ثالثا، ان الشقق السكنية الجديدة في مشروع تاما 38 التي تضاف للمبنى القائم الذي يرمم في المشروع تسوّق وتباع لسكان جدد ليسوا بالضرورة من أصحاب الشقق القائمة. ولكن في المجتمع العربي لا يرغب صاحب المبنى القائم، في اغلب الحالات، ان تسوّق الشقق الجديدة المضافة للمبنى للجمهور بل يفضّل ان يبقى المبنى للعائلة والا تدخله عائلات غريبة. هذا الامر يؤدي هو أيضا الى انخفاض المربح الذي قد يجنيه المقاول من المشروع لانه مقيد في بيع الشقق.

رابعا، ان المسار الرائد اليوم في مخططات تاما 38 هو مسار الهدم والبناء من جديد، أي هدم المبنى القديم القائم وبناؤه من جديد والحصول على كمية وحدات سكنية اكثر بكثير مما احتوى عليه المبنى القائم. وفي الواقع ان هذا المسار مربح للمقاولين اكثر من مشروع ترميم المبنى القائم دون هدمه، وذلك لان كمية الوحدات السكنية التي تنتج في مسار الهدم والبناء مجددا اكثر بكثير من مسار الترميم. وهنا نرى مرة أخرى انه ما من مقاول يفكر في مشروع الهدم والبناء مجددا في بلدة عربية لانه لا يجد ان المربح الماديّ الذي سيجنيه في نهاية هذه التجربة سيكون جديرا بالمخاطرة المادية الكبيرة التي يأخذها على عاتقه في مثل هذا المشروع.

خامسا، ان تطبيق مشاريع تاما 38 سواء بمسار ترميم المبنى القائم واضافة وحدات سكنية او بمسار هدم المبنى القائم وتشييده مجددا يستلزم اخلاء سكان المبنى القائم لفترة زمنية حتى الانتهاء من المشروع. بطبيعة الحال يتعاقد سكان المبنى مع منفذ المشروع على ما يستحقونه من ضمانات مادية واجارات شهرية منذ اخلائهم المبنى وحتى العودة اليه بعد تشييده. بالمقابل، يمكننا القول ان العائلة العربية العادية في البلدات العربية محافظة بطبيعتها على نحو تكره فيه التغيير الجذري والمتطرف. هذا يعنى انه من الصعوبة بمكان ان نطلب من عائلة عربية ان تتقبل فكرة اخلاء المبنى الذي تسكنه والسكن في مكان آخر حتى الحصول على شقة سكنية جديدة في المبنى المرمم بعد عدة سنوات. الأمر اكثر تعقيدا اذا كان مشروع تاما 38 هو على نمط هدم المبنى وتشييده مجددا، ولا أرى ان اقناع العائلة العربية العادية بتقبل هذا التغيير الكبير بالامر السهل بتاتا، فهو في نظرها مخاطرة غير مضمونه النتائج. هذه الظروف أيضا، لا تساعد على تطبيق مشاريع تاما 38 في البلدات العربية.

اذا، لو ان المقاولين يرون ان مشاريع تاما 38 مربحة في الوسط العربي لرأينا هذه المشاريع شائعة ورائجة في البلدات العربية كما هي الحال في البلدات اليهودية. والسؤال هو كيف نحوّل البلدات العربية من مواقع يخشى المبادرون الاستثمار فيها الى مواقع يتبارى المبادرون عليها؟ وفي الحقيقة، هذا سؤال مركّب جدا يستلزم دراية في أمور اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تخصّ المجتمع العربي في إسرائيل. على أي حال، على المخطط القطري تاما 38 ان يؤمّن القواعد القضائية التي تذلل المصاعب التي اشرت اليها. ولكن حتى الآن لا يمتّ المخطط القطري 38 باي صلة للبلدات العربية وعلى هذا الامر ان يتغير لما فيه صالح البلدات العربية والبلاد عامة!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة