الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 20:02

قصة قصيرة بعنوان صدفة/ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 19/11/15 19:42,  حُتلن: 07:59

امتزجت الألوان مع الأصوات في فجر شتائي أول لعام لم أعد أتذكر أرقامه بفعل عادة اكتسبتها بعدم إجهاد نفسي في تذكر خانات خانتنا وهي تمرُّ سريعا من غير أن تعمل حساباً لمشاعرنا تجاه تقدّمنا في العمر ..نهضت مبكرة لأبدأ بصنع الصدف في رواياتي ..حكاياتي تضمنت شخصيات حقيقية من العالم المنشغل جدا عن الأبعاد الخفية للأشياء أو عمّا يختبأ وراء سطور الوقائع .. وراء كل اسم تستتر سلسلة من الصدف ولهذا كنت أؤمن أنه ولا بُدّ ، بل من المؤكد والمحتّم أنّ هناك ملاكا مسؤولا عن خلق الصدف في الواقع، وَأَمَّا أنا فكنت مجرد إنسانة نَصَّبَت نفسها مسؤولة عن معجم الصُّدف الروائي .
قبل الانطلاق برحلة رواية أخرى كنت أدخل إلى الشبكة العنكبوتية وأكتب أي اسم يخطر على بالي فتوقع الشبكة بعدد لا نهائيّ من الشخصيات البشرية القصصية الممكنة، فأقوم باختيار إحداها ثم أكتب اسما آخر وأخلق صدفة تجمع بين القصتين ..وقد راق لي أن أجمع بين شخصيات لربما لم تكن لتلتقي على أرض الحقيقة مثل محقق جرائم ومهرجة أو ملاكم من الدرجة الأولى وشابة ريفية تعمل بالمزرعة وكلما كانت الشخصيات بعيدة عن بعضها كانت الروايات التي تجمعها تلقى نجاحا أكبر ..وكان أن فعلت هذا على مدى سنين حتى قررت أن أحيد قليلا عن أسلوبي لشعوري بالملل وقررت أن أكون أنا إحدى الشخصيات في الرواية التي كنت أحضّر لها.
وفي هذه المرة لم ألجأ لطريقتي المعهودة في تقفّي أثر شخصيات ممكنة عبر الإنترنت بل أخذت قرارا بالاستسلام لذلك الملاك الذي سيخطط لأجلي والذي سيعمل بدلا عني في صناعة صدفة أو أكثر في حياتي الشخصية ..
وفي يوم شتائي آخر من عام آخر ، خرجت إلى الشارع من غير تحديد وجهتي بل تركتها لرحمة الصدفة ومشيت ومشيت وبدأت الغيوم المتفرقة تتجمع لتنذر باقتراب هطول المطر ولم أكن أحمل مظلة كعادتي فخطر ببالي أن أختار بين دخول مقهى دافىء لأحتسي شاي أعشاب لذيذ وبين ركوب سيارة أجرة ففضلت الإمكانية الثانية لسبب لا أعلمه فأوقفت واحدة وركبتُ في المقعد الخلفيّ.
-إلى أين ؟
جاء سؤاله رتيبا ذَا نبرة جامدة خالية من أي حيوية
لدرجة أنه كاد يثنيني عن مغامرة اليوم لكنني عزمت على أن أكمل ما بدأت
-إلى أقرب صيدلية من فضلك ..
لم اخترت الصيدلية لا أدري ،لم أكن مريضة ولم أحتج أي دواء لكن مجددا أصغيت لصوت داخليّ
كان يقودني لصدفتي المنشودة والتي ربما كنت أنا من سيصنعها عبر قرارات تنصت لصوت الحدس.
-وصلنا ! في الطرف الثاني من الشارع ستجدين صيدليتين ولَكِ الاختيار .
مجددا كان عليّ أن أختار ..كانت الصيدلية الأولى مزينة بأضواء عيد الميلاد أي أنّها ملك لشخص نصرانيّ الديانة وأما الصيدلية الثانية فكانت تبدو أحدث وأكبر لكنّها لم تكن مزيّنة كالأخرى .
نظرت عبر الزجاج الخارجيّ لكلا الصيدليتين فوجدت أنّ الصيدلية الجديدة تعجّ بالزوّار أمّا القديمة فتكاد تكون فارغة فدخلتها هي دون الثانية ووقفت أنتظر أن ترتطم بي صدفة تقلب موازين حياتي في داخل هذه الصيدلية الخالية من المشترين .. وقفت زمنا بدا لي كدهر إلى أن أيقظني صوت الصيدليّ الذي ارتدى رداءا أبيض
ووقف ممعناً النظر فِيَّ بعدما تكرر نداؤه للغريبة الواقفة أمامه من غير أن تردّ ..
-عذرا لم أسمعك ..آسفة!
-لا بأس ..ماذا تحتاجين ، هل لديك وصفة طبية؟
ارتبكت وسكتّ ..لم أكن أعلم بماذا أجيبه
وفجأة تغيرت تعابير وجهه وقال :
-ألست أنت فلانة؟
-نعم إنّها أنا ..ها..هل تعرفني؟
ظننت أنّه تعرّف عليّ من رواياتي لكنّي تذكرت أنّي امتنعت عن نشر صورتي في أيٍّ منها بل والأنكى من ذلك أنّي كنت أكتب باسم مستعار فكيف عرفني هذا الغريب؟ ..
-أجل ..لقد كنتِ زميلة أختي فريال في المدرسة، أليس كذلك ؟!
-فريال ؟! أنت أخو فريال ؟
-نعم !!
-إذن أنت فلان ،لا أصدِّق ..كيف تذكرتني ؟
احمرّ وجهه خجلا وحاول إخفاء ارتباكه بنثر بعض التعابير:
-يا للصدفة !! بعد كلّ هذه السنين !!إنّه حقًّا لأمر جميل ..
ابتسمت ..
ها هي صدفتي قد وقعت وأوقعتني في شراكها وجمعتني مع شخص لم أكن لألتقيه أبدا لولاها..
روايتي على وشك أن تبدأ بفضل صدفة أم أنّه القدر ؟!
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net  


مقالات متعلقة